الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

الوجه الأخر لواقع المرأة القروية في المغرب

  • 1/2
  • 2/2

البُؤسُ والشقاء والحرمان والفقر والعزلة؛ هو العنوان الذي تتّسم به حياة المرأة المغربية في القرى والبوادي النائية، حسب تقرير مفصّل أعدّته مؤسسة "إيطو" لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف، شمل قبائل من المغرب العميق، أو "المغرب الآخر"، كما سمّته رئيسة المؤسسة نجاة إخيش، هما ورزازات وتارودانت.
هناك، وبعيدا عن "المكتسبات" الحقوقية التي تتحدث عنها الفعّاليات النسائية في صالونات الرباط والدار البيضاء، وفي الندوات الصحافية، لا تعرف النساء أصلا شيئا اسمه "مدوّنة الأسرة"؛ هناك ما زالت الطفلات الصغيرات يتزوّجن في سنّ السابعة والثامنة، وتصل نسبة الزواج بدون عقد، أو ما يسمّى "زواج الفاتحة" إلى ما يقارب 50 بالمائة، فيما تصل نسبة الأمّية إلى 99 بالمائة.
 الافتقار إلى كلّ شيء
"هنا لا يوجد مستشفى، ولا توجد سيّارة إسعاف؛ عندما تسقط الثلوج تتعذّب النساء الحوامل كثيرا، قريتنا تنقطع تماما عن العالم الخارجي، وكثير منهنّ يمُتْن أثناء المخاض، بسبب بُعد المستشفى وغياب سيارة إسعاف وانقطاع الطرق"، يقول أحد رجال قرية "إمينولاون" نواحي ورزازات أمام كاميرا مخرج الفيلم الوثائقي الذي أعدّته مؤسسة "إيطو"، التي نظمت قافلة إلى تلك المناطق النائية.
ومن حيث انتهي كلام الرجل أكملتْ شابّة صورة المأساة بعبارة صادمة: "لقد وصل عدد النساء الحوامل اللواتي توفين مؤخرا خمس نساء"، ثم تصمتُ تاركةً تقاسيم وجهها تعبّر عن بشاعة حجم المأساة، فيما تلخّص عجوز حفر الزمن والشقاء أخاديد عميقة على وجهها بعبارة "حنا كانتكرفصو بزاف ملي كايطيح الثلج".
النساء في هذه المنطقة، والرجال على حدّ سواء يتقاسمون المعاناة والبؤس والشقاء؛ هنا، وبعيدا عن الخطاب الرسميّ للدولة الذي يتحدّث عن حقوق الإنسان، ما زال رجال السلطة "يستعْبدون" السكان، يقول أحدهم "عندما نريد الحصول على وثيقة إدارية يجب أن نقدّم مقابلها خدمة ما لـ"المقدّم"، عندما نتوجّه لديه يأمرنا أن نصطحبه إلى بيته باش نهرّسو ليه الكركاع، أو القيام بأعمال أخرى، قبل أن يسلّمنا الوثيقة".
مدوّنة "مجهولة"
رغم مرور عشر سنوات على مصادقة البرلمان على مدوّنة الأسرة الجديدة، إلاّ أنّ نساء ورجال "المغرب الآخر" لا يعرفون عنها شيئا، أو سمعوا عنها لكنهم يجهلون مضامينها؛ "هل تعرفين مدوّنة الأسرة؟"، تسأل رئيسة جمعية "إيطو" سيّدتين من قرية "إمي نولاون" نواحي وزرازات، فتجيب السيّدتان بالنفي؛ تتوّجه رئيسة المؤسسة إلى شابّين كانا واقفين بالقرب من السيّدتين بالسؤال نفسه، يصمت أحدهما فيما أجاب الآخر "سمعت عنها، لكنني لا أعرف شيئا عن مضامينها".
وبلُغة الأرقام المفصّلة التي خلُص إليها تقرير قافلة "FANNA 2013"، التي نظمتها مؤسسة "إيطو" إلى كل من قبائل "إمغران" نواحي ورزازات وقبائل "أيت مقور" نواحي تارودانت، فإنّ 86% من نساء جماعة "تاويالت" وقيادة "أسكاون" بتارودانت، يجهلْن تماما مدوّنة الأسرة، فيما 14% فقط يعرفنها معرفة سطحية، 95% منهنّ سمعْن بها عن طريق التلفاز.
أما في جماعة "إمينولاون" وقيادة "تندوت" بإقليم ورزازات، فتصل نسبة النساء اللواتي يجهلن مدوّنة الأسرة، إلى 92% من مجموع النساء اللواتي شملهنّ البحث، (86% سمعن عنها عبر التلفاز و7% عن طريق المذياع)، فيما لا تتعدّى نسبة النساء اللواتي يعرفن المدوّنة معرفة سطحية 8%.
هؤلاء النساء لا يعرفن من المدوّنة سوى الاسم، فيما يجهلن مضمونها جهْلا تامّا، وتعزى أسباب جهْل نساء هذه المناطق لمدونة الأسرة، حسب التقرير، إلى انعدام التوعية بالمدونة من طرف الدولة، وإلى ضعف عمل المجتمع المدني بهذا الخصوص.
زواج "الفاتحة"
على الرغم من أنّ مدوّنة الأسرة التي صادق عليها البرلمان سنة 2004 تنصّ على إمكانية زواج الفتاة بدون وليّ، إلا أنّ أغلبية النساء المتزوّجات في القبائل التي شملها التقرير بنواحي ورزازات، لا علم لهنّ بذلك، حيث إنّ أغلب النساء في تلك المناطق، واللاتي تزوّجن بعد سنة 2004، تزوّجن بوليّ، ووصلت النسبة في نواحي تارودانت إلى 91%.
في هذه المناطق يتفشّى زواج القاصرات بشكل كبير، فإذا كانت مدوّنة الأسرة قد حدّدت السنّ القانونية للزواج في 18 سنة، فإنّ 55% من الزيجات المسجّلة نواحي ورزازات، تقلّ أعمار الزوجات فيها عن السنّ القانونية التي حدّدتها المدونة؛ أكثر من ذلك، تصل نسبة عدد المتزوّجات منهنّ بدون عقد إلى 72%، بينما بلغت نسبة القاصرات المتزوجات في نواحي تارودانت 40%، وعدد الزيجات غير الموثقة 31%.
في المقابل، لم يتعدّ عدد حالات الطلاق المسجّلة 2% فقط؛ وتفسّر نسبة الطلاق المتدنّية حسب ما سجّله البحث، بمجموعة من العوامل، منها الخوف من الطلاق كمفهوم، ومن نظرة المحيط للمطلّقة؛ الخوف من العودة إلى الأسرة الممتدّة؛ الرغبة في الحفاظ على شمل الأسرة والجهل بالمساطر القانونية وبمدونة الأسرة.
نسبة أمّية ساحقة
بعيدا عن الأرقام الرسمية التي تتحدّث عن انخفاض نسبة الأمية في صفوف المواطنين المغاربة، فإنّ آفة الأمية تتفشى وسط سكان "المغرب العميق" بشكل كبير؛ الأرقام التي توصّل إليها البحث الذي أنجزته مؤسسة "إيطو"، سجّلت أرقاما صادمة بهذا الخصوص، إذ وصلت نسبة الأمية وسط نساء القبائل التي أجري فيها البحث نواحي تارودانت إلى 92%، وترتفع النسبة لتصل في قبائل ورزازات إلى 97%.
النساء لسن وحدهنّ اللواتي يعانين من الأمية في هذه المناطق، بل حتى الرجال، الذين تصل نسبة الأمية في صفوفهم إلى 64% نواحي تارودانت وتصل إلى 85% في صفوف رجال قبائل ورزازات، وتصل نسبة النساء اللواتي لديهنّ رغبة في التعلم ومحو الأمية إلى 75% من الأمّيات نواحي تارودانت، فيما 25% منهنّ لا يرغبن في التعلّم، لعدّة عوامل، 55% بسبب أشغال البيت؛ 33% بسبب كبر السنّ وعدم القدرة على التركيز و 12% إمّا لبُعد مكان التعلّم أو لرفض الزوج.
أما في نواحي ورزازات فتصل نسبة النساء الراغبات في التعلم ومحو الأمية إلى 89%، فيما لا تتعدى نسبة عدد غير الراغبات في التعلم 11%، وذلك لعدّة أسباب، عزتْها 56% منهنّ إلى أشغال البيت؛ 26% إلى كبر السنّ و18% إلى رفض الزوج أو بعد مكان التعلّم.
الأطفال أيضا أمّيون
إذا كانت نسبة النساء الأميات في قيادة "تندوت" وجماعة "إمينولاون" بإقليم ورزازات تصل إلى 97%، فيما تصل النسبة في صفوف الرجال إلى 85%، فإنّ الأمية في هذه المناطق تتفشى أيضا حتى في صفوف الأطفال، إذ تصل نسبة الأطفال الأميين من بين مجموع عدد الأطفال (1769 طفلة وطفل)، إلى 35%، فيما يصل عدد المتمدرسين إلى 27%، (87 يدرسون في المستوى الابتدائي، و13% فقط في المستوى الإعدادي)، وتبلغ نسبة عدد المنقطعين عن الدراسة 18%.
أما في قيادة "أسكاون" وجماعة "تاويالت" بإقليم تارودانت، فتصل نسبة الأطفال الأميين إلى 35% (نفس الرقم المسجّل في نواحي ورزازات)، وتبلغ نسبة عدد المتمدرسين 21%، ولا تتجاوز نسبة عدد الذين يدرسون بالمستوى الإعدادي 17%، بينما يدرس 78% في المستوى الابتدائي، أما نسبة المنقطعين عن الدراسة فتصل إلى 19%، منهم 44% من الذكور و 56% من الإناث.
وتعود أسباب انقطاع الأطفال عن الدراسة في هذه المناطق إلى عدّة عوامل، من بينها الخروج إلى العمل، وبُعد المدرسة، وغياب الإمكانيات المادية أو رفض الأب.
"جريمة قانونية"
من بين الاختلالات التي وقف عليها الساهرون على إنجاز البحث الذي امتدّ على مدى أسبوعين، والذين وصل عددهم إلى ستّين فردا، وجود مواطنين يتوفّرون على بطائق التعريف الوطنية دون أن يكونوا مسجّلين في الحالة المدنية.
نجاة إخيش، رئيس مؤسسة "إيطو" لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف، التي نظّمت القافلة، قالت في تصريح لهسبريس، قبيل الندوة التي عقدتها المؤسسة مساء أمس بمدينة الدار البيضاء لعرض خلاصات التقرير، (قالت) إنّ استصدار بطائق التعريف الوطنية للمواطنين دون تسجيلهم أوّلا في دفاتر الحالة المدنيّة "يعتبر جريمة قانونية ترتكبها مصالح وزارة الداخلية والسلطات المحلية".
وتساءلت إخيش "كيف يعقل أن يحصل مواطن على البطاقة الوطنية وهو غير مسجل في لوائح الحالة المدنية؟" قبل أن تستدرك بأنّ ذلك راجع إلى استغلال المواطنين للمشاركة في الانتخابات، "مما يبين على أنّ التعامل مع المواطنين المغاربة في المغرب الآخر تحكمه عقلية تعتبرهم قطيعا انتخابيا ليس إلاّ".
استمرار التعامل مع مواطني "المغرب الآخر" بهذه العقلية، تضيف إخيش، سيعطل شَقّ المغرب لطريقه نحو النموّ، "إذ كيف يعقل أن نطالب المواطن المغربي بالقيام بواجبه تجاه الوطن وهو محروم من أبسط حقوقه التي يكفلها له القانون"، مشيرة إلى أنّ السلطات المحلية بالمناطق التي زارتها قافلة "FANNE 2013" وضعت عراقيل كثيرة للحيلولة دون وصول القافلة إلى المناطق التي زارتها، "لأنهم يخافون من اكتشاف المستور، الذي على الحركة النسائية أن تعمل على كشفه، لأنّ المواطنين هناك يعيشون واقعا مزريا جدّا".
وتمثّلت أهداف قافلة "FANNE 2913"، التي نظمتها مؤسسة "إيطو" خلال شهر شتنبر الماضي، والتي دأبت على تنظيمها كل سنة، في توزيع مساعدات عبارة عن ملابس وأغطية وأدوية على ساكنة المناطق التي تزورها، وتقديم الاستشارات، للنساء على الخصوص، والاستماع إليهنّ، ورصد مظاهر العنف التي تتعرض لها النساء والأطفال والساكنة المحلية عموما.

هيسبريس-

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى