الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

تاريخ سري لحرية المرأة في العهد السوفياتي

  • 1/2
  • 2/2

قبل عقدين قرأتُ كتاباً غيَّر طريقة تفكيري حول دور المرأة في العالم. ربما يظن القارئ أن هذا كان دليلاً على تحسين الذات، أو مقالاً بقلم جيرمين جريير، أو سيمون دو بوفوار. لم يكن شيئا من ذلك، بل دراسة بقلم جورج ماسل، وهو مؤرخ أمريكي، بعنوان: "البروليتاريا البديلة: النساء المسلمات والاستراتيجيات الثورية في آسيا الوسطى السوفياتية، 1919 – 1929".
ومع أن الموضوع يبدو مغرقاً في الغرابة، إلا أن كتاب ماسل فتح عيني على مسألة مهمة للغاية. فإذا كنتَ تريد مناقشة وضع المرأة في المجتمع، فلن تستطيع أن تتحدث أبداً عن قضايا المرأة "فقط". على العكس، لأن الطريقة التي يعامل بها المجتمع المرأة تتغلغل في نسيج المجموعة الاجتماعية الكاملة التي تحدد هوية المجتمع، بالتالي إذا بدأتَ بإعادة تعريف دور المرأة، يمكن لهذا أن يؤدي إلى كافة أنواع التداعيات الاجتماعية غير المتوقعة.
ولتفسير الدور المهم الذي لعبه كتاب ماسل في فتح عيني في هذا الموضوع، لا بد من إعطاء خلفية تاريخية قصيرة. قبل الثورة الروسية في 1917 كان عدد من المناطق الواقعة على طريق الحرير، مثل طاجيكستان وأوزبكستان، جزءاً من الإمبراطورية الروسية. وحين أطيح بالإمبراطورية وقعت هذه المناطق المسلمة في أيدي الشيوعيين الروس.
لكن الثوريين شعروا بالإحباط في البداية. ففي العشرينيات كان أهل طاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان معادين للروس وحاول الناشطون الشيوعيون أقصى ما في وسعهم لإيجاد حلفاء من "البروليتاريين" في آسيا الوسطى ممن يرغبون في الانضمام إلى قضيتهم. وهكذا حين راح المفكرون السوفيات يتحركون هنا وهناك، طوروا نظرية مذهلة تعرف باسم "هَزْ المسمار".
افترض هؤلاء أنه إذا كانت أي مجموعة تشكل طبقة مضطهدة في آسيا الوسطى فهي النساء. وأعلن الشيوعيون أن هذا بحد ذاته أمر مناف للأخلاق. لكن كان لذلك مضامين أوسع أيضاً: ساعد اضطهاد النساء على إنشاء هياكل السلطة وإبراز الهوية الثقافية للزعماء (الذكور طبعاً) في آسيا الوسطى. بالتالي إذا تم تحرير المرأة، يمكن لهذا أن يهز المسمار الذي يربط ويجمع البنيان الذي تقوم عليه هذه المجتمعات التقليدية، بحسب النظرية الشيوعية.
وحين ننظر إلى الأمر بعد مرور قرن على ذلك، نجد أن الفكرة تبدو جريئة، إذ إن هناك الآن أصداء لنظرية هز المسمار في كثير من المبادرات في المجتمعات الغربية. مثلا، ما عليك إلا أن تفكر فيما تفعله مجموعات المساعدات في أفغانستان، أو ما يحاول بنك جرامين القيام به من خلال القروض الصغيرة. وأجد أن دراسة ماسل حول ما حدث لحملة هز المسمار في آسيا الوسطى مثيرة للتفكر.
فمنذ عام 1927 أخذ الناشطون السوفيات يتجولون في المنطقة ويحضون النساء على الذهاب إلى المدرسة، ورفض الزواج بالإكراه، والحصول على وظائف. وتم إحداث تغيير شامل في شعائر الزواج التقليدية وحصلت النساء على حقوق قانونية جديدة، بل حصل بعضهن على مناصب سياسية، وأطلقت حملات ضد الحجاب الإسلامي.
ولم يكن من قبيل المفاجأة أن هذا أحدث ردة فعل عنيفة من الزعماء المحليين (الذكور)، إلى درجة بلغ فيها الأمر في أوائل الثلاثينييات حدا من العنف حمل موسكو في النهاية على التخفيف من سياساتها المتشددة. لكن جهود النشطاء استمرت، مع مساندة قوية من النساء. وبعد ستة عقود، حين سافرْتُ إلى طاجيكستان السوفياتية، اكتشفتُ أن عدم المساواة بين الجنسين لا يزال موجوداً، إلا أن تغيرا حقيقيا وقع فعلاً. كانت البنات يذهبن إلى المدرسة، إن لم يكن الجامعة، ويمارسن حقوقهن القانونية، ويتزوجن في سن غير مبكرة، وأحياناً يتولين مناصب سياسية. وكان هذا تقابلاً مذهلاً بالنسبة لما سبق أن شاهدْتُه في باكستان وأفغانستان، أو تقريباً في أي مكان في العالم الإسلامي.
بطبيعة الحال، هذه "الحريات" المتعلقة بالنوع سارت جنباً إلى جنب مع أشكال القمع الكريهة الأخرى من السوفيات، التي تجعل بدني يقشعر من هولها. لكن النقطة المهمة هي أن ما تبينه لنا حكاية طريق الحرير التي نسِيت منذ فترة طويلة، تتمثل في أن مكانة المرأة وحقوقها يمكن أحياناً أن تتغير، حتى في الأماكن غير المتوقعة ـ وأن الغرب لا يملك احتكاراً على ترويج الإصلاح في معاملة النوع. وما هو أهم من ذلك، أن الحملات الرامية لتحسين حقوق المرأة لا تحدث أبداً في فراغ، فهي تهز مسامير هياكلنا الاجتماعية أيضاً. وهو ما يمكن أحياناً أن يجعل الموضوع مثيراً للغاية، ووجدانياً، وباعثاً على التحدي العميق.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى