الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

الكاتب التونسي عبد الحليم المسعودي : المرأة الوحيدة القادرة على ترميم فوضى الفضاء العمومي"!

  • 1/2
  • 2/2

حاورته: نورة البدوي - تونس - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

عبد الحليم المسعودي كاتب وأكاديمي وإعلامي تونسي يهتم بقضايا الفضاء العمومي والجماليات والصورة والفرجة، وقد صدرت له الأعمال التالية: "القماط و الأكفان" وهي مقالات في الشأن العام و"بازارات"، "بورقيبة والمسرح، قراءة في أطياف بيان تأسيسي" وكتاب "جمهورية الحمقى".
وإن كانت هذه الأعمال مختلفة مواضيعها وزوايا التحليل فيها فإنها تشترك في إعمال مصبغ النقد لقراءة ظواهر متنوعة وتحليلها في فلك تونس والعالم.
ولعلّ المتمعن في كتابات المسعودي يلاحظ عدم تغييبه للمرأة التونسية بشكل خاص والعربية بشكل عام... وكأنه إصرار ضمني من قبل المسعودي على وجود المرأة في الفضاء العمومي لتكتمل جمالية المشهد وبلورة النقد في الشأن العام المحلي والعربي، كتطرقه إلى عدة مسائل كالعيش المشترك ومسألة الهوية والانتماء ومسألة الثنائيات والتي تدور في فلك كيان المرأة.
هذه المرأة التي لم يختزلها المسعودي في نموذج أو صورة نمطية واحدة لنجدها الأم حاضرة في تصدير كتابه "بورقيبة والمسرح" كإهداء لوالدته رحمها الله، إهداء جعلناه منطلق لحوارنا مع عبد الحليم المسعودي الذي خص به وكالة أخبار المرأة.
* أَعندما تموت الأمّ يموت الفردوس؟
- الأمّ لا تموت في الحقيقة، فالأمّ  ليست مسألة مادية فقط، فحضورها عضويّ  وهي وجود ماديّ ملموس، وجود حليبيّ، وهذا الحضور يتحول إلى حضور رمزيّ، لأن الأمّ رمز من الرموز الأساسية  للمرأة في تحولاتها الكبرى، أي أن الأمّ لا تموت بل تظلّ معنا حتى و إن توارت.
ما يمكن أن أقوله لك أن غياب الأمّ هو الذي يعبر عن فقدان الفردوس، الفقدان هو الغياب وليس الفقدان هو الموت، و اللحظة التي تنقذ الإنسان من هذه الفاجعة فاجعة الغياب/غياب الأمّ، هي لحظة واحدة وهي " الذاكرة"، و كم تشتدّ ذاكرتنا عندما نتذكر الأمّ. 
ماذا نتذكر؟ نتذكر كل الأشياء التي يصعب احتوائها والتي لا يمكن ترويضها، مثلا رائحتها: نتذكر هذه الرائحة التي نشمّها، لكن لا نشمّها بحاسة الشمّ، أو بجارحة الشمّ، نشمّها بملكات أخرى لا نستطيع أن نسميها، هي جوارح داخليّة باطنيّة لعلّ من بينها مرة أخرى الذاكرة  في ما هي مصنع ومخزن للصور
عندما تشاهد صور الأمّ وهي غائبة سواء كانت غائبة في المكان أو في الزمان أو تكون قد رحلت، عندما نشاهد الصور نتذكر الرائحة.
إن الرائحة هي ذاكرة الأمّ.
* تطرقت في نقدك للمشهد العام إلى مسألة الثنائيات، من بينها نذكر ثنائيّة المرأة/الرجل، لماذا حسب رأيك في مجتمعاتنا العربية لم نتجاوز هذه الثنائيات؟
- الثنائيات لم تغب، لأن الثنائيات هي آلية لتفريق وتمييز الأشياء، ولكن عندما تتحول الثنائيات إلى عقلية أو إلى نمط فكري تكون خطيرة.
أعتقد أننا في العالم العربي نعيش ثنائيات في كل شيء، وربما هو ما يميز هذه الحقبة التاريخيّة، حقبة حافة القرن الحادي والعشرين، وهي حافة ما بعد الحداثة في المجتمعات التقليديّة المتخلّفة، وأعتقد أننا مجتمعات عربية تقليدية ومتخلفة، أرادت ان تنهض في حقبتها الأولى نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين لكنها لم تنجح تماما، وإنما كانت هذه النهضة أرخبيلات مبثوثة.
حتى أولئك الذين قاموا بإصلاحات لم يكن صوتهم مسموعا بل طغى على صوتهم صوت الفقيهي وصوت السياسي وصوت العسكري.. إذن هذه النهضة المجتمعيّة التي نادت بمبادئ لعل من أهمها إعادة النظر في المسألة الدينيّة، واكبتها انتكاسات فترة الاستعمار في القرن العشرين، عليك أن تتأملي تاريخنا العربي، هناك انتكاسات ونكبات وانكسارات وهزّات .
حتى وإن أحيانا يسجلون انتصارا عسكريا أو انتصارا استراتيجيّا، يهمّل هذا لأنه ليس هناك الوعي الكافي والنخب المطالبة بترسيخ هذه النقاط المضيئة فهي نخب مقسمة ومبعدة من القرار الفكري قرار الرأي العام والقرار السياسي.
نحن للأسف الشديد دخلنا حافة القرن الحادي والعشرين ما بعد الحداثة والعولمة ولكننا غير متحصنين منها، لأن العولمة قائمة بالأساس على التلاحم الشديد والسوق المفتوحة والمشاركة في بناء العالم.
أعتقد أننا لم نشارك في بناء العالم لذلك تحولنا إلى مجرد مستهلكين في كل شيء حتى في الأفكار التي تدعي أنها حداثية، ومستهلكين من جهة أخرى للأفكار الأصوليّة التي تدعو إلى الخلاص من خطر العولمة والتلاشي .
بالتالي فإن المواطن العربي اليوم يعيش انفصاما، فنحن منفصمون بامتياز ولا غرابة أن هذا الانفصام يجعلنا مجرد آلات من صناعة الثنائيات التي تحدثت عنها: هذا أبيض وهذا أسود/ هذا رجل وهذه امرأة/ هذا ذكر وهذه أنثى/ هذه مسالة أمميّة وهذه مسألة روحانيّة... وغيرها من الثنائيات العجيبة الغريبة.
* ما رأيك في مشهدية المرأة العربية والتونسية خصوصا في الفضاء العمومي الذي يدعوها إلى جهاد النكاح، السفر إلى بؤر التوتر، ممارسة الجنس مع جثة.....؟
- فعلا هناك مشهد فرجويّ عجيب وغريب، كأنّه مشهد من الجحيم لنراها يوميا في مشهدنا العربي اليوم.
لكن لنتحدث عن المرأة العربيّة ليس ككتلة متجانسة لأن المجتمعات العربية متفاوتة، لا يمكن المقارنة البتّة بين المرأة التونسيّة وبين المرأة في المشرق، مهما كان هذا المشرق.
هناك فرادة بارزة للمرأة التونسيّة فهي التي تملأ الفضاء العمومي وهنا نقصد حضورها المجتمعي ودورها في المحطات الكبرى.
هي التي تحاول اليوم أن تنقذ تونس من هذه المرحلة التي نسميها مرحلة انتقاليّة وهذا له مبرراته، فذاكرة المرأة التونسيّة لها أصولها ومبرراتها، ذاكرتها حية متوهجة وكأنه شيء مسجل في الشريحة الوراثيّة لأن الشريحة الوراثية لا تسجل فقط الأشياء الماديّة كالملامح أو لون العيون وإنما أيضا تسجل الذاكرة التاريخيّة.
وأعتبر اليوم أن هناك إمكانية أن نقارب الثقافة والمخيال في جانبه الوراثي، اعتقد ان المرأة لها ميراث تاريخي قديم، انطلاقا من دستورنا أو من الحداثية نفسها مرورا بهذا التاريخ، فإن المراة التونسيّة مميّزة، ثمّ لا ننسى أن المجتمع التونسي في لحظات تمفصلاته وبعد حركة الإصلاح التونسي أي عتبة القرن العشرين، بدأ في التفكير فعلا في دور المراة ولا ننسى الريادة النظرية الكبيرة التي أقدم عليها الطاهر حداد وما عاناه عندما كتب امرأتنا في الشريعة والمجتمع وهو النص الأساس المبكر في الثقافة العربية المعاصرة الذي وضع المرأة في قلب المجتمع في قلب الفضاء العمومي.
ثم جاءت إرادة سياسية وهي إرادة تنويرية هي دولة الاستقلال وأعتقد أن بورقيبة كان له الحس العالي بأهمية المرأة سواء في حياته الخاصة أو في نظرته إلى المجتمع كزعيم سياسي فوطأ لتنشأة عقلية جديدة بالمرأة العربية التونسية، فهي اليوم أعتبرها حارسة لكل هذه المكتسبات التي نادت بها الثورة كرامة حرية مساواة، فالمرأة التونسية هي التي نزلت الشارع وهي التي حررت الرجل على أن يكون موجودا في الشارع وعلى أن يطالب بالحق، فللمرأة عقل باطني له إدراك بالأشياء تختلف تماما عن إدراكنا لها، هذا بشكل عام.
بالنسبة إلى المسائل المطروحة اليوم في تونس من المساواة في الميراث والزواج بأجنبي أعتقد أنها أشياء تقدمية ولا غرابة أن مثل هذه الأشياء تغضب المجتمعات الذكورية التقليدية لأن السلطة في البلدان العربية المتخلفة ذكورية بالأساس لا مكان فيها للمرأة.
* هل بإمكاننا القول أن المرأة التونسية قادرة على ترميم هذه الفوضى التي أصبحت تسكن مشهدية الفضاء العمومي؟
- هي المرأة العربية الوحيدة القادرة على ذلك، على الأقل إن لم تستطع أن ترمم هذا الخراب في مجتمعاتنا، فهي قادرة على وضع الحدود والعلامات حول هذا الخراب إذا نزلنا إلى الدرجة السفلى من اليأس.
هناك أشياء لا بد من ربطها ببعض، فليس غريبا أن العربية السعودية اليوم بقرار ملكي تسمح للمرأة بقيادة السيارة، أعتقد أن هذا ليس مرتبطا بإرادة سياسية سعودية وإنما مرتبط بكل هذا الزخم  وهذا المسار وهذه التراكمات التي ركمتها المرأة العربية طوال القرن العشرين.
ليس ممكنا اليوم أن تكون المرأة بهذه الحالة في بعض المجتمعات  التقليدية وأعتقد أن المسألة لها علاقة غير مباشرة بالأشياء التي أنجزت في تونس.
* هل يمكن القول اليوم أن هناك فئة من المرأة التونسية تعاني من مشكلة الانتماء؟
- بالرغم من الجوانب المضيئة للمرأة التونسية، فأنا اليوم لا أفهم كيف لامرأة أن تذهب إلى بؤر التوتر؟
أعتقد أن هناك تغييبا حدث في المجتمع على المستوى الثقافي الإيديولوجي، هناك هشاشة، الحصانة غائبة، ومشروع التحديث في تونس الذي تحدتثنا عنه هو الذي أعطى قوانين، وأعطى مجلة الأحوال الشخصية وأعطى شبه المجتمع المدني، ولكنه لم يكن فعالا لأن شروطه ضعيفة وناقصة.
يقولون أن الفقر والتهميش هو السبب الرئيسي في اتجاه المرأة أو الرجل على حد سواء إلى بؤر التوتر أو الهجرة غير الشرعية، ولكن الاحصائيات والدراسات أثبتت أنه ليس كلهم مهمشون، هناك طلبة وأساتذة وجامعيون، إذن هي مسالة أعمق من ذلك.
بالنسبة إلي هي مسألة متعلقة بمسألة التكوين، لا ننسى مبدأ التسطيح طيلة23  سنة، إضافة إلى ذلك نحن إلى اليوم لم نشهد دروسا تعلي من شأن المرأة كالدعوة إلى المشاركة وتقاسم الفضاء.
انظري إلى النصوص التي يدرسونها كم هي نصوص فقيرة، وهناك أمور لم ننظر إليها بتمعن، انظري إلى الاصلاح التربوي... كما أعتقد أن في العائلة أيضا مشكل، العائلة قامعة، الأب و الأم، ليس جلهم يعتنون باطفالهم. ما الذي يجعل بنتا تهرب وتلجأ إلى هذا المصير؟ لو حلّلنا لوجدنا أن الحد البسيط من هؤلاء مقموع عاطفيا.
في أول حديثنا انطلقنا من الفردوس بما هو الجنة، بما هو الحد الأدنى من الطمأنينة العاطفية، لذلك نعود إلى الحلقة للمجتمع وهو العائلة وأنا أتسائل: عندما يخرج الطفل إلى الشارع، هل مخيلته العاطفية مكتملة؟ تلك التي سيبني عليها فيما بعد أسئلة الهويّة والانتماء.
*ربما أنت تعزز بشكل غير مباشر انتماء المرأة بحضورها الدائم في برنامجك التلفزي "جمهورية الثقافة"؟
- حسب تجربتي، كلما كانت المرأة حاضرة في برنامجي تكون الحلقة ناجحة، وأنا خادم المثقفين والمثقفات وللفنانين الجديين، فهذا منبر لبناء الفضاء العمومي، و لكن وعيي بحضور المرأة أصبح أكثر حدة لا على مستوى حضورها كنقاش ولكن أيضا على مستوى المواضيع التي تهمها.
مرة حدثتك عن قولة لابن الخليفة العباسي المأمون الذي أسس بيت الحكمة قال "أنا انظر في عقول الرجال"،أنا في برنامج جمهورية الثقافة أحاول النظر في عقول الرجال والنساء دون أن أكون المأمون طبعا.
* مصافحتي لك آخر الحوار: ما سبب لباسك الدائم للقيمة الضوئية "الأبيض"؟
- هناك ضوء لا يستطيع أحد أن يراه يسمونه الضوء الحليبي لا يستطيع أن يلتقطه إلا الفنانون الكبار،  التقطه بول كلي في لوحاته، ماكلي الرسام الالماني وكذلك كوكوشكا.
أجمل صورة أراها في الصباح حين أفتح نافذتي وأرى قمصاني البيض على حبل الغسيل فهذا يطمئنني.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى