الارشيف / ثقافة و فن

جيران ..... و لكن ؟ - الحلقة السادسة

قصة قصيرة

 

جيران و لكن ..؟

 

(6) الحلقة السادسة

 

و وصلت حياة عند باب المطبخ بعد أن اطمئنت أن كل شيء على ما يرام، و ما أن مدت يدها إلى قابس النور و أطفئته، حتى لاح لها بالظلام شبح إمراة طويلة و كأنّ وجهها يشبه وجه جارها منير، و تجمّدت الدماء في عروقها و حاولت أن تصرخ، و لكنها أضحت بلا لسان و لا أحبال صوتية ... و حاولت مرة ثانية و ثالثة .... حتى استيقظت من غفلتها، و وجدت نفسها ما زالت بالسرير، و ما كان ذلك إلا كابوساً رهيباً مرّت به ... و شعرت بضيق في معدتها، و تذكّرت أنها خبّصت اليوم في الطعام على ما يبدو ... و نهضت من سريرها، و شربت قليلاً من الماء من مطبخها نفسه مسرح أحداث الحلم المزعج ... كان ساكناً هادئاً كما تركته قبل أن تأوي إلى سريرها و لكن تعجّبت ... من هذا الكابوس لماذا شبح إمرأة و بوجه جارها منير ...؟؟ لم تدري لعل كل الأشياء البشعة و الإزعاجات تأتي منه ...

 

 

و عادت إلى سريرها، و بدأت تقرأ القرآن في سِرَّها حتى غطّت في نومٍ عميق .... و في الصباح نهضت من فراشها متكاسلة و كأنها لن ترتاح هذه الليلة كما يجب و شربت قهوتها على شرفتها، و من ثم اتصلت بها صديقتها سميحة قائلةً لها الطقس اليوم ظريف و مشمس، ما رأيك أن نقوم بنزهة قصيرة على الأقدام، سأمرُّ بك و نذهب سويةً إلى حديقة الجاحظ .... قالت لها لا بأس ... و أحدّثك على الكابوس الذي مرَّ بي الليلة الماضية و أقلق مضجعي .... و فرحت سميحة، فهناك قصة مثيرة في الطريق .... و اجتمعت الصديقتان و توجّهتا إلى الحديقة، و حياة تقص عليها الحلم الكابوس الذي مرّ بها و كأنها تتحدث عن فيلم رعب .... و كم ضحكت عليها عندما قالت لها أن المرأة الشبح كانت طويلة و وجهها يشبه جارها .... جار الهنا و بقيتا تضحكان .... إلى أن وجدتا كرسي في الحديقة مناسب للجلوس عليه، و جلستا تكملان حديثهما الشيق ...

 

 

و بعد نصف ساعة تقريباً و هما يتبادلا الحديث و الضحكات ...لم تجدا إلا شخص اقترب منهما يلقي عليهما التحية بكل أدبٍ و يقول : عمتم صباحاً أيتها السيدتان .... فرفعت رأسها حياة إلى مصدر الصوت الذي لم يكن غريباً عليها فوجدته ... هو بشحمه و لحمه .... جار الهنا ... منير ... لم تستطع أن تكتم ضحكة خفيفة ظهرت و كأنها ترحيب به، أو فرحة بلقائه، مع أن الحديث كان كله مسخرة و ضحك عليه و على أفعاله ... و لكن ردّتا التحية بكل أدبٍ و احترام لباقةً و إتيكيتاً، فقال لهما هل لي بالجلوس معكما .... فنظرتا لبعضهما البعض باستغراب ...؟؟... و لكن لم يكن باليد حيلة، و لم تستطيعا إلا أن تقولا تفضّل بعد أن أفسحن له في المجلس .... و جلس منير ... و بدا حديثه بالشكر لحياة على حسن جيرتها، و اعتذر منها كثيراً لأنه كان فظّاً غليظاً معها .... و ما ذلك إلا لأنه يشعر بوحدة قاتلة منذ أن رحلت زوجته إلى العالم الآخر ... و تركته وحيداً ... و ابن له مهاجر في كندا يعمل مهندساً ... و قليلاً ما يتواصل معه، فقد أخذته الحياة الغربية منه ... و تزوج هناك .... و حياة و صديقتها يستمعان له، و كأنهم يسمعون حكايات شخصية تسليهم، و كان بيدهم كيس من البوشار يتسلّيان به حتى نسوا أن يضيّفوا الجار منه ... و هما مندهشتان من تدفق الكلام الذي كان ينسكب من فم منير دون توقف، و كأنه كان ساكتاً دهراً و الآن سنحت له الفرصة بالبوح ... فكان هذا البوح كالسيل العرم ....

 

 

و أصبح يتحدّث عن حياته بكثافة، و خاصةً عن زوجته المحبّة و التي لم يحب إنساناً على وجه الأرض مثلها ... كم كانت حنونة و صبورة عليه، و كم كان هو فظّاً و جافاً معها مع أنها تستاهل كل الخير ... لم يكلِّمها كلمة حلوة في حياتها معه، و كم اشتهت هي ذلك من كل قلبها .... حتى توفيت و لم تحصل على شيء .... و استأنف منير كلامه قائلاً : كم كانت جميلة و طويلة القامة .... هنا التفتت الصديقتان الساكتتان فترة طويلة إلى بعضهما بعضاً باستغراب و دهشة كبيرة .... ثم نظرتا سويةً إلى وجه منير بنفس اللحظة يردن أن يتابع بسرعة .... استمر منير في وصف زوجته أنها كانت بيضاء فارعة و جميلة، و هناك شبه كبير في تقاطيع وجهها و وجهه هكذا كان يقول أهلهما و أقاربهما و حتى معارفهما .... فسبحان الله كم كانت تشبهني بالوجه فقط، أما بالروح و النفسية فلا ... فقد كانت شفافة جداً ..؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هنا كادت حياة أن يغمى عليها، و لكن سندتها صديقتها من وراءها ....!!؟؟ ماذا تقول له أن زوجته كانت في زيارتها الليلة الماضية ..... يخرب بيت هالجيرة ... أشباح كمان ..... قالت حياة لنفسها سراً .... و عندما شاهد منير التغيرات التي اعتلت وجه حياة .... قال لها ما بك .... كأنك منزعجة أو لديك شيء تريدين أن تقولينه ..؟؟؟ هنا شعرت حياة بالغثيان و برغبة قوية بالقيء .. ...... و أصبحت بحال يرثى لها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟...

 

يتبع  

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

قد تقرأ أيضا