الارشيف / سينما و تلفزيون / السينما كوم

Rams... التغني بالطبيعة

فيلم أيسلندي آخر ضمن برنامج بانوراما الفيلم الأوروبي، لكن أحداثه لا تقع في المدينة على نسق فيلم Life in a fishbowl، وإنما في الريف البارد، والفيلم هو Rams لكاتبه ومخرجه جريمور هاكونارسون في ثاني عمل درامي له والذي فاز بجائزة قسم (نظرة خاصة) في الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي الدولي.

يختار هاكونارسون لفيلمه قصة بالغة البساطة متأثرًا على نحو كبير بعمله في مجال الأفلام الوثائقية، وهي عن شقيقين يعيشان في إحدى القرى الأيسلندية ويعمل كلاهما في تربية الخراف التي تعد هي رأس مالهما الأساسي الذي يعيشا عليه، لكنهما لا يتحدثان مع بعضهما البعض منذ أربعون عامًا، لكن القرية بأكملها تنقلب رأسًا على عقب بعد اكتشاف جومي (وهو أحد الشقيقان المختصمان) لوجود مرض الراعوش لدى إحدى أغنام شقيقه، وهو مرض معدّ للغاية بين الخراف والأغنام يصيب الحبل الشوكي والجهاز العصبي لديهم، ولا يوجد له أي علاج على الإطلاق، مما يستدعي حلًا واحدًا فقط، وهو قتل جميع الأغنام في القرية.

يقوم هاكونارسون بتصميم نصه السينمائي بحيث يسير خطاه الرئيسيان (مشكلة انتشار مرض الراعوش لدى الأغنام والعلاقة بين الشقيقين) على نحو عكسي تمامًا، فمع ازدهار عملهما مع الخراف التي يكرسان لها أنفسهما، نلمس وجود حالة من المنافسة بينهما، والتي تتبدى في مشهد المسابقة في بداية الفيلم والتي يفوز بها الشقيق كيدي، بينما مع انهيار مصدر رأس المال الرئيسي لهما، تبدأ الثلوج بينهما في التكسر، وإن لم يكن على دفعة واحدة.

إن حياة الوحدة التي يحياها كل من الشقيقين، حيث يعيش كلاهما بلا زوجة وبلا أبناء، تدلل على مدى تكريس كل منهما وقته لما يحبه أكثر وهو تربية الخراف، وربما تكون هى أكثر علاقة وثيقة مرا بها في حياتهما، بل أكثر حتى من علاقاتهما مع البشر، وهو الأمر الذي يفسر ردود أفعالهما التي كانت متناسبة طرديًا مع خسارتهما الفادحة لقطعانهما، حيث يتكتم جومي على الخراف الباقية لديه حتى لا تعرف الجهات المسؤولة بوجودها، ويغرق كيدي في حالة من الإحباط والإدمان على تناول المشروبات الكحولية، لأن المسألة بالنسبة لهما أكبر من مجرد رأس مال يعتمدان عليه، إنها مسألة شغف.

إن كل تفاصيل الحياة اليومية في القرية والريف الأيسلندي وحتى داخل منزل جومي نفسه مغرية للغاية لأجل ضمها داخل نسيج الفيلم، وهو ما يعمل هاكونارسون بشغف ودأب عليه، بل يكاد الفيلم يكون عبارة عن تتبع مفصل لدقائق التفاصيل في حياة جومي اليومية، ماذا يأكل؟ إلى من يتحدث؟ إلى أين يذهب؟ كيف يتعامل مع الحيوانات التي يرعاها؟ لكن كل التفاصيل لا تقدم فقط لذاتها، وإنما لكي تخدم النص.

ولمن لا يعرف بخبرة هاكونارسون في الأفلام الوثائقية من قبل، فسوف يلاحظ ذلك جدًا على المستوى البصري، فالرجل يعشق التغني بالطبيعة الأيسلندية، ويخصص لها شطر كبير في صورة فيلمه من استخدام مكثف وملحوظ للقطات التأسيسية التي يستعرض بها جماليات هذا المكان الخلاب من وطنه.

أعتقد أن الحفاوة التي حاز عليها فيلم Rams خلال عرضه في مهرجان كان، لم تكن حفاوة مبالغ بها على الإطلاق، بل هي انعكاس كبير للبحث المتواصل عن أجواء أصيلة ومهمشة لا نشهدها عن واقع العيش في أوروبا التي لا نرى منها في الغالب سوى القشرة الخاصة بحياة المدينة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى