الارشيف / ثقافة و فن / في الفن

#المرأة_والفن- أفضل الأدوار النسائية على الشاشة: من فاتن حمامة لهند صبري (١ من ٢)

  • 1/6
  • 2/6
  • 3/6
  • 4/6
  • 5/6
  • 6/6

الأدوار النسائية في السينما والدراما المصرية. موضوع أرق الباحثات النسويات منذ عشرينيات القرن الماضي.

لم يقتصر دور المرأة في السينما المصرية منذ تاريخ إنشاءها على الوقوف أمام الكاميرا، بل كان لها الفضل بصورة حقيقية في النهوض بالصناعة ذاتها. فلولا نساء رائدات مثل آسيا داغر وعزيزة أمير وبهيجة حافظ وماري كويني لما أنتجت آلاف الأفلام الكلاسيكية التي نعتبرها الآن –مشاهدين ومحللين- أيقونات سينمائية خالدة. هاته النسوة وغيرهن تميزن بالشجاعة وتصدين لاستثمار أموالهن وعلمهن ومجهودهن في إنتاج أفلام لم تكن تعود عليهن بربح مادي يذكر في كثير من الأحيان.

في ملف عن المرأة والفن، سنحاول إلقاء الضوء على المرأة المصرية ممثلة وكاتبة ومخرجة، ومدى إيجابية الدور الذي لعبته في صناعة السينما والدراما.

اخترنا ١٥ ممثلة قمن بدور إيجابي في تمثيل المرأة على الشاشة سواء مصريًا أو عربيًا. هذه قائمة اعتمدنا فيها على ذائقة شخصية قد تختلف أو تتفق معها عزيزي القارئ وأيضاً على تطبيق المفاهيم النسوية في قراءة المشهد السينمائي سواء القديم أو المعاصر.



في حوار له بعد موتها مباشرة، أكد الفنان الراحل نور الشريف أن سعاد حسني في نظره "أهم ممثلة عربية"، ويماثلها في الأهمية "زكي رستم". وعن الأسباب وراء تصنيفه هذا، أكد على موهبتهما الفطرية والتي مكنتهما من الإمساك بقواعد علم التمثيل دون دراسة أكاديمية ولا ورش تمثيلية.

ليست سعاد فقط موهبة جبارة، وكاريزما إلهية، لكنها أيضاً عملت على تنوع أدوارها النسائية بصورة كبيرة، وحاولت فيها كسر القوالب التي توضع فيها الفنانة. خرجت لبراح المرأة المصرية الرحب متقمصة أكثر من شخصية، ومتلونة كيفما اتفقت تلك الشخصية وليس كما أرادت سعاد.

يكفي دورها في "خللي بالك من زوزو" لتعتبر سعاد حسني أيقونة فيمينست. زينب (زوزو) هي فتاة تدرس بالجامعة نهاراً وترقص مع العوالم ليلاً. عندها أزمة هوية حقيقية، نبعت من كونها فخورة بوالدتها الأسطى "نعيمة ألماظية" وفي نفس الوقت محرجة من وضعها كطالبة جامعية مثالية تمتهن مهنة –الرقص الشرقي- مازال المجتمع ينظر لها بصورة دونية على الرغم من عدم استغناءه عنها.

لم تتوقف سعاد عند زوزو، دور ليلى في "الحب الضائع"، حاولت به الخروج عن نمطية المرأة الأخرى الشيطانة أحادية الأبعاد والتي دأبت السينما المصرية على استنساخها في أكثر من فيلم، فكانت شخصية مركبة من لحم ودم.

نسوية سعاد أتت من تجسيدها لأكثر من امرأة مصرية عادية على الشاشة. لم تخش من كون الدور لا يبرز أنوثتها. فكانت مناعة بائعة الممبار والكرشة في "الدرجة الثالثة"، دور امرأة شعبية حقيقية ممزوجة بخفة الدم وبعض الفانتازيا. ولا ينسى أيضاً لسعاد أدوارها في أفلام مثل "أهل القمة" و"غريب في بيتي" واللتين ظهرت فيهما بصورة عادية تماماً، امرأة يمكنك أن تقابلها في الشارع، أو تجلس إلى جانبها في وسائل المواصلات العامة. وهي ثورة تمثيلية على أكثر من مستوى، كسرت بها سعاد حاجز الميلودراما السينمائية المصرية والتي تقتضي على الممثلة أداء دور شديد الجاذبية أو شديد النفور حتى تنال التقدير النقدي والجماهيري.

في فيلم "زوجتي والكلب"، أبدع سعيد مرزوق مغيراً وجه اللغة السينمائية المتعارف عليها طوال تاريخ السينما المصرية، وفي اختياره لسعاد حسني بشبابها ونزقها السلس في دور سعاد، صنع دوراً نسائياً مميزاً في فيلم مركب عن الحرمان والجنس والخيانة والهوس. جرأة سعاد اتضحت من بداية مسيرتها الفنية، وتجلت بصورة كبيرة في أداءها لدور امرأة شبقة تستمتع بممارسة الجنس مع زوجها، ويؤرقها حرمانها العاطفي والجنسي منه.

في فيلم "غرباء"، تتبلور جرأة سعاد حسني في أداءها لشخصية نادية، الفتاة الحائرة ما بين ثلاث رجال يمثلون ثلاث أوجه للصراع في النفس البشرية بصفة عامة، الوازع الديني والوازع العلمي الجاف ووازع الفنان المتحرر من كليهما. انعكست هذه الأوجه على محاولة كل رجل السيطرة الكلية على نادية. جدير بالذكر أن هذا الفيلم منع من العرض وقتها خوفاً من "إثارته البلبلة لدى ضعاف الإيمان" وهنا تتجلى مدى روعة اختيار سعاد حسني الأيقونة والفنانة في أداء دور مواطنة تعاني تشتت أفكارها ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار ممثلاً في السلطة الذكورية المتواجدة بحياتها، بينما الدولة –التي تمثل وقتها السلطة الأبوية في حياة المواطن- تمنعه من مشاهدة فيلم سينمائي.

قطة الدراما المصرية ذات العيون الزرقاء، والتي سلب جمالها لب مشاهدين الوطن العربي من مشرقهم لمغربهم، اشتهرت إيمان بأداء الأدوار النسائية القوية. ربما هي ملامحها الآرية، أو نبرة صوتها الحازمة، لكن إيمان استغلت جمالها في جميع الأحوال لترسم صورة إيجابية للمرأة القوية التي كما يقولون بالتعبير الأميركي (Takes no bullshit from anybody).

في الجزء الثاني من مسلسل "بوابة الحلواني"، كانت غرام خاتون المتآمرة الجميلة، القادمة من إسطنبول للثأر لحقوق عائلتها المسلوبة، وفي "رأفت الهجان" كانت إستر بولينسكي، الحبيبة المتوحشة لديفيد شارل سمحون، والتي دفعت الجمهور العربي المتحفظ المعتز بقوميته العربية وذكوريته حتى في الحكم على الشخصيات الخيالية، للدعاء على رأفت الهجان كونه كسر قلب استر الإسرائيلية.

في السينما أيضاً، كان لإيمان العديد من الأدوار الإيجابية سواء في تمثيلها للمرأة حقوقياً أو اجتماعياً. في فيلم "دماء على الأسفلت" تلعب دور سهام الباحثة في المركز القومي، حبيبة سناء –نور الشريف- القديمة، والتي استمرت في حياتها بعد أن سافر بعيداً، فتزوجت ونجحت في عملها. كسرت سهام الشخصية النمطية للحبيبة المخلصة التي تعيش على ذكرى حبيبها، فتنتظره حتى يعود ولا تفعل شيئاً بحياتها سوى اجترار ذكرياتهما معاً.

في جملة حوارية لا تخرج سوى من تحت قلم أسامة أنور عكاشة، تخبر سهام حبيبها وابن عمها، "كنت متصور إني هفضل أتعبد في محراب ذكراك طول عمري؟ ولا هعنس وأقعد أعيط على بختي، وأدعي على ابن عمي الندل اللي خلي بيا وقعدني سنين مستنياه؟"

في فيلم "الحكم آخر الجلسة" برعت إيمان في دور بثينة، المحامية الجريئة التي ما إن تعلم أن عائلتها تحمل صفة الجنون وراثياً، تجري عملية تعقيم لنفسها، وتتصدى للدفاع عن زوجة أخيها التي تجهض نفسها لئلا تنجب للعالم طفلاً مجنوناً آخر يتعذب، فتترافع ضد والدها في المحكمة وتتحدى قوانين العائلة الذكورية. قضية الإجهاض والتعقيم وكل ما يتعلق بجسد المرأة هي قضايا نسوية بامتياز، وكون إيمان الطوخي تصدت –ومعها في هذا الفيلم بوسي- لدور بمثل هذا الخطورة يعد شجاعة منها واستكمالاً لمسيرة أدوارها المناصرة للمرأة على الشاشة.

من أدوارها الإيجابية الأخرى؛ الفيلم التليفزيوني "دخان بلا نار" وأدوارها الدينية والتاريخية في مسلسل "رابعة تعود"، مسلسل "لا إله إلا الله"، ومسلسل "جمال الدين الأفغاني".



رائدة من الرائدات، تعد ماجدة واحدة من أهم النساء اللاتي أثبتن وجودهن في السينما المصرية. ليست أهمية ماجدة في كونها ممثلة، فهي لم تغير ولم تلون من أداءها بصورة كبيرة، وربما لم تسعفها قدراتها التمثيلية المحدودة إضافة إلى رغبتها في الظهور كماجدة في أي عمل لعبت بطولته. لكنها أعطت للسينما مثلما أعطتها، ولم تخش من كونها امرأة رقيقة تستمتع بإثارة الرجال بطريقتها المختلفة وتنهيداتها المعذبة. يكفي أن رجل الدين المتطرف الشيخ كشك قال عنها يوماً في إحدى خطبه -التي ساهمت ضمن موجة الوهابية في زعزعة نظرة المصريين لفنانيهم كقيمة عالية وأبدلتها نظرة مستهجنة مستنكرة- أن تنهيدتها تبطل الوضوء.

اقتحمت ماجدة مجال الانتاج من صغرها عام ١٩٥٨ عندما أنشأت شركة أفلام (ماجدة) للإنتاج السينمائي ، رغبة منها في أن تمثل أفلاماً بحرية، بعيداً عن ضغط المنتجين. تركت بصمتها على السينما خاصة بعد إنتاجها فيلم "جميلة بوحيرد" والذي قامت ببطولته وأخرجه العبقري الراحل يوسف شاهين، تجسيداً لشطر من حياة بطلة ومناضلة جزائرية أثرت صفحات البطولات النسائية في العالم العربي.

لم تتخل ماجدة عن دورها كفتاة تحاول دائماً التمرد على المألوف. ورغم تحفظها الواضح في أداء الأدوار التمثيلية خاصة في بدايتها، إلا أنها كانت مهتمة بلعب الشخصيات النسائية التي تتمرد على قواعد وقوانين العائلات المحافظة في أفلام مثل "أين عمري" و"المراهقات" و"بين إيديك". في فيلم "حواء على الطريق"، تؤدي دور امرأة متبنية قضية المرأة ورافضة لهيمنة الرجل عليها، مما يتعارض مع قصة حبها لرجل ذكوري، يتحكم فيها بعد الزواج رغم تظاهره بالتفتح والإيمان بالمساواة، وهو فيلم ضمن موجة أفلام النسوية القومية التي تبناها النظام الناصري وقتها كجزء من خطة تمكين المرأة في المجتمع دون أن تفقد الدولة السيطرة على مطالبها.

هذا غير تصدي ماجدة لإنتاج وبطولة الكثير من الأعمال السينمائية المأخوذة عن روايات لكبار الكتاب أمثال "السراب" عن رواية نجيب محفوظ، "النداهة" عن رواية يوسف إدريس، و"الرجل الذي فقد ظله" عن رواية فتحي غانم. كانت ماجدة تؤرخ لنفسها وللسينما المصرية أيضاً. ويذكر أنها حاولت اقتحام مجال الإخراج بفيلم واحد "من أحب" ولم تقدر على تكرار التجربة مرة أخرى، لكن يكفيها شرف المحاولة.



لا تذكر نبيلة عبيد إلا ويأتي ذكر نادية الجندي فالاثنتان كانتا تتنافسان على صدارة شباك التذاكر في وقت من الأوقات. إلا أن نبيلة –في رأي كثير من النقاد- أكثر عمقًا وموهبة من نادية.

مع فيلم "الراقصة والسياسي" وصلت نبيلة لقمة النضج الفني والأنثوي. يكفي أنه أعطاها اللقب الذي مازالت حتى الآن محتفظة به وهو "أفضل ممثلة أدت دور راقصة"، نظراً لرقصها والذي تفوق حتى على راقصات محترفات بالمهنة. أما عن شخصيتها الأيقونية سونيا سليم، فهي راقصة شرقية، تعاني من ازدواجية المجتمع، والذي قد يحييها أفراده بينما تقود سيارتها، ويهللون لها بعد أداء استعراضها، ثم يسبونها في قرارة أنفسهم.

نسوية سونيا تكمن في عدم خجلها من كونها راقصة، بل هي سعيدة وفخورة بهذا، حتى ماضيها الذي ربما يراه المجتمع منحلاً هي لا تخجل منه، كونها تعلم أنها تعيش في مجتمع "على رأسه بطحة" أسهل ما فيه إلقاء اللوم عليها كامرأة فاسدة عاصية بينما يتظاهر أفراده بالطهر كون خطاياهم دوماً في الخفاء.

تنميط الشخصيات النسوية يقع في الفخ الأزلي للمرأة التي تلفظ أنوثتها وتتصرف بصرامة وعنف. لكن الشخصية النسوية الحقيقية هي المرأة التي لا تخشى حكماً من أحد، وترفض أن يشعرها أحد بالنقص كونها امرأة اختارت لنفسها نمط حياة مغاير ومتحرر قليلاً. لهذا يمكن اعتبار سونيا سليم شخصية فيمينست من الدرجة الأولى.

فيلم آخر تتعاون فيه نبيلة مع مؤلفها المفضل إحسان عبد القدوس هو "أرجوك أعطني هذا الدواء". على الرغم من نهاية الفيلم المستفزة والتي كالمعتاد تقتل البطلة كي تتطهر أمام المشاهدين، إلا أن الفيلم برع في إظهار نفسية امرأة ممزقة ما بين زوجها الذي تنفر من معاشرته والطبيب النفسي المثير الذي تتعالج عنده، وتشتهيه. فاروق الفيشاوي يقوم بدور الطبيب النفسي شديد الجاذبية، ونجحت المشاهد التي بينه وبين نبيلة في إظهار معاناة امرأة مع رغباتها المكبوتة. فكرة جريئة كهذه تحسب لصناع العمل وعلى رأسهم نبيلة التي لم تخش يوماً من التصدي لمثل هذه الأعمال.

يقول المخرج الأمريكي الشهير ديفيد لينش "عليك توفير كل شيء يحتاجه الممثلون لأنهم، في النهاية هم الذين يقدمون التضحية الأكبر."

هذا حقيقي بنسبة كبيرة، خاصة إذا ما نظرنا إلى فيلم هام مثل "كشف المستور" والذي قامت فيه نبيلة عبيد بدور امرأة تدعى سلوى، كانت تستغل جنسياً لصالح جهاز المخابرات، اكتشفت بعد عشرين عاماً، أن الشرائط والتسجيلات التي تحوي نضالها "على السرير" لم يتم إعدامها كما وعدها مرؤوسيها، لكنها مازالت باقية سلاح تهدد به هي وزميلاتها طوال حياتهن. هذا الفيلم أثار ضجة نظراً لإثارته قضية حساسة وجريئة، وتعامله شديد الانسانية مع سلوى وزميلاتها.

في أفلام مثل "أيام في الحلال"، و"الصبر في الملاحات"، و"التخشيبة"، و"اغتيال مدرسة"، جسدت نبيلة صورة غير نمطية للمرأة العصرية التي تتهم في قضية مخلة بالشرف ظلماً، أو تتزوج رجل متزوج ثم ترفض أن تحيا في ظله للأبد، أو تتصدى للدفاع عن امرأة أخرى مما يضعها في محك أخلاقي وصدام مجتمعي. في كل فيلم قامت نبيلة ببطولته، كانت هي المرأة الجميلة المثيرة التي يبدو أنها تحمل ما هو أكثر من جمالها وإثارتها. جرأتها في تمثيل أدوار الإغراء لم يطغ على محتوى أفلامها وقيمتها العالية، كما لم يكن على حساب الشخصيات المرسومة خصيصاً لتصبح امرأة هي محور الأحداث.



طوال عمرها، كانت حنان ترك ممثلة مثيرة للجدل. تصريحاتها دوماً متضاربة، و"ضاربها السلك" مثل الكثير من أدوارها. لا شك أن حنان فنانة جريئة وموهوبة، وقد ساهمت في تقديم نماذج نسائية هامة وإيجابية على مدار مشوارها الفني، على الرغم من انغماسها في تيار السينما النظيفة حتى النخاع والذي بالتأكيد أضر باختياراتها التمثيلية.

حنان باليرينا وفنانة. تتجلى حساسيتها في الأدوار التي أدتها مع الراحل يوسف شاهين، سواء في فيلمي "المهاجر" أو "الآخر". دور الصحفية الجريئة حنان في "الآخر" بالذات يتميز بكونه أعطى حنان تلك الشاعرية التي تمتاز بها الكثير من شخصيات شاهين النسائية. صحيح أن الفيلم لم يكن خير ما يمثل قدرات حنان التمثيلية المتدفقة، إلا أنه ضمن لها خلوداً وسط قلوب مراهقي ذلك الوقت والذين كانوا يرتجفون لوعة مع أغنية الفيلم "آدم هو وهي حنان" بصوت ماجدة الرومي العذب.

يعد فيلم "دنيا" الذي منع من العرض رغم تميزه فكرياً وفنياً من الأفلام التي حلقت فيها حنان بجسدها فطالت السماء. الفيلم نسوي زيادة عن اللزوم، هذا حقيقي، لكنه فيلم بديع، يأخذ من جسد حنان –المختون في الفيلم- باليتة ألوانه ويطوعه كيفما شاء. فنرى دنيا ترقص بحرية، تتفاعل مع كل من حولها، من جدة ختنتها وهي صغيرة، لزوج شبق لأستاذ جامعي حالم، حتى كار العوالم الذي أتت منه أمها الراقصة السابقة، تبدو شديدة التناغم معه، وهي تتعلم الرقص فتأخذ بيد المشاهد إلى عالم أنثوي شديد الخصوصية والتنوع وأيضاً المجون.

في "قص ولزق"، تبرز حنان في دور جميلة، فتاة بلغت الثلاثين لم تتزوج ولم تجد عملاً يناسب طموحها الكبير. تقابل شاباً رومانسياً –يؤدي دوره بعذوبة شديدة شريف منير- وبطريقة شديدة العملية تعرض عليه أن يتزوجا حتى يهاجرا لنيوزلندا سوياً، وهناك ينفصلا ويشق كل منهما طريقه بمفرده. عبرت جميلة عن لسان حال كثير من الفتيات المصريات و هي تتمنى خوض رحلة الحياة وحيدة، بعيداً عن تعقيدات الزواج والعنوسة وما بينهما.

في المسلسل شديد الشعبية "لن أعيش في جلباب أبي"، كانت حنان هي نظيرة، الابنة الصغرى للحاج عبد الغفور البرعي، وأكثر أبناءه استقلالية وطموحاً. بدا واضحاً شخصيتها الإيجابية مقارنة بكل الشخصيات النسائية في المسلسل تقريباً، من فتيات يتلخص جل طموحهن في الزواج أو الثروة، أو ربات منزل لا يفقهن شيئاً سوى تربية الأبناء.

بينما في المسلسل الذي تحلق حوله جميع مشاهدي العالم العربي "أوبرا عايدة"، برعت حنان في دور عايدة الطبيبة التي تختار القتل الرحيم إنهاء لحياة مريض بالمستشفى الذي تعمل به، حتى لا يتعذب مثلما تعذب والدها بمرض السرطان الذي لا شفاء منه. سبب هذا المسلسل ضجة كبيرة عند عرضه كونه يتطرق لقضية لها مرجعيات دينية وشرعية وهي "القتل الرحيم" للمرضى الميئوس من شفاءهم ومناقشته لها من منظور انساني بحت، والبعد كل البعد عن الأحكام الدينية والقانونية، خاصة مع خلق تعاطف مع الطبيبة عايدة والأسباب التي دفعتها لانهاء حياة مريضها شكري الهواري.

وعلى الرغم من تحفظي الشديد على فكرة ممثلة محجبة، مما يخل بالمنطق الدرامي كله، إلا أن حنان أيضاً حاولت أن تطرق باب إثارة الجدل ولو طرقاً خفيفاً بعد ارتدائها الحجاب عندما قامت ببطولة المسلسل الكوميدي "نونة المأذونة" والذي تقوم فيه ولأول مرة في الدراما العربية بدور مأذونة شرعية، مما قد يعرضها لكثير من المشكلات والعقبات التي تواجه المرأة في مثل هذه المهن غير المطروقة.

ينبغي ذكر أيضاً أن حنان ترك كانت من أشد المؤيدات للأفلام ذات البطولة النسائية مثل "كلام في الحب"، و"أحلى الأوقات"، و"حب البنات". وعلى الرغم من أن أدوارها كانت خفيفة، إلا أنها شديدة الإيجابية من حيث التمثيل الكمي لنوعية الأفلام التي تضع الشخصيات النسائية في صدارتها، خاصة عندما نعلم أن معظم نجوم الصف الأول من الذكور عادة ما يأنفون من الظهور في مثل هذه الأفلام، مما قد يهدد بعضها –أسوار القمر لطارق العريان، والذي تدور قصته المحورية حول امرأة- بعدم الخروج للنور سنوات طوال.



لا يأتي ذكر سمية الألفي دون أن يذكر مسلسل "الراية البيضا"، تحفة أسامة أنور عكاشة التي سبق بها الزمن عشرين عاماً وتنبأ بما سيؤول إليه حال تاريخ مصر المعماري والفني، وانحسار مد الثقافة والتنوير أمام طوفان السوقية والسطحية. لمعت سمية في دور أمل الصحفية الجريئة القوية محاربة الفساد، لكن روعة شخصية أمل كانت في العلاقة المعقدة التي بينها وبين الرسام الرقيق هشام، والذي كانت هي أولى تجاربه العاطفية بينما استخدمته كرة بينج بونج لإفراغ نوازعها السادية المترسبة في أعماقها نتاج علاقة مدمرة قديمة تسببت في انهيارها نفسيًا ومهنيًا.

دور أمل شديد العمق، خاصة فيما يتعلق بكسر النمط في تمثيل العلاقة بين الرجل والمرأة، فالقاهر كان في حالة أمل وهشام، هي أمل ذاتها على غير عادة تصوير المرأة بالطرف المعطاء المضحي المستكين والرجل بالطرف المعذب والأكثر خبرة والمستعد دوماً لسحق عواطفها بدوافع من تجاربه السابقة، والأمثلة على ذلك كثير؛ فيلم "أين عقلي"، فيلم "وثالثهم الشيطان"، فيلم "إنذار بالطاعة" وفيلم "المدمن".

سمية أيضاً كانت من النساء الجميلات المتآمرات في بلاط الخديوي إسماعيل في مسلسل "بوابة الحلواني"، وهي تؤدي دور الأميرة أشرقت المتكبرة التي تقهر حمزة الحلواني الشاب الفقير الذي يعمل في حراسة قصرها، ويبادل حبها بالرفض.

في فيلم "حد السيف"، الذي أنتجته الراقصة نجوى فؤاد لتؤرخ مشوارها الاستعراضي وتصنع لنفسها مجداً فنياً يليق باسمها كواحدة من أهم الراقصات المصريات، قامت سمية بدور سحر طالبة الطب الجريئة التي لا تهتم سوى بنجاحها المهني وتتيه فخراً بجمالها في ذات الوقت. في أحد المشاهد، تتقدم عائلة محافظة لخطبة أختها أميمة، وتحاول أخت العريس إحراج سحر بسؤالها عن الحجاب. تعد هذه ربما أولى محاولات السينما المصرية التطرق لظاهرة الحجاب والتي كانت بدأت في التفشي في المجتمع مع مطلع الثمانينيات، ويتجلى موقف الفيلم الرافض لها في رد سحر اللاذع على أخت العريس المحجبة.



لا يفتى في النسوية وفاتن في المدينة. فاتن من الفنانات الرائدات في أدوارها الإيجابية واضطلاعها بتمثيل المرأة المصرية العصرية، الخارجة من قمقم التبعية إلى فراغ الحرية الواسع، والذي أحياناً لا تقوى على المسئولية المترتبة عليه، مما يعيدها مرة أخرى إلى أمان ودفء الرجل.

يكفي أن نعرف أن فيلم مثل "أريد حلاً" والذي قامت فاتن ببطولته عن قصة الكاتبة النسوية الكبيرة حُسن شاه، سيناريو وحوار سعد الدين وهبة وإخراج سعيد مرزوق، قد ساهم بشكل أو آخر في تغيير قانون الأحوال الشخصية لصالح المرأة المصرية، وكان بمثابة الشرارة التي انبثق منها قانون الخُلع، والذي أتاح للمرأة المصرية حق الطلاق دون الخضوع لإرادة الرجل في تطليقها وقتما شاء.

رغم أن الفيلم يعد نسوي راديكالي بدرجة كبيرة، والشخصيات الرجالية فيه أحادية الأبعاد، إما شديدة السوء أو شديدة الرقي، لكن اضطلاعه بمناقشة قضية كالطلاق في هذا الوقت من وجهة نظر أنثوية بحتة تعد شجاعة تحسب له ولو على حساب الدراما. ويحسب لفاتن كونها تصدت بنجوميتها لمثل هذا الصراع الذي قد يخيف أي ممثلة أن تصبح في صدارته، خاصة وهي تصطدم بمناطق شائكة كالشريعة والشرع والقوانين.

لكن فاتن لم تكن يوماً ممن يتحاشين المواجهات. مع أول قبلة لها على الشاشة في فيلم "صراع في الوادي" وهي تراهن على عشق الجمهور لها والذي سيضطره إلى الخضوع للعبة النجومية بقواعدها هي. مع فيلم "نهر الحب" والذي يعتبره معظم المصريون من كلاسيكيات السينما الرومانسية، أثبتت فاتن قدرتها على سحب المشاهدين لعالمها السحري، إنها المرأة الخائنة التي تحب رجلاً دون زوجها، بل وتمضي معه إلى حياة أخرى بعيدة عن حياتها الأسرية وحتى أمومتها، لكن المشاهدين يحبونها بينما ترقص بين ذراعي عمر الشريف، أو تبكي وهي نائمة في القطار.

يأتي أيضاً "الباب المفتوح"، بنسويته القومية المسيسة، كمخرج آخر لرومانسية أجيال من الفتيات، يحلمن برجل مثل مصطفى، وقصة حب ملتهبة مثل تلك التي تعيشها ليلى. في الآونة الأخيرة، انتشر الخطاب الذي أرسله مصطفى –صالح سليم- لليلى على الفيسبوك، مطلقاً سيل من الآهات والتنهيدات الحالمة من المراهقات الجدد. صحيح أن اعتبار "الباب المفتوح" فيلماً رومانسياً يضر بقيمته كفيلم عن الحرية بصورة عامة، لكن اعتبار ليلى مثال أعلى لفتيات كثيرات، مازالت معظمهن تخشى تداول صورتها الحقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي خوفاً من الأحكام الأخلاقية والشكلية، هو في حد ذاته انتصار للفكرة.

ليلى في "الباب المفتوح" هي الفتاة المتمردة التي أوقعها حظها العاثر في قلب عائلة مستكينة محافظة متحفظة، تصدم في مشاعرها وتستكشف جنسانيتها في حذر –مفهوم بالطبع من صناع الفيلم وحتى من كاتبة الرواية الأصلية لطيفة الزيات- لكنها تصطدم بأخيها الثوري الذي ينصحها بالاستسلام لأوامر أبيهما، وابن خالتها الحبيب الذي يحاول الاعتداء عليها بدافع استكشاف جنسانيته المكبوتة أيضاً تحت سيطرة أمه قوية الشخصية وعادات وتقاليد العائلة، وبالأستاذ الجامعي الذي يستشعر الصراع الدائر في أعماقها بين حريتها وأمانها، فيستغله لصالحه، ويمنحها الأمان الذكوري الأبوي، وهو مدرك مدى تخوفها من استماعها لصوت الحرية الوحشي الهامس في أعماقها.

على الرغم من أن حرية ليلى وقيودها، هما في الفيلم صنيعة الرجل، إلا أن المشهد الذي تترك فيه عائلتها وتنطلق لتركب قطار الحرية –وهو رمز سياسي للأسف- المتجه لبورسعيد، حيث المقاومة الوطنية على أشدها، هو مشهد نسوي ثوري شديد الجمال، ويرسخ لصورة فاتن الفتاة الرقيقة الصامدة، المتمردة بشياكة كعادتها على جمود مجتمعها.

دوماً ما تحاول فاتن في أعمالها الأخيرة –السبعينيات وما بعد- كسر فكرة احتياج المرأة للرجل بصفة دائمة، فمن مسلسل "ضمير أبلة حكمت"، ودور حكمت هاشم مديرة مدرسة نور المعارف التي استغنت عن الزواج ودفنت مشاعرها في قلب طموحها المهني الكبير والذي مكنها من الصعود لمكانة تفوق أي مربية بالتربية والتعليم وقتها –وربما في التاريخ كله. إلى فيلم "ولا عزاء للسيدات"، والذي يبدو شديد البساطة، لكنه في خلال مدة عرضه يكشف مدى الخلل الذي يعاني منه المجتمع في نظرته للمرأة المطلقة، خاصة في تصويره لتفاعل الرجل العاشق الشرقي مع امرأة يحبها، عندما تطالها الشائعات الأخلاقية والتي قد تضع رجولته محل شك وتضع على ارتباطه بها علامات استفهام.

بينما في "الخيط الرفيع" هي منى، عشيقة عادل، والتي يصعد على أكتافها سلم المجد فقط ليلقي بها وراء ظهره في النهاية، مختاراً الزواج بفتاة من عائلة أرستقراطية، تليق بمركزه الاجتماعي. هذا الدور يبدو مختلفاً على طبيعة فاتن الهادئة، لكنه أحد ركائز قوتها الناعمة في كسر النمط المتعلق بها دونما استفزاز للجماهير. يمكن القول أن فاتن لعبت كل الأدوار، دون أن يستطيع أحد أن ينزلها من عرش الفنانة الوقورة وهالة "القديسة" التي لحقت بها طوال مشوارها الفني. شددت فاتن في أكثر من لقاء تليفزيوني على أهمية ذكاء الفنان واستباقه أحياناً للموهبة التمثيلية، وكانت هي أفضل من استخدم ذكاءها في الحفاظ على نجاحها المهني والجماهيري. حتى مع إصرارها على استخدام حوار إحسان عبد القدوس –في سيناريو يوسف فرانسيس- الجريء بالنسبة لذلك الوقت، والممتلئ بالرمزيات الشائكة، كانت تعلم أن الجمهور سيغفر لسيدة الشاشة العربية أي شيء تفعله وأي خيط رفيع تتعداه.

"إمبراطورية ميم"، "حبيبتي"، "ليلة القبض على فاطمة"، كل هذه وغيرها أفلام تبدو فيها صورة المرأة كما تريدها فاتن؛ قوية، شجاعة، مستقلة، صاحبة قضية ما أو ربما امرأة تجريبية، حاولت كسر نمط أو قيد ما، ربما يكون غير مرأي إلا للمدقق، وهذا هو ما تريده فاتن بالضبط. صحيح أن نسب الأفلام لممثليها يأخذ الكثير من صناعها الحقيقيين –مديري تصوير ومخرجين وكتاب- إلا أن ممثلة بحجم وذكاء وجرأة فاتن تستحق أن تنسب لها أعمالها، نظراً لأنها لم تختر أي منهم عبثاً، خاصة عندما ملكت حرية الاختيار.


٢٥ رداءً تركوا تأثيرًا في الدراما والسينما المصرية
١٠ أعمال مصرية مخيفة وليست مرعبة
#عودة_سميرة- ١٠ أغنيات أثبتت بها سميرة سعيد أن قوة المرأة في مشاعرها
#الصبوحة- ١٠ إطلالات جريئة ومغامرة وغير مألوفة لصباح
فيروز.. صوت يبقى بعد أن يفنى الوجود

Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى