الارشيف / ثقافة و فن

بدايتي الصباحيّة

في الصباح يبدأ يومي بهدوء حينما أرتب سريري، وأفتح نافذتي مجدداً، ثمّ أرتل في قلبي الأذكار، وأذهب إلى الجامعة. حينها في طريقي تستمر أفكاري، وعيني تصوّر فلماً لم يوثّق حيث الشمس المرتفعة تزهو في أعلى سقف السحب، والأشجار العميقة تحت السماء، والتفاتة الطيور حول الشكل الجمالي في المباني، فأتحدث بصمت: لماذا لم أرى ذلك في كل مرة تتجه ملامحي إلى نافذة الحافلة!

لم يكن عليّ يوماً أن أحزم كل ثقل العالم ومشاكله في كتفي، ولكن ربما لطبيعة المجتمع حولي ثرثارون بالسياسة، ونهاية العالم، وسلبيات كل ظاهرة، وحدث، وربما الجمادات اختلقوا فيها أوهام سوداوية، فحتى الابتسامة ظلموها، وقتلوا مشاعر الحب بكل اختلافه.

لهذا قررتُ أن استمع إلى المواد الصوتية في هاتفي وأنصت كثيراً، وأنتظر خطواتي الشغوفة؛ لأهبط من الحافلة واتجه نحو بوابة جامعة الإمام.

عندما مضت خطواتي إلى كلية اللغة العربية بدأت أفكر ثانية: ما هو مستقبلي؟ هل لدي قدرات؟ هل سأنجح؟ هل سأكمل دراستي؟ فكرة نحو فكرة، وسؤال يتبعه ألف سؤال يرهقني، ويجعلني أستسلم ببساطة، وأشعر بالكراهية لحياتي ونفسي فكأنني طوقت رقبتي بمشنقة، وأصبح في قلبي حجراً كبيراً فلا يسعني القيء أو التنفس!

ذلك أشدّ ظلماً لنفسي، وفقدان أهم جزء من قوتي وهو الأمل بالله، فحينما ذهبتُ لدورة المياه بدأت بتمعن ملامحي جيداً، وابتسمت ابتسامة صفراء لأبين مكري للحياة، وأنني عنيدة مثل بقاء أغصان الشجر المكسور، وثابتة كثبات الكتابة على مرّ العصور. لمَّا انتهيت خطر ببالي كوباً من القهوة المرّة لعل في ذلك علاجٌ لكياني ومفتاحٌ للنصر، فيبدأ يومي حقاً بلقاء صديقتي بابتسامة بعيدة، وسلامٌ دافئ، وحديثٌ مشوق، وبعد عدة ساعات تَحضَر الأستاذة بأروع النقاء في لبسها، وعقلها، وحسن أخلاقها، ثمّ بخطوات كبيرة نذهب لصديقاتنا الأخريات ونلوّح بأيدينا.

ما أعظم تلك اللحظات التي تكشفُ عن حقيقتك، وتتبدل الأنصاف إلى كمال بفضل هؤلاء الأرواح، فمهما بدا البرود في أحيان نحو علاقة ما، ففي اليوم الآخر سيتضح مدى قيمة الشخص الذي صاحبك وأخذ من ذكرياتك قطعة. كذلك حتى نضالك الوحيد في داخلك، ستتعلم منه كيف لحضن وحيد كافٍ لمقاومتك كل أنواع الألم وربما في كلمة واحدة: "الله".

خرجتُ من الجامعة كبطلة، أو بتهنيده أربكت الثلج فانهمر عشوائياً، ثمّ أسندتُ رأسي على النافذة، وأغمضت عيني وبدأت أحلم، حلمٌ بعيد المنال ولكنه يبدو جميلاً وجذاباً.

 

قلم رنا الحامد

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

قد تقرأ أيضا