الارشيف / منوعات / لبنان 24

رحل سيّد القصر.. وبقيت قلعته

رحل الفنان اللبناني موسى المعماري، الذي بنى المعلم السياحي الشهير "قصر موسى" في بلدة دير القمر (جبل لبنان)، عن عمر 87 سنة.

تعود أصول موسى المعماري إلى "حارة السرايا" المتاخمة لأسوار قلعة الحصن في محافظة حمص السورية. اشتهرت عائلته بتوارثها مهنة العمارة حتى اتخذت منها اسماً لها. كان والده، عبد الكريم المعماري، كثير الترحال، خصوصاً بين المناطق اللبنانية. هكذا، وضعت الوالدة يمنى أيوب المعماري مولودها عام 1931 في قرية الفاكهة قرب بعلبك. أخذت الأم ابنها إلى حارة السرايا لتسجّله في قيود العائلة. استقرا في «الحارة»، وهناك تلقى دروسه الأولى في إحدى المدارس القريبة. بعد سنوات، كان على الأم وابنها أن يلتحقا بمكان عمل الوالد في طرطوس.

في المدينة الساحلية، وتحديداً في مدرسة "المتنبي" التي سيسجّل فيها. أحبّ موسى إحدى زميلاته في المدرسة. كانت الفتاة التي تُدعى سيدة تنتمي إلى عائلة مرموقة، وكان والدها الذي يملك قصراً، حاكماً لإحدى نواحي المدينة. وعندما أخبرها بحبه. سخرت منه، وقالت الجملة الشهيرة التي حرّضته على تحقيق حلمه: «عندما تملك قصراً، يمكنك أن تتحدث إليّ".

في إحدى حصص الرسم، طلب المعلم من تلامذته أن يرسموا عصفوراً على شجرة. لكنّ موسى لم يفعل ما طُلب منه، بل رسم القصر الذي وعد حبيبته به. استهجن الأستاذ أنور ما فعله، وسأل موسى إن كان هذا القصر المتخيّل لأجداده. أجابه، يومها، بأنه رأى هذا القصر في الحلم. وأكّد له أنه سيراه مبنياً في الواقع. ظن الأستاذ أن موسى يهزأ به، فانهال عليه بالضرب بقضيب رمان، ثم مزق الرسم ورماه على الأرض. فحمل موسى المزق وغادر متوعداً بتحقيق الحلم. بعد أيام، اتخذ موسى قراره. فتركَ المدرسة والبيت والمدينة من دون علم أحد. حمل معه خريطة قصره الممزقة، وخصلة من شعر الحبيبة، وسار مشياً على الأقدام من طرطوس إلى صيدا. كان ذلك في 9 أيار 1945، بعد يوم على إعلان هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.

وبعد رحلة مريرة وصل إلى صيدا حيث كان يسكن عمّه عيسى المعماري الذي كان يعمل في ترميم قلعة المدينة البحرية. فعمل مع العمّ لسنوات، حتى صار محترفاً في ترميم المباني الأثرية، ما أهّله للتنقل بين المتاحف والقصور. وجمع 15 ألف ليرة لبنانية. بهذا المبلغ، استطاع أن يتزوج ماريا عيد ابنة قائمقام دير القمر(منطقة الشوف ـــ جبل لبنان)، واشترى قطعة أرض تبلغ ثمانية دونمات، في حين بقيت لديه خمسة آلاف ليرة: "كان المبلغ هذا رأس مالي لأحقق حلم العمر"، كما قال في مقابلة مع الزميل كامل جابر.

اشتهر المعماري لأنه بنى قلعته من دون أي مساعدة، حجراً بحجر بيديه. وعند انتهائه، ضم في غرفه تراث وتاريخ لبنان من طريق مجسمات تمثل حياة اللبنانيين في القرنين التاسع عشر والعشرين، إضافة إلى مجموعة من الأسلحة القديمة من العصر العثماني حتى الانتداب الفرنسي، وتعد هذه المجموعة من أكبر المجموعات في الشرق الأوسط، وتبلغ 16 ألف قطعة سلاح.

وغرّد النائب وليد جنبلاط على موقع تويتر، ناعياً المعماري. فقال: «فقد لبنان وفقدت منطقة الشوف فناناً معمارياً نادراً، ألا وهو موسى المعماري. لقد بنى قلعته وزينها على مدى سنوات طوال وحقق بذلك حلم حياته، فكانت مقصداً لجميع اللبنانيين والسياح من كل حدب وصوب. كم نحن في حاجة إلى أمثالك يا معلم موسى لنبني لبناناً جديداً صلباً مثل قلعتك. رحمك الله».

ومن المقرر أن يحتفل بالصلاة لراحة نفس الراحل يوم السبت المقبل، في كنيسة سيدة التلة- دير القمر، عند الساعة الثالثة من بعد الظهر، ثم يوارى في ثرى مدافن العائلة في دير القمر.

وستتقبل عائلة الراحل التعازي أيام السبت والأحد والإثنين، في صالة كنيسة سيدة التلة دير القمر، ابتداءً من الساعة الحادية عشرة لغاية الساعة السادسة مساءً.

(الحياة)

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى