الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

# كلنا روجيه غارودي

  • 1/2
  • 2/2

الكاتبة الصحفية: عاليه اسحاق الشيشاني - الأردن - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

مضت اسابيع عديده على العملية التي استهدفت صحيفة ( شارلي ايبدو) والتي اعلن تنظيم القاعده في جزيرة العرب مسؤوليته عنها،  ردا على  قيام الصحيفة  بنشر رسوم  كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام ، لكن العاصفة التي رافقت هذا الحدث لم تهدأ ، وستبقى ذيولها حاضره ، ومن المؤكد  انه سيبقى هناك من ينفخ في الرماد مرات ومرات .
بغض النظر عما اذا كان تنظيم القاعده هو فعلا من قام بتلك العملية ام لا ، ام انها عملية اسرائيلية مدبره لمعاقبة فرنسا على اعترافها بالدولة الفلسطينية ،  فانها بلا شك حجة جديده لتصعيد حالة الاسلاموفوبيا المنتشره في اوروبا والغرب عموما منذ سنوات ، وجرعة اضافيه معززة لمن يعادون الوجود العربي والاسلامي المتنامي يوما بعد يوم في الغرب .
الحشد السياسي والاعلامي الضخم الذي رافق العملية والمسيرات التي اعلنت رفضها للعنف في مواجهة حرية الرأي وتكميم الافواه تبدو غير مفهومه ، وكأن حرية الرأي والتعبير لا تكتمل محاسنها الا بجرح مشاعر اكثر من مليار مسلم يعتبرون النبي محمد عليه الصلاة والسلام قدوتهم ومعلمهم .
      لعل العديد ممن راقب تلك الضجة الاعلامية المزعومة حول الحريه الفكريه ، تذكر المفكر الفرنسي المسلم روجيه غارودي الذي جلب لنفسه عداوة الدوائر الصهيونيه والمتصهينه في الغرب عندما نشر كتابه ( الاساطير المؤسسه للسياسة الاسرائيليه) وفند من خلاله رقم الستة ملايين يهودي الذين راحوا ضحية المحرقة النازيه في الحرب العالمية الثانية ، الرجل اعتبر ان الرقم المذكور مبالغ فيه ولم ينكر وقوع المحرقة ، الا ان ذلك لم يشفع له ، حيث وجه له القضاء الفرنسي في نيسان 1996 تهمة (  انكار وقوع جرائم ضد البشريه ). واستند القاضي لتبرير قراره الى قانون سويسري دخل حيز التنفيذ عام 1995 جاء فيه ( يعاقب كل من يقلل علنا او ينفي او يسعى الى تبرير ابادة ، او جرائم اخرى وقعت بحق الانسانيه) . وبذلك تم التضييق على غارودي وعلى كل من ابدى تأييدا او تعاطفا معه وعلى رأسهم الاب بيير وهو رجل دين فرنسي كان يحظى باحترام معظم الفرنسيين بسبب نشاطاته وجهوده الخيريه في خدمة الفقراء والمشردين ، لم يشفع للاب بيير انه طاعن في السن فقد قامت الدنيا عليه بسبب تضامنه مع غارودي ، وجرى فصله من الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية واللاسامية بعد أن كان عضوا في مجلس الشرف فيها. وطلب اليه اسقف باريس، إثر الضجة، أن ينسحب من الحياة العامة. وبالفعل اعتزل الكاهن في أحد الأديرة الايطالية الا انه عاد الى العمل الانساني وتوفي عام 2007 .
      لقد كنا نطالع في اواسط التسعينيات العديد من الاخبار حول منع تداول كتاب غارودي المذكور ففي عدد صحيفة الرأي الاردنيه الصادر بتاريخ 16/6/1996 نطالع العنوان التالي            ( سويسرا تصادر كتاب غارودي " الأساطير المؤسسة للسياسه الاسرائيليه"  ) وفي صحيفة العرب الصادرة في لندن بتاريخ 20/8/1997 عنوان آخر ( ادانة مكتبتين في جنيف لعرضهما كتاب غارودي) وجاء في نص الخبر انه تم فرض غرامة ماليه على صاحبي المكتبتين قيمتها 5000 و 3500  فرنك سويسري على التوالي .
ان غارودي ليس اول من تأذى من الكتاب والباحثين بسبب خوضهم في موضوع المحرقة فالقائمة طويله ، وكم كنت اتمنى ان اشاهد حملة مضاده لحملة (كلنا شارلي ايبدو) عنوانها   ( كلنا روجيه غارودي) ،وان كان الرجل قد رحل عن دنيانا قبل اعوام فان فكرته التي ناضل من اجلها باقية لم تمت ، فبأي حق يتم عرقلة جهود الباحثين في مسائل تاريخيه كمسألة المحرقة في حين يعتبر اهانة رمز المسلمين حرية تعبير .
ان تعامل الغرب بهذه الازدواجيه مع مسألتي ( صحيفة شارلي ايبدو) وكتاب ( غارودي) هو دليل على انه ما من منظومة انسانية يمكنها ان تدعي الكمال او الانفراد بامتلاك ناصية الحقيقة ، وعليه فان نظام الحريات الغربي خاضع للأخذ والرد كغيره من افرازات التجارب الانسانيه .

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى