الارشيف / تربية و علم نفس

أطفال الآيباد.. سلوك عدواني وأدمغة مخدرة

مشهد الأطفال الصغار يستخدمون أجهزة "آيباد" أو الهواتف الذكية وغيرها، يتعاملون معها باحتراف كبير، يتصفحون الإنترنت من خلالها ويحمّلون الألعاب الإلكترونية، بات من المشاهد المألوفة، التي تثير في غالب الأحيان إعجاب الأهل بقدرة هذا الجيل على التعامل مع التطور التكنولوجي بسهولة، منذ نعومة أظافره. ولكن سرعان ما يتحول هذا الإعجاب إلى شكوى بسبب إدمان أطفالهم على هذه الألعاب، التي حلت مكان تلك التقليدية المستلزمة للنشاط البدني، فانخفض التطور الحركي عند الأطفال وارتفعت معدلات السمنة، والأخطر زيادة السلوك العدواني عند الطفل وتقليل نشاطه الدماغي.

العديد من الدراسات التي أنجزت في بعض البلدان أثبتت أنّ ممارسة الأطفال للألعاب التي تعتمد على العنف، تزيد من الأفكار والسلوكيات العدوانية، لاسيما أن الذكور منهم يفضّلون ألعاب المصارعة والقتال والخطط الحربية وألعاب تنفيذ السرقات والهروب من الشرطة وتفجير المباني للوصول إلى الهدف، كما أن هذه الألعاب يفوق ضررها أفلام العنف التلفزيونية أو السينمائية، لأنها تتصف بصفة التفاعلية وتتطلب من الطفل تقمّص الشخصية العدوانية ليلعبها، وأن يكون شرساً وعدوانياً ليتمكن من التغلب على منافسه، وغالباً ما يُكافأ على تصرفاته العدوانية بمشاهد وايحاءات جنسية.

يبدأ الطفل باستخدام تلك التقنيات الرقمية في عامه الثاني وربما قبل ذلك في بعض الحالات، ولا يتركها عند بدء حياته الدراسية، فأي انعكاس لتلك الأجهزة الإلكترونية على سلوك الأطفال ومستوى استيعابهم في المدارس؟

* جيل عدواني وخمول

مدرّسة اللغة الفرنسية في قسم الروضات في مدرسة المحبة - كليمنصو رندى تيماني أشارت عبر "لبنان 24" إلى "جيل أمّي خمول وعدواني، يصنعه الإستخدام الخاطىء للتكنولوجيا"، وقالت: "طلابي هم في سن الرابعة وقد لاحظت وزملائي فرقاً شاسعاً لدى سلوك الأطفال في السنوات الست الأخيرة، حيث انخفض لديهم مستوى التركيز والإنتباه والذاكرة، وهي ثلاثة عناصر تتلازم وشخصية الأطفال الطبيعيين، فضلاً عن اللامبالاة التي تطبع تصرفاتهم، وانعدام الحشرية والإندفاع والحوار، والأخطر أنّ لا شيء يثير إعجابهم واندفاعهم، ففي السابق كان طلابنا يبتهجون لحصة الفيديو، ويقبلون عليها بشوق، أمّا اليوم يبدون تململاً من مشاهدة الأفلام التي لطالما ادهشت عالم الأطفال، كأفلام ديزني وتوم أند جيري على سبيل المثال. ما يلفتهم الشخصيات التي تطير وتقتل، فيعمدون إلى تقليدها ما قد يسببه ذلك من مخاطر كبيرة "، معتبرة أن "الأطفال فقدوا براءتهم وحرقوا مراحل طفولتهم، وباتوا ضحايا الفكر التجاري للمنتجين والمخرجين، كما أنّ هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأهل، الذين يتخلون عن مهمة مراقبة أطفالهم ومعرفة نوع الألعاب التي يستهلكون معظم أوقاتهم في ممارستها".

تيماني أشارت إلى السلوك العدواني الذي يحكم تصرفات الأطفال مع بعضهم البعض داخل الصف، وفي العمل التطبيقي الذي يستلزم عملاً جماعياً، وكذلك في الملعب "يبدون وكأنهم في ساحة حرب، يتعاطون مع بعضهم بعدوانية، ويستخدمون الضرب وسيلة للحصول على مبتغاهم".

* العودة البازل والمونوبولي

وبرأي تيماني فإن "الألعاب الإلكترونية وغيرها من العوامل والمشاهد عبر شاشات التلفزة تقف وراء وصول الأطفال إلى هذه الحالة، وهذا ما أثبتته التجارب والدراسات، وأود أن ألفت إلى وجود العديد من الألعاب التثقيفية في الآيباد والهواتف، تناسب أعمارهم ومستويات تفكيرهم، وتحضّهم على التفكير والإجابة وتحريك أدمغتهم، وعلى الأهل حسن الإختيار، ومع ذلك لا يجب أن يُترك الطفل وقتاً طويلاً أمام هذه الشاشات، لما لها من تأثير سلبي على أعصابه ونشاطه الدماغي بحيث تسبب الصداع والتوتر، وعلى نظره ومجمل صحته، ويجب إعادة الإعتبار إلى الألعاب التقليدية كالبازل والتركيب والمونوبولي وسواها من الألعاب التي من شأنها أن تنمي عقول الأطفال بدل أن تخدّرها، وتجعلهم يحلمون بمستقبلهم الهندسي مثلاً من جراء تركيب بناية أو ما شابه".

"أطفال الأيباد" يميلون إلى العزلة الإجتماعية والإنطوائية، بحيث يجدون أنفسهم بغنى عن البحث عن أصدقاء للترفيه معهم، طالما أنهم يقضون أوقاتاً ممتعة برفقة تلك الأجهزة، وشيئاً فشيئاً يفقدون صفة التواصل والتفاعل مع محيطهم لصالح عالم افتراضي يمنحهم صفة "المنتصر".

* أطفالي مدمنو "آيباد"

في المدرسة نفسها سأل "لبنان 24" إحدى الأمهات عن كيفية قضاء أولادها أوقات فراغهم، فاشتكت مطولاً من إدمان أولادها الثلاثة على الألعاب الإلكترونية، وتترواح أعمارعم بين أربع – سبع وعشر سنوات "يبدأ الإدمان منذ الصباح حيث يستيقظون ويمسكون بأجهزة الآيباد والتلفون فوراً قبل ذهابهم إلى المدرسة ولو لدقائق، وبعد الظهر وفور الإنتهاء من دروسهم يقبلون على تلك الألعاب وكأنهم "محشيشين"، لا يلعبون سوية ويفضلون البقاء في المنزل أمام تلك الشاشات على الخروج والتنزه، وعندما يتبادلون الحديث بين بعضهم يكون حول ما حققوه من انجازات وانتصارات في تلك الألعاب، حتى عندما يستقبلون أصدقائهم يكاد الآيباد وسيلة التسلية الوحيدة، وأكثر ما يقلقني مظاهر التعب التي أراها حول عيونهم. إننا فعلاً عاجزون عن وضع حد لتلك الأجهزة التي قدمناها لأولادنا كهدية، فاستحوذت على تفكيرهم وحرمتهم من الألعاب التي تربّينا عليها".

منذ أن شكلت التكنولوجيا الرقمية سوقاً مفتوحة أمام البشرية، ومشكلة تأثير الألعاب الإلكترونية على الأطفال تطال معظم المجتمعات، وتشير إلى أهداف غير بريئة من قبل واضعيها، وأمام انتشارها تتضاعف مسؤولية الأهل في الحد من آثارها السلبية وتوجيه الأولاد لاسيما في المراحل العمرية الأولى نحو الدمى والألعاب المناسبة لتنمية أدمغتهم وتعزيز إدراكهم.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى