الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

"الجنس" لدى نساء داعش.. "إغواء" أم "خيار اضطراري"؟

  • 1/2
  • 2/2

"فورين بوليسي" - " وكالة أخبار المرأة "

 نساء الغرب اللاتي ينضممن لتنظيم الدولة (داعش) لسن تماما ضحايا تم إعدادهن وإغوائهن من قبل الرجال، بل هن جهاديات ملتزمات بهذا الفكر.
ما الذي يردنه نساء الغرب اللاتي يلتحقن بتنظيم الدولة؟ إحدى النظريات تقول إنهن "في الحقيقة" يبحثن عن الجنس. ونظرية أخرى تقول إنهن "في الحقيقة" لا يعرف ماذا يردن، لأن ما يردنه قد تم إقراره بواسطة ذكور جهاديين أقنعوهن بالانضمام. كلا النظريتان تحاولان الإجابة على تناقض ظاهري. فكيف يمكن لأية امرأة تتمتع بحقوق ديمقراطية ومساواة أمام القانون، تدعم أو تلتحق بجماعة تدعو بقوة إلى قمعها هي؟ لكن كلي النظرية تحملان الخطأ، لأنهما يتحدثان أكثر عن افتراضات جنس من يقول بهما، عوضا عن النساء اللاتي تتأثرن بهن.
فكرة أن نساء الغرب الداعشيات "نساء الترويح" أو المتعة كما يُطلق عليها بازدراء ــ " فقط يرغبن في اللهو" هي نظرية الكثيرين ومن بينهم الكوميديانة البريطانية "شاذية ميرزا" التي بثت أخيرا برنامجا تلمح فيه إلى الثلاث أخوات اللاتي التحقن بداعش سوريا في فبراير 2015، ولم يكن يبدو عليهن التطرف بأي شكل، كما قالت إحدى الأخوات عن البقية. وقد يبين ما عرضه البرنامج الفكرة الأساس وهي أن النساء اللاتي ينضممن إلى داعش يحملن القدر نفسه من التفاهة واللامبالاة والنوازع الإنسانية مثل قريناتهن غير الجهاديات. بما فيه أو على الأخص، موضوع "الحب" ، وتقول شاذية ميرزا إن تنظيم داعش بالنسبة للفتيات ليس غير فصل آخر من حب مراهقة.
وبالفعل فتنظيم الدولة بالنسبة للمراهقات ليس غير فرقة فتيان موسيقية، مع الفارق أنهم يحملون أسلحة. "هذا ليس طيشا أو عبثا،" تقول الكوميديانة ميرزا خلال لقاء تلفزيوني، "عليك الاعتراف بأن أفراد داعش، وبهذه الوحشية التي يظهرون بها، مثيرون للغاية. يبدون أشدّاء، ومشعرين، ويحملون أسلحة، وبالتالي فالبنات يفكرن لأنفسهن: " لا بأس بهم،" وهكذا يبعن مجوهرات الأم ويشترين تذكرة ذهاب فقط توصلهن إلى سوريا، وإلى أكل لحم الحلال كما تندرت شاذية ميرزا على الفتيات الثلاث. "يعتقدن أنهن في رحلة سياحية شبابية إلى جزيرة إسبانية. ليس للأمر علاقة بالدين، وإنما هن في حالة شبق."
هذا مضحك ــ وعلى أي حال فشاذية كوميديانة وتضع الأمور في هذا القالب، لكنها ملاحظتها تخلو من الجدية حول دوافع النساء اللاتي التحقن بداعش، أو اللاتي يرغبن في الالتحاق. لكن الكثير من المؤسسات الإعلامية أصبحت تروج لهذه الفكرة، ففي وقت مبكر من هذا العام بثت محطة CNN برنامجا بعنوان "الجيهوتيس يجندون العرائس  للمقاتلين." والـ jihotties اشتقاق من كلمة الجهاد والوسيمين، وتعني (الرجال الوسيمون القادرون على إقناع النساء بالقضية الجهادية) وسبق لتلفزيون BBC  أن أذاع برنامجا في مارس 2015 جاء فيه أن "جهاديين يتمتعون بجاذبية بإمكانهم إقناع الفتيات البريطانيات بالتطرف." ويمكن كذلك عدم أخذ فتيات الترويح "بجدية
" عندما نرى أنه تم اجتذابهن عن طريق الانترنت بواسطة أشخاص مُتخيلين يعيشون في الظلال ويعتقدون أن الدولة الإسلامية هي الحل لكافة مشاكلهم. في مارس 2015 كتبت هيلي رتشاردسون في مجلة النيوزويك تقول إن المقاتلين المتشددين يستخدمون نفس تكتيكات الأشخاص الذين يغوون الأطفال للوقوع في حبائلهم، مع الفتيات للانضمام إلى التنظيم.
تقول سارة خان، مدير مؤسسة أهلية مضادة للتطرف: "الأمر يشبه تماما الذين يغرون ضحاياهم من الأطفال من خلال الانترنت، لمغادرة بيوتهم كي يلتقوا معهم ثم يوقعون بهم ". الجهاديون الذكور يتصلون بالنساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغرف الشات في الانترنت، ويحاولون منحهم الثقة مع مرور الوقت."
لكن هذه قراءة جنوسية محضة لعمليات التجنيد لأن الشباب من الذكور ليسوا بحاجة إلى نساء يلعبن على وتر الحاجة والضعف لديهم. والنساء فقط، لأنهن لا يملكن الوعي السياسي الضروري، من يتم إغواءهن للانضمام إلى تنظيم الدولة. لكن رؤية ميرزا لتجنيد النساء في التطرف ليست مختلفة كثيرا، لكنها على الأقل تضع النساء في موقع مساوٍ للجهاديين من الرجال، الذين يفترض ووفقا لرؤيتها أنهم إنما يريدون الجنس في النهاية.
لكن قصة الإغواء تظل غير متماسكة لأن هناك إثباتات عديدة عن قيام  النساء أنفسهن بتجنيد من يماثلهن فكريا (الأخوات كما يُطلق عليهن) وقصة الإغواء كذلك تمنح قوة وتأثيرا مبالغا فيه لمن يقومون بالتجنيد والإغواء من رجال داعش، وتشير الحقائق كذلك إلى أن الذي يقوم بالتجنيد هو في الغالب صديق موثوق به أو فرد من العائلة. 
خلال العام الماضي قضيتُ وقتا طويلا أتابع على مواقع التواصل نشاطات نساء من الغرب يتحدثن الإنكليزية بطلاقة ويساندن الدولة الإسلامية ، وهو جانب من بحث طويل عن الفكر الجهادي في الغرب (أغلب تلك الحسابات مغلقة الآن) وما كانت تلك النساء (أو الأكثر جرأة من بينهن) عبّرن عنه بوضوح تام. وبعيدا عن مسالة أنهن فريسة لرغباتهن الجنسية، أو أنهم ضحايا لخداع رجال استدرجوهن للانضمام للدولة، أقول إن الكثيرات من نساء الغرب ينضممن أو يرغبن في الانضمام إلى داعش لأنهن يردن ذلك، ولأن مفهوم الدولة الإسلامية لديهن يختلف عن الديموقراطيات الليبرالية العلمانية التي يعشن فيها، وهذا الانضمام يحقق قناعتهن الأخلاقية والسياسية. ما يردنه هو العيش في كنف دولة إسلامية يطبق فيها "قانون الشريعة" بالكامل، يردن العيش في ظل دولة الخلافة، وهن يرين أن واجبهن المقدس هو دعم هذه الدولة. لا يردن العيش في دول الغرب، لأسباب عديدة. لا يردن الحرية كما يعرّفها رموز الليبرالية أي الحرية بأن تفعل ما تريد، طالما لا تؤذي الآخرين. وكذلك لا يردن ما يسمى بالأنوثة. يردن الانصياع: لمشيئة الله وقانونه المقدس.
انظر مثلا إلى حالة (أم مثنى) بريطانية عمرها 22 عاما وطالبة جامعية سابقة. غادرت إلى سوريا في وقت مبكر هذه السنة. ومن خلال عدة تغريدات على تويتر في نوفمبر 2014، أي قبل عدة أشهر من مغادرتها بريطانيا . أخبرت أم مثنى عن حادثة جرت أثناء إحدى المحاضرات في جامعتها. وتدل تغريدتها على رؤية عقل امرأة غربية مناهض للأنوثة ويريد الانضمام إلى الدولة
((محاضرة اليوم كانت عن الأنوثة أو النسويّة..ثم جاء وقت المناقشة ..سبحان الله (بالعربية) بدأ المحاضر بالحديث عن الاختلافات الجندرية والأدوار في المجتمع. حسنا سأستمعُ وأدون الملاحظات لكن هذا لا يعني أنني أقبل أفكارك الضيقة. بعد قليل وجّه المحاضر سؤالا إلى الطلبة: "ارفع يدك إن كنت تؤمن بالحركة النسوية." أردتُ الضحك الذي كان نقابي سيساعد في إخفائه. والنتيجة؟ ... أغلبية النساء بين 18 و20 رفعن أيديهن. جلستُ هناك والجميع ينظر إلي! هاها.. شعرتُ بالفخر، ولكن أحسست بالشفقة عليهن... ولكن هنا الجانب المثير. قال المحاضر: إذاً هؤلاء الذين لا يؤمنون بالنسوية يشرحون لنا لماذا. والتفت الجميع ناحيتي.. قلت لهم إن الإسلام قد أعطاني كامرأة كافة الحقوق وأشعر أنني حرة، أشعر بالرضا والمساواة في المجتمع. شرحت لهم كيف أن الرجال والنساء لديهم حقوق في الإسلام، كما أعطاها لنا القرآن. عند هذه النقطة كان الجميع يتغامزون. فشرحت لهم، ليس كل شيء يفعله الرجل، تستطيع المرأة منافسته والقيام به. لأن هذا متعلق بطبيعة التكوين الجسماني للأنثى. شرحت لهم كيف أن هذا المجتمع الغربي يجعلك تفكر بطريقة معينة. تشعر بالضعف وبعطش دائم للحصول على مزيد من المال. يدفعك للتنافس الدائم مع الذكور، بينما في الواقع لو عرفت المرأة مكانتها كأنثى، ولو كان هناك تطبيق للشريعة، فلن تتذمري كما أنت الآن. وعندما كنت أتحدث كان الجميع يعترضون. كم مليؤون بالغرور هؤلاء النسويون.))
هذه هي المحرمات بالنسبة لكثيرات من هذه النساء، ولكثير من الأصوليين الدينيين دائما لها علاقة بالمساواة الجنسية والجندرية. انظر فقط إلى حياتهن على الانترنت، وسترى بوضح همّا كبيرا لديهن. لا يمكنهن القبول بمسألة الاختلاط بين الجنسين والذي يصفنه بالآفة، لا يمكنهن حتى فكرة القبول بأن يكشفن عن عيونهن في البروفايل الخاص فما بالك بالوجه لأن هذا سيلغي ما يتحلين به من حشمة، وبالتالي سيقلل من تقواهن وإخلاصهن لله. كما يطلبن من "الإخوة" ألا يراسلوهن مباشرة. والدولة الإسلامية تروق لهؤلاء النساء، ليس كما تقول "ميرزا" لأن لديها وفرة من لحم الحلال، ولكن لأنها تناسب شخصياتهن المتحفظة تجاه الجندرية والجنس، وعليه فهن يدعمن الدولة الإسلامية لما تنادي به من رؤية شمولية عدوانية للعالم  
في بحث له يصف عالم الأنثروبولوجيا (علوم الإنسان) سكوت آتران من جامعة أوكسفورد مثل هاته النساء بأنه : "مرحلة ما بعد النسوية وما بعد المراهقة، ويشعرن بالتعب من تحولهن من سن مراهقة يستغرق وقتا طويلا، وجنوسة غير محددة تماما. لكن تنظيم الدولة والقاعدة يقدما خطوطا حمراء محددة بوضوح: الرجال رجال، والنساء نساء، وهو ما يعني أن الرجال مقاتلون والنساء أمهات دورهن الأساس كما تقول أم مثنى في تغريدة لها: "ليربين الجيل القادم من أسود الدولة الإسلامية"
وأعلنت: "هدفي هو أن أنجب الكثير الكثير من الأبناء وأرسلهم في سبيل الله (feesabillilah ) وفي خدمة الدولة الإسلامية" وكان الهشتاغ المصاحب لهذه التغريدة #أهداف_النساء_الصح. لكن هذا لا يعني كما أوضح أتران وباحثون غيره أن أفراد الدولة الإسلامية وداعميها من النساء يعارضون العنف. على العكس من ذلك، الكثيرات يحاولن تبريره بل وحتى تشجيعه.
"أم أسامه" مثلا وهي صديقة على النت لـ "أم مثنى" لم تتوان عن بث تحريض للهجمات الانتحارية، ومذكّرة الإخوَة بالجوائز التي يحصلون عليها في الآخرة عند استشهادهم. وقالت في تغريدة: " إلى الإخوة..عندما تشعر بالإثارة وتتمنى لقاء الـ 700 حورية عذراء، تذكر هذا القول "ما أحلاها الدوغما" (الدوغما هي جهاز التفجير للانتحاريين)
قلق هؤلاء النسوة الأعظم له علاقة بـ (الدنيا) أي العالم المادي، الذي يشجبنه ويصفنه بالفاسد والملوث. ولهذا السبب تأتي أهمية رمزية النقاب: فهو يعمل بمثابة درع يحميهن من سموم العالم وفساده. وكما فسّر العالم " أندرو سوليفان" المنطق الذي يعمل على هديه الأصوليون : الخطيئة تولّد الخطيئة، وخطيئة الآخرين يمكن أن تفسدك أيضا. ومن هنا تأتي جاذبية الخلافة: دولة يُعاقب فيها المخطئون بعنف شديد، ويجري فيها التطهير علنا وباستمرار.
رغم ذلك ومع كل حرص هؤلاء النسوة على الهروب من ملوثات العالم المادي، إلا أنهن حاضرات فيه. حيث يستمتعن بالتكنولوجيا وما توفره من متع، ورغم جهودهن لأسلمة أنفسهن من الداخل والخارج، إلا أنه يوجد قدر من الشقاوة والعبث الذي يسكن بجوار نفوسهن المطهرة.
فهن يسردن علنا تفاصيل صغيرة لحياتهن اليومية، وينشرن صور السيلفي لآخر موضات النقاب، أو صورا لطعام أعددنه. ويعربن عن إعجابهن بآخر "نشيد" تصدره الدولة. يحذّرن "الأخوات" من الجواسيس.
إحدى مؤيدات الدولة الإسلامية التي تستخدم اسم "أم دجانة" على تويتر تأخذنا عبر شريط فيديو داخل غرفة نومها، حيث ترى أعدادا كثيرة من الأحاديث، وركنا خاصا فيه رمز الدولة الإسلامية، وعدة صناديق لأحذية (نايك) الرياضية التي تحبها، ولكن ليس كمثل حبها لهاتف أيفون 6 خاصتها.
لكن من هي أم دجانة؟ إنها تعيش في لندن وربما تكون وُلدت في بلجيكا أو فرنسا. تقول إن عمرها 22 عاما ـ وهي من أصول شمال أفريقية. ومثل الكثيرات من مؤيدي تنظيم الدولة فإنها تفصح عن نضوج مبكر وتبيّن تغريداتها ذكاءً واهتماما بالشأن السياسي.  وكذلك تبدو وأنها شديدة التديّن. وفي مرة قالت إنها تخضع لمراقبة شديدة ، كما تحدثت مرة عن غارة للشرطة على بيتها. كذلك فهي تلمّح لزوج في منطقة قتال ربما تكون في سوريا، أو ليبيا، أو العراق. وربما تحاول السفر إلى منطقة تسيطر عليها الدولة الإسلامية أو أنها متزوجة من أحد مقاتلي الدولة ـ أو الاثنين. ومهما يكن فهي تبدو ملتزمة بنموذج الخلافة وبالدولة الإسلامية للتنظيم
لا أحد أكثر حساسية للذم من النساء أنفسهن. تقول أم وقاص، ويُعتقد أنها تعيش في سياتل بالولايات المتحدة وتقوم بالتجنيد، وتقول مغردة: "هؤلاء المغفلون، يجب أن يعرفوا أن أية أخت منا لا تغادر بيتها الآمن لتتزوج من أي رجل." وكانت تشير إلى هاشتاغ بعنوان #عرائس_الجهاديين. لا يستطيعون فهم الحقيقة وهي أن كل المسلمين من كافة الأعمار يذهبون ليعيشوا في بلد مسلم بحق، ويعيشون تحت ظلال الشريعة."

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى