الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

سوزان رايس.. الرئيسة الأميركية القادمة.. المرأة الشجاعة

  • 1/2
  • 2/2

من يرى سوزان رايس في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لا يتصوّر أن الولايات المتحدة ، تعاني انحسارا كبيرا في الشرق الأوسط ومواقع حساسة كثيرة أخرى في العالم، بفضل الحضور الذي تصنعه من حولها، المرأة السوداء التي يثق بها الرئيس أوباما، والتي تستطيع نقل صورة بلادها بالطريقة التي تريدها هي، وفي اللحظة التي ترغب فيها بأن تظهر ما تشاؤه من رسائل سياسية توجهها هنا وهناك، في الوقت الذي يفشل فيه فريق الدبلوماسية الأميركية في حلحلة قضايا كثيرة داخلية وخارجية، ليس أقلّها أهمية فصل السلطات في عمل الأجهزة الكبرى فيها، من وكالة المخابرات المركزية، إلى وزارة الدفاع إلى الخارجية، وتدفق التيار الديني في المؤسسات المدنية.
كانت سوزان قد ولدت في واشنطن العاصمة، في العام 1964، لوالد محبوب ومحترم في الأوساط السياسية الأميركية، فهو أستاذ الاقتصاد في جامعة كورنيل والمحافظ السابق للنظام الاحتياطي الفيدرالي، وأمها لويس هي باحثة في سياسة التعليم وباحث زائر في معهد بروكينغز، فلم تكن تنشئتها منفصلة عن ذلك المناخ، وكما يقول عنها الأميركيون كانت رايس تسمع النقاشات السياسية على مائدة العشاء، وعلى تلك المائدة التقت بمادلين أولبرايت التي دعاها والدها، وهي السيدة التي فتحت الطريق لسوزان فيما بعد، بعد أن أصبحت أولبرايت أستاذتها وصديقتها وقامت بترشيحها للعمل في الخارجية قبل سنوات، بعد أن برهنت على قدرات خاصة يندر وجودها عند غيرها من الموظفين.
عالم رايس العفوي والدقيق
سارعت سوزان إلى إنهاء دراستها بتفوق، وانخرطت في مجالس الطلاب وتولت رئاستها، بينما لا يخطئ من يراقب أداءها وحركة جسدها أنها خاضت بطولات في ألعاب القوى في مرحلة فتوّتها، ونافست في ثلاث رياضات مختلفة، ونالت منحا دراسية جعلتها تشهد أن البلاد تجاوزت مرحلة الفصل العنصري.
في العام 1986 حصلت رايس على البكالوريوس في علم التاريخ من جامعة ستانفورد ، وتابعت دراساتها في أكسفورد في أنكلترا، حيث حصلت على الماجستير والدكتوراه، وكانت أطروحتها في انتقال روديسيا من حكم البيض، وحصل بحثها على جائزة الكومنولث الملكية للبحوث المتميزة، وجائزة تشاثام هاوس لأطروحة الدكتوراه الأكثر تميّزا في المملكة المتحدة في مجال العلاقات الدولية، وكانت قد تحاوزت العام 1990 منجزة دراساتها الأكاديمية، لتنتقل للعمل في كندا مستشارة في الإدارة الدولية لشركة ماكينزي، وبعد سنتين تزوجت سوزان من منتج تلفزيوني في هيئة الإذاعة الكندية.
بعد سنة واحدة فقط تم تعيينها في مجلس الأمن القومي في واشنطن، في ولاية الرئيس كلينتون، لتشغل منصب مدير المنظمات الدولية وحفظ السلام، وكان لتلك الوظيفة أن تسبب لها الكثير من المشاعر المؤلمة والأحزان بسبب المشاهد التي رأتها في رواندا والإبادة الجماعية حيث قالت حينها: ” رأيت المئات إن لم يكن الآلاف من الجثث المتحللة خارج الكنيسة وداخلها، كان الأمر الأكثر رهبة الذي أراه في حياتي، أمر يجعلك مجنوناً، يمنحك العزم”، وقد قامت بواجبها جيدا فكلفها كلينتون بمنصب المساعد الخاص للرئيس والمدير الأول للشؤون الأفريقية في العام 1995.
وفي تلك المرحلة، تقدمت من خلف ظهرها يد أولبرايت، لتمنحها الدفع اللازم، فأوصت بها لمنصب وزيرة دولة للشؤون الأفريقية في العام 1997، فتم تعيينها، وواجهت الكثير من الاعتراضات بسبب سنها الصغير، وقلة خبراتها، ولكنها فاجأت الجميع، وأظهرت أنها اكتسبت خبرات كبيرة من هذا المنصب وخاصة في شؤون المنظمات المتطرفة وتنظيم القاعدة، فقد كانت أبرز الأحداث في فترتها التفجيرات الإرهابية في السفارات الأميركية في تنزانيا وكينيا عام 1998، وبوصول الجمهوريين إلى البيت الأبيض، ابتعدت رايس عن العمل السياسي المباشر في الدولة، وذهبت نحو الأبحاث والدراسات من جديد، فأصبحت في العام 2002 زميلا بارزا في معهد بروكينغز، وتولت مهمة الإشراف على البحوث المتخصصة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والدول الضعيفة والفاشلة، وكذلك الآثار المترتبة على الفقر في العالم والتهديدات الأمنية العابرة للحدود الوطنية.
مع العام 2008 والانتخابات الرئاسية الجديدة، عادت رايس سريعا، لتصبح كبيرة المستشارين السياسيين للرئيس الأميركي أوباما في حملته الانتخابية ، وينسب إليها كثيرون نجاح أوباما في حملته، وبالأخص في جانب السياسة الخارجية، وبعد فوزه رشحها أول رئيس أميركي أسود لتكون سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتمت المصادقة على ذلك من قبل مجلس الشيوخ الأميركي لتصبح أول امرأة من أصل أفريقي تتولى هذا المنصب، بعد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ، ثم رشّحها أوباما من جديد، لتكون وزيرة للخارجية، ولكن هذا الترشيح وُوجه بالرفض من قبل الكونغرس الأميركي، بسبب تصريحات جريئة لرايس تتعلق بمقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز في بنغازي في أيلول ـ سبتمبر من العام 2012، فسحبت ترشيحها في أواخر ديسمبر 2012 ، فعينها أوباما في حزيران ـ يونيو من العام 2013 الجاري، مستشارة للأمن القومي، خلفا لتوم دونيلون، فاستفادت رايس من عالمها الداخلي الدقيق والعفوي معا والقائم على المعرفة والثقة العالية، فكثيرا ما قالت إنها تتحدث بلسان أميركا وليس بصوتها الشخصي.
دور أميركا كما تراه رايس
تعتقد رايس أن الولايات المتحدة عليها أن تلتزم سياسة اليد النظيفة، فلا يتوجب عليها التقدّم أكثر في الملفات التي اعتادت الإدارات السابقة زجّها فيها، ولكنها لا ينبغي أن تنسحب من القيام بدورها، ولا أن تتخلى عن نفوذها المباشر أو غير المباشر في أنحاء العالم، تقول رايس: “إن مصالح الولايات المتحدة كثيرة ومتعددة، ولا ينبغي اقتصارها على منطقة بعينها دون مناطق أخرى”.
ويواجه رايس تحديان كبيران، الأول هو التيار المحافظ الذي يمثله وزير الخارجية جون كيري، والذي يريد الإبقاء على المعادلات القديمة في العالم، والشرق الأوسط بالتحديد، ويسعى لإعادة السلسلة الطويلة من المفاوضات ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أما التحدي الآخر فهو فلسفة أوباما في الحكم والتي ترى أنه لا ينبغي فعل أي شيء يتضمن جانبا من المغامرة في أول رئاسة سوداء ديمقراطية للبيت الأبيض، والتحديان يؤرقان رايس التي تختلف شخصيتها تماما عن تلك المحددات وتتميز بالشجاعة والمغامرة والتهور أحيانا، ومن خلال هذا التناقض، فقد كانت رأس حربة في الحرب على الدكتاتور الليبي معمر القذافي، ودفعت بقوة من أجل اشتراك الولايات المتحدة في العمليات العسكرية، وحين أصبحت مستشارة للأمن القومي، وقفت رايس ضد عزل الرئيس مرسي في مصر، ودافعت عن حقوق الإنسان، مما دفع بأحد السياسيين الإسرائيليين إلى القول:” إذا كانت رايس مهتمة بحقوق الإنسان المتعلقة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، فلماذا لم تقنع أوباما بالتدخل الفوري والجاد لمساندة حقوق الإنسان في سوريا؟”، والحقيقة أن رايس حاربت في مجلس الأمن من أجل حقوق الإنسان في سوريا، ففي كانون الثاني ـ يناير من العام 2012 وبعد الفيتو الروسي والصيني ضد قرار مجلس الأمن الذي كان سيدعو الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي، أدانت رايس بشدة كلا البلدين، وقالت: “إن الولايات المتحدة ونحن نقف مع شعب سوريا.. روسيا والصين من الواضح مع الأسد”، وأضافت أنها “تشعر بالاشمئزاز أن اثنين من أعضاء هذا المجلس يواصلان منعنا من الوفاء بهدفنا الوحيد وهو إنقاذ الشعب السوري”، وقد احتج الدبلوماسيون في مجلس الأمن على تصريحاتها ووصفوها بأنها “غير مهذبة” وحادة للغاية.
وكتبت سوزان كورنويل ولويس شاربونو في وكالة رويترز عن سوزان رايس أن هناك 15 ممثلا لـ 15 دولة في مجلس الأمن يشكون من عدوانية رايس، ويصفونها بأنها غير دبلوماسية، و”في بعض الأحيان وقحة إلى حد ما” وقالوا إنها تستخدم في الجلسات الرسمية عبارات من نوع، “هذا حماقة” أو “دعونا نقتل هذا” أو “هذا هراء”، وأرجعوا هذا إلى ثقافة “رعاة البقر” التي تتمتع بها، ولكن ديفيد روثكوبف، المدير الأعلى والمحرر المتجول لمجلة الفورين بوليسي قال عن رايس “إنها ليست سهلة” مضيفا “لست متأكدا من أنني أريد أن ترافقني في نزهة مع عائلتي، ولكن إذا كان الرئيس يريد لها أن تكون وزيرة للخارجية، فإنها سوف تعمل بجد”.
السفير الروسي إلى مجلس الأمن فيتالي تشوركين عانى هو الآخر مع رايس وقال “حقا إن هذا القاموس الذي يعلمونه لطلاب ستانفورد وما فيه من الشتائم يجب أن يحل محله شيء أكثر لطفا، لأنه بالتأكيد ليست هذه هي اللغة التي ننوي مناقشة المسائل مع شركائنا بها في مجلس الأمن”، وكان تشوركين من خلال أقواله يسخر من دراسة رايس في جامعة ستانفورد.
رايس والعالم
كان على رايس أن تطوّق تداعيات التفاهم الأميركي الإيراني الذي تم مؤخرا، فقامت بعقد سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولين إسرائيليين في محاولة للحصول على تأييدهم، ونجمت هذه الاجتماعات التي أعلنها بيان البيت الأبيض عن محادثات جرت بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، مع محاولة واشنطن إقناع إسرائيل المتشككة بدعم الاتفاق الإيراني، والتقت رايس بالإضافة إلى نائبها توني بلنكين ومسؤولين كبار من وزارتي الخارجية والخزانة مع يوسى كوهين مستشار الأمن القومي الإسرائيلي ومسؤولين إسرائيليين آخرين، وعلى جبهة أخرى خصت رايس في استعراضها لسجل حقوق الإنسان على مستوى العالم الصين وروسيا بالانتقاد، وتحدثت عن احتجاز الصين لشيوي تشي يونغ، الناشط المدافع عن حقوق الإنسان، وليو شياو بو، الحاصل على جائزة نوبل الذي صدر في حقه حكم بالسجن 11 سنة في العام 2009 بتهمة “التخريب” لدعوته إلى إسقاط نظام الحزب الواحد، وقالت رايس في كلمة أمام المؤتمر السنوي الأول لحقوق الإنسان “الشعب الصيني يواجه قيودا متزايدة على حرية التعبير والتجمهر والاتصال وهذه سياسة قصيرة النظر، وحين تصدر المحاكم أحكاما بالسجن على منشقين سياسيين يدعون فقط إلى احترام الصين لقوانينها لن يشعر أحد بالأمان في الصين بما في ذلك الأميركيون الذين ينوون تنفيذ مشروعاتهم هناك”، وقالت رايس إن روسيا مستمرة في “جهود ممنهجة للحد من نشاط المجتمع المدني الروسي وإنها تشوه سمعة المثليين والمثليات وتجبر دولاً مجاورة مثل أوكرانيا على أن تدور في فلكها”.
وترى رايس أنه “لا يمكن لأي دولة بلوغ كامل طاقاتها الكامنة حين يتخلف نصف سكانها عن اللحاق بالركب” شارحة كيف يمكن أن يكون مصير الدول التي تفرّط في حقوق الإنسان وحريات مواطنيها، وتؤكد مستشارة الأمن القومي دائما على أن الولايات المتحدة تساعد البلدان حول العالم على تعلّم كيفية رفع أوضاع المرأة من خلال عدة وسائل مثل الحماية الدستورية وزيادة الفوائد لشركات الأعمال التي تملكها النساء.
أما أغرب تصريحات رايس فكانت عن قدرات الولايات المتحدة الخارقة في مكافحة العنف حول العالم، والمساعدة في تقوية القدرة على الاستجابة للفظائع الجماعية، وقالت “إن الولايات المتحدة بصدد تطوير أدوات وشراكات لتوفير الإنذار قبل اشتعال العنف”، وتتباهى رايس، بأنه خلال حكم أوباما فقط، انضمت الولايات المتحدة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وجعلته أكثر فعالية في تسليط الأضواء على إساءات حقوق الإنسان، وتعمل الولايات المتحدة أيضا بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لتعزيز المساءلة حول أبشع الجرائم وللمساعدة في تحقيق التغيرات السلمية في البلدان التي تشهد نزاعات.
تمضي رايس في طريقها إلى القيادة، وتعتبر رئاسة أوباما نجاحا شخصيا لها، وخطوة من خطواتها، ولكنها لا ترى هذا كافيا، وقد تشهد الولايات المتحدة معجزة وصول رئيس أسود آخر بعد أوباما مباشرة، يضمن بقاء الديمقراطيين في الحكم ويحقق ما عجز أوباما عن تحقيقه.. ولكنه سيكون هذه المرة.. امرأة قوية.

العرب

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى