الارشيف / ثقافة و فن

الهجرة غير الشرعية ۔۔۔۔۔۔۔ سراب الظمآن

بقلم : د. محمود عبد العال فرّاج

 

 

"سراب الظمآن" هو تعبير مجازي يستخدمه العرب وأهل اللغة كثيراً للتعبير عن شيء غير حقيقي أو واقعي، قد يظهر للشخص وكأنه حقيقة لكنه في الواقع لا يمتلك وجوداً حقيقياً، ويُستخدم هذا التعبير في اللغة للإشارة إلى أوهام أو أمور لا وجود لها في الواقع، ويمكن أن يكون ذلك في السياقات المختلفة مثل الأحلام البعيدة عن التحقق أو الأفكار غير الواقعية، وجاء ذكر السراب في القرآن في عدة مواضع (الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ﴿٣٩ النور﴾ وجاء تفسير ذلك في الجلالين فهو جمع قاع وهو شعاع يرى فيها نصف النهار في شدة الحر يشبه الماء الجاري يظنه العطشان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً مما حسبه كذلك الكافر يحسب أن عمله كصدقه ينفعه حتى إذا مات وقدم على ربه لم يجد عمله أي لم ينفعه ووجد الله عنده، أي عند عمله ﴿فوفَّاه حسابه﴾ أي جازاه عليه في الدنيا.

في الحقيقة لم أجد تفسيراً لظاهرة الهجرة الشرعية إلا بضرب مثال سراب الظمآن فهي ظاهرة مخيفة مرعبة، يكفي النظر إليها من بعيد لمعرفة مدى خطورتها وما حجم التهلكة التي يتعرض لها هؤلاء المهاجرين في سبيل الوصول إلى بلد آخر يحسبونه ملاذاً آمناً ولكن هيهات هيهات، قد يكون هذا الرأي مخالف لقناعات الكثيرين ممن اكتووا بالحروب أو تعرضوا للاضطهاد والظلم ويقولون كيف لك أن تحكم على أمر لم  تألفه، والحقيقة أنا أتفق معهم، فأنا أؤمن و بكامل قناعتي الشخصية ألا ّاحكم أو أقرر عن الآخرين، فقررت أن أسبر غور هذه المسألة الشائكة التي تنامى تيارها في السنوات الأخيرة لعلي أكون مخطئاً في حكمي المسبق، فهلموا بنا نتعرَّف على هذه الظاهرة بكل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية ونجلي عنها أسبابها ونكشف عن نتائجها، والأمر مطروح لكم للحكم على ما سيرد في متن هذا المقال، الذي أحاول الخوض فيه وأستشعر ما يعانيه الجميع سواء كان المهاجرين أنفسهم أو أسرهم أو مجتمعاتهم الحالية أو المستقبلية، والأمر من وجهة نظري يحتمل وجود أكثر من وجهة نظر، فدعونا نرمي بالحجر الذي لا أظنه الأول في هذا المجال وإنما قد يكون الكثير قد سبقني في التعرض إليه. 

تُعرف الهجرة غير الشرعية على أنها عبارة عن الانتقال من دولة إلى أخرى دون اتباع الإجراءات القانونية والشرعية المعترف بها، وتعتبر هذه العملية غير قانونية في كثير من الحالات وقد تتضمن مخاطر كبيرة على الأفراد، مثل تعرضهم للاستغلال أو التشرد أو الغرق أثناء محاولة عبور الحدود البحرية، أو التعرض للمخاطر الأخرى عند محاولة الدخول من المنافذ  البرية مثل مخاطر العبور من الغابات وما يكتنفها من مخاطر عدة أو من خلال الصحارى وما تتضمنه من مخاطر الضياع أو الموت من شدة العطش، تشمل أسباب الهجرة غير الشرعية عدة عوامل منها الظروف الاقتصادية الصعبة فقد يقوم الأفراد بالهجرة بحثاً عن فرص عمل ظروف اقتصادية أفضل في بلدان أخرى أو نتيجة للاضطرابات السياسية والأمنية التي تعيشها دولة ما وطريقة للهروب من المناطق التي تشهد اضطرابات سياسية أو أمنية، مثل الحروب والصراعات المسلحة، كما أن قلة الفرص والتعليم في البلد الأم يمكن أن يدفع الأفراد إلى البحث عن حياة أفضل في مكان آخر أو أنها مطلب للحصول على حريات شخصية وحقوق إنسانية أفضل في مكان آخر غير المكان الذي يعيش فيه الشخص الطامح للهجرة، أو للبحث عن دول أخرى تقدم خدمات طبية واجتماعية أفضل من بلدانهم الاصلية، ويبقى الهدف الأساس الذي يحلم به كل مهاجر شرعي أو غير شرعي الحصول على جواز سفر دولة أخرى أفضل من دولته لتأمين مستقبله ومستقبل الأجيال القادمة التي يحلم بها بعد ان أيقن تماماً أن جنسية دولته الحالية واحدة من أكبر المعوقات التي يمكن أن تعترض طريقه أو طريق أسرته المستقبلية، والجدير بالذكر أن الدافع والرابط الاجتماعي قد يكون واحداً من مسببات الهجرة ذلك أن بعض المهاجرين يهدفون من هذه الرحلة أو المغامرة الانضمام إلى أسرهم الذين سبقوهم إلى دول أخرى وبالتالي لم شمل الأسر التي تفرقت وتوزعت بسبب الحروب أو الاضطهاد الديني أو السياسي بما يشكل فرصة لإعادة إحياء الأسرة من جديد ۔ هذه قد تكون بعض مسببات الهجرة سواء كانت شرعية أو غير شرعية وقد تكون هناك مسببات أخرى من وجهات نظر مختلفة وإن كانت لا تخرج من هذه الأسباب الأساسية التي قد تكون هي المحور والدافع الأساس التي تدفع بعض الافراد لاتخاذ هذا القرار الصعب،  ولعل من أهم مسببات الهجرة بكافة أشكالها المتعارف عليها ما يعود ويتعلق بالجانب  الاقتصادي، فنجد مثلاً نقص أو عدم توافر  الفرص الوظيفية أو ارتفاع معدلات البطالة أو انخفاض  مستويات الدخل وسوء الأحوال المعيشية وعدم التكافؤ الاقتصادي نتيجة لاختلال التوزيع العادل للثروات والفرص في بلد معين يؤدي إلى شعور الأفراد بالإحباط والتمييز هذا قد يدفعهم إلى الهجرة بحثاً عن بيئة توفر لهم تكافؤاً أكبر، كما أن المحسوبية التي تلعب دوراً هاماً في تقديم الأدنى درجة على شخص له كل المؤهلات على وظيفة معينة قد تكون واحدة من تلك الأسباب والدوافع كذلك عندما يعاني الأفراد من فقر مدقع وعجز عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، قد يقررون الهجرة بحثاً عن فرص لتحسين وضعهم المالي والتطلع إلى تحسين جودة حياتهم من خلال الهجرة إلى بلدان توفر خدمات طبية وتعليمية أفضل، وأنظمة اجتماعية قوية.

إنّ الأسباب الاقتصادية للهجرة غير الشرعية هي مرآة تعكس التحديات الاقتصادية التي يمكن أن يواجهها الأفراد في بلدانهم، وتشمل محاولاتهم لتحسين مستوى حياتهم وتوفير فرص أفضل، ويتساءل البعض هل الصورة بكل ذلك السواد، قبل الإجابة لا بُدَّ من أن نستعرض أهم نتائج الهجرة فإن كان أهم أسبابها هو ضعف الدخل أو العوامل الاقتصادية أو الاجتماعية المختلفة إلا أن واحد من أهم دوافعها هو تحسين الدخل أو التطلع إلى حياة اجتماعية واقتصادية أفضل حالاً ، إذن قبل أن نجيب لا بُدَّ أن نستعرض أهم نتائج الهجرة غير الشرعية من الناحية الاقتصادية التي قد تتراوح من إيجابية إلى سلبية، وتعتمد على العديد من العوامل بما في ذلك البلدان المعنية وظروف الهجرة وتأثيرها على البلدين المصدر والوجهة وهذه النتائج ليست قطعية أو مؤكدة الحدوث وإنما قابلة للتحقق كإرسال الاموال إلى أسرهم في بلادهم الأم، وهذا يساهم في دعم الاقتصاد المحلي وتحسين أوضاع العائلات أو من خلال زيادة الاستثمار ففي بعض الحالات، يمكن للمهاجرين غير الشرعيين أن يعودوا إلى بلادهم بعد تحقيق مستوى من الاستقرار المالي، ويمكنهم المساهمة في تطوير البنية التحتية والاستثمار في مشاريع اقتصادية، كما يؤدي إنفاق المهاجرين غير الشرعيين في البلدان المستقبلة إلى زيادة الإقبال على المنتجات والخدمات المحلية، مما يسهم في تحفيز الاقتصاد بالدولة المستقبلة بالإضافة إلى أن بعض المهاجرين قد يقومون بتأسيس أعمال صغيرة أو يستثمرون أموالهم في البلدان المستقبلة مما يسهم في خلق فرص عمل وتنمية اقتصادية جديدة مما يسهم في زيادة سرعة دوران العجلة الاقتصادية بالدول المستقبلة لهم، إلا أن الصورة ليست إيجابية بالمجمل فهذه الهجرة تتسبب بفقدان الدولة المصدرة للعمالة الماهرة بما يؤدي إلى فقدان الكفاءات والمهارات في بلد المصدر، مما يؤثر على القدرة التنافسية للبلد في السوق الدولي ،قد يتعرض المهاجرون غير الشرعيين للاستغلال وسوء المعاملة من قبل أصحاب الأعمال أو الجهات الغير قانونية، مما يعرضهم لظروف عمل غير إنسانية. قد تؤدي زيادة أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى توترات اجتماعية في البلدان المستقبلة، بما في ذلك منافسة على فرص العمل والموارد، كما أن الزيادة السكانية  الناجمة عن الهجرة غير الشرعية تصنع ضغوطاً على البنية التحتية للبلدان المستقبلة، مثل الإسكان والصحة والتعليم كما أنها تتسبب في زيادة الإنفاق الحكومي مثل تكاليف تنظيم وإدارة الحدود ومعالجة طلبات اللجوء بما يزيد الضغوط على مؤشر التضخم في البلاد والدول التي تستقبل موجات الهجرة، أضف إلى ذلك فإن الموجات المتتالية من النزوح إلى دول الاستقبال قد تؤدي  إلى توترات في سوق العمل وزيادة التنافس على الفرص الوظيفية والموارد، وقد تؤثر على الأجور وظروف العمل للسكان الأصليين، بما يخلق المزيد من التوترات الاجتماعية بما يدفع السكان إلى التعبير عن رفضهم لهذه الهجرات وقد يكون هذا التعبير سلمياً في حالات وعنيفاً وذا طابع عنصري في حالات كثيرة أخرى، إلا أنه إذا قامت الدول المستقبلة بحسن إدارة ملف  الهجرة غير الشرعية بشكل جيد، حينها يمكن أن تتحقق  فوائد اقتصادية متعددة،  إلا أن التحدي يكمن في التعامل مع الجوانب السلبية وضمان حقوق وكرامة المهاجرين، هذا ما يقودنا في البحث عن الدعوات المستمرة لتقنين الهجرة غير الشرعية وهو مصطلح يتم تداوله باستمرار بين المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان وهو يشير إلى العملية التي تُسمح فيها الحكومة بتحويل وضع المهاجرين غير الشرعيين إلى وضع قانوني داخل البلد الذي هاجروا إليه بشكل غير قانوني. يتضمن هذا عادةً منح تصاريح إقامة أو إقامات دائمة للأشخاص الذين دخلوا البلد بشكل غير قانوني وقرروا البقاء هناك، إن تقنين الهجرة غير الشرعية يمكن أن يكون موضوعاً مثيراً للجدل ويعكس سياسات الهجرة واللجوء في البلدان المختلفة، فقد تقوم بعض البلدان بتقنين وضع المهاجرين غير الشرعيين لأسباب إنسانية أو اقتصادية أو اجتماعية، في حين تختار بلدان أخرى عدم تقنين وضع هؤلاء المهاجرين وتتبع سياسات أكثر صرامة تجاههم.

وبذلك فإن تقنين الهجرة غير الشرعية يمكن أن يكون له تأثير اقتصادي متعدد الجوانب على البلدان التي تقرر تنفيذه، فمن خلال هذه العملية القانونية تتمكن الكثير من الدول من تعزيز القوى العاملة وزيادة عرض القوى العاملة المتاحة للدولة المضيفة في أسواق العمل بما يساهم في ملء الفجوات في سوق العمل وتلبية الاحتياجات الاقتصادية المختلفة، ويكون نتيجة ذلك زيادة الإنتاجية من خلال حُسن اختيار القوة العاملة، وبالتالي فان زيادة التوظيف والإنتاج يسهم في زيادة الإيرادات الضريبية وذلك عندما يتحول وضع المهاجرون إلى وضع قانوني يمكِّن الدولة المستضيفة لهم من تحصيل الضرائب منهم، كما أن وجود هذا العدد الكبير منهم يعمل على تحسين القدرة على الاستثمار ويعمل على زيادة التنوع الثقافي وتنوع المهارات وتعزيز الخبرات المحلية باستقطاب خبرات ومعارف تم استقطابها من العمالة المهاجرة مما يسهم في زيادة فرص الابداع والابتكار، إلا أنه على الجانب الآخر من التقنين تقف تحديات جسام أمام الدولة المستضيفة من أهمها التحديات الاجتماعية والعادات والتقاليد المستجلبة ويزيد من تحديات البطالة فقد يزيد تقنين الهجرة من منافسة سوق العمل ويزيد من مخاطر البطالة، خاصةً إذا كان هناك عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين، إلا أننا لا يمكننا الحكم وبشكلٍ واضح ان تقنين الهجرة الشرعية قد ينتج عنه إيجابيات أو سلبيات إنما يتوقَّف الأمر ويعتمد على الظروف والسياق الخاص بكل بلد، فقد تكون نتائجه إيجابية أو سلبية بحسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المحلي.

تأثيرات تقنين الهجرة:

لا شك هنالك تداعيات متعددة للهجرة غير الشرعية على العالم متنوعة وتشمل مجموعة من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فيمكن أن تسفر الهجرة غير الشرعية عن تحديات اقتصادية في البلدان المصدرة للمهاجرين، حيث يمكن فقدانهم للكفاءات البشرية المهمة، بالمقابل تواجه البلدان المستقبلة تحديات اقتصادية تتضمن زيادة الضغط على سوق العمل والبنية التحتية، كما أنها قد تتسبب في التنافس على فرص العمل والموارد بين المهاجرين والسكان الأصليين في البلدان المستقبلة، كما يمكن أن تزيد من قلق الدول المستقبلة بشأن الأمن والأمان، حيث قد يتم استغلال هذا النوع من الهجرات من قبل الجماعات المتطرفة أو المنظمات الإجرامية، كما أنه من المعروف أن موجات اللجوء والهجرة غير الشرعية قد تؤدي إلى توترات سياسية وقانونية بين البلدان المصدرة والبلدان المستقبلة خاصةً إذا لم يتم التعامل مع هذا الأمر بشكلٍ منهجي، إلا أنه من المهم مراعاة أن تأثيرات الهجرة غير الشرعية تختلف حسب السياق والظروف، فقد تكون إيجابية أو سلبية أو متباينة، ويبقى تحقيق فوائد مستدامة من الهجرة يتطلب التعاطي معها بشكلٍ شامل وتنفيذ سياسات تسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية.

وخير مثال على هذه التحديات هي التحديات التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي باعتباره الجهة المستهدفة الأولى من موجات الهجرة والنزوح المتتالية والتي نشهد تفاصيلها وبشكلٍ يومي من خلال شاشات التلفزيون والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، ولعل من أهم تأثيرات الهجرة غير الشرعية على دول الاتحاد الأوروبي بشكلٍ خاص هو زيادة الضغط على حدود الدول الأعضاء، مما يؤثر على السيطرة على الحدود وقدرتها على التعامل مع تدفق المهاجرين، كما أن تسببت في بعض الأحيان في أزمات إنسانية، حيث يواجه المهاجرون ظروفاً صعبة ومحتملة للخطر خلال رحلاتهم، كما أن قضايا الهجرة تثير تحديات سياسية داخلية وخارجية، حيث يختلف توجُّه الدول الأعضاء تجاه الهجرة واللجوء، بالإضافة إلى أن دول  الاتحاد الأوروبي تشهد توترات مستمرة حول توزيع المهاجرين بين الدول الأعضاء، هذه التوترات تأتي من اختلاف الآراء حول المسؤولية المشتركة في استقبال المهاجرين، كما تؤثر الهجرة على الاقتصاد والمجتمعات في الدول الأعضاء، حيث قد تؤدي إلى تحديات في تكامل المهاجرين في سوق العمل والمجتمع، فالهجرة عموماً والهجرة غير الشرعية خاصة قضية شائكة تتطلب تنسيقاً وتعاوناً بين الدول الأعضاء للتعامل مع التحديات المتعلقة بالهجرة واللجوء على الصعيدين الوطني والإقليمي. 

إلا أنه ومن المهم مراعاة أن تأثيرات الهجرة غير الشرعية تختلف حسب الظروف المحلية والاقتصادية للبلدان المصدرة والوجهة وبالتالي فإن تحقيق فوائد مستدامة يتطلب توجيه التحسينات المناسبة للتعامل مع التحديات والفرص المالية المرتبطة بالهجرة.

إن النقاش حول ما إذا كانت الهجرة غير الشرعية تجربة ناجحة للاتحاد الأوروبي يعتمد على وجهات نظر مختلفة وتقييم للنتائج المحققة خلال الفترات الماضية وكذلك دراسة وتقييم العواقب والتأثيرات السلبية المختلفة ومن ثم الحكم على التجربة من خلال منظور حيادي يستحضر ما تحقق من فوائد ويحتسب ما تكبدته الدول المصدرة والمستقبلة من تكاليف إلا أنه يجب التذكير أن هذا التقييم يمكن أن يختلف على حسب الزمان والسياق. 

فقد يرى البعض أن ما تحقق من إيجابيات لدول الاتحاد الأوروبي هو مساهمة الهجرات إليه بكافة أشكالها في تعزيز وزيادة التنوع الثقافي والاقتصادي، وزيادة عرض  القوى العاملة، وتلبية احتياجات السوق، كما أن  المهاجرين ساهموا في تحفيز الابتكار وتطوير الاقتصاد في تلك الدول، إلا أن للبعض حكم وتقييم مختلف، فمنهم القائل إن هذه الدول واجهت العديد من التحديات والتكاليف الاجتماعية والاقتصادية مقابل ما تعهَّدت به هذه الدول من تقديم الخدمات والدعم للمهاجرين، وقضايا تكامل المهاجرين في المجتمع وسوق العمل، وقضايا الأمن والحدود.

وهناك أيضاً تقييم وحكم آخر يدَّعي أنه إذا تم التعامل بشكلٍ فعال مع  تحديات الهجرة وتكاليفها ووضعت سياسات هجرة محكمة البنية وإن تمَّ تنفيذ تلك السياسات بدقة فقد تتحوَّل الهجرة غير الشرعية إلى تجربة ناجحة تساعد في تعزيز الاقتصاد وتحقيق التنمية في الدول المستضيفة، إلا أنه يجب توخي الحذر والعمل على خلق  توازن بين الفوائد المحتملة والتحديات والتكاليف لضمان تحقيق نتائج إيجابية وعادلة للجميع، ويستدلون على ذلك بالعديد من التجارب الناجحة التي حوَّلت مشكلة وقضية الهجرة غير الشرعية إلى فرصة حقيقية ساهمت في تنويع اقتصاداتها وعززت من ثقافاتها وتنوعها المجتمعي، مما وضعها ضمن الدول المتقدمة في العالم كالولايات المتحدة، فقد نجحت وعلى مرِّ العقود في تحويل الهجرة غير الشرعية إلى قوة عمل جبَّارة ساهمت في نجاح في العديد من القطاعات في الولايات المتحدة الأمريكية، كقطاعات الزراعة والبناء، حيث ساهمت هذه القوى العاملة في النمو الاقتصادي وتلبية احتياجات السوق واعتمدت أمريكا بشكلٍ كبير في ذلك على قوة العمل التي عبرت الحدود الأمريكية المكسيكية، ولعلنا نستحضر في هذا الصدد ما واجه الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب من معارضة واضحة عندما حاول الحدّ من موجات اللجوء والهجرة من المكسيك إلى أمريكا، وكان على رأس هده المعارضة العديد من الشركات الأمريكية التي تعمل في قطاع العقار وتشييد والمباني، كما أن الأمر قد يهدد الأمن الغذائي الأمريكي إن حاولت إقامة الجدار العازل بينها وبن المكسيك لارتفاع تكلفة إنشائه وهو كان واحد من أبرز وعود الرئيس ترامب في حملته الانتخابية وذلك للحدِّ من الهجرة غير الشرعية القادمة من المكسيك وبحسب إحصاءات عام 2014، فإنّ عدد المهاجرين غير القانونيين الذين يعيشون في الولايات الأمريكية المختلفة يبلغ 11.1 مليون شخصاً، منهم 52 بالمئة مكسيكيين، و15 من دول أمريكا الوسطى، 12 بالمئة من دول القارة الآسيوية، و6 بالمئة من أمريكا الجنوبية، و5 بالمئة من جزر الكاريبي، و5 بالمئة من دول القارة الأوروبية وكندا، والبقية من دول أخرى وأوضح تقرير لشركة (PEW) الأمريكية للأبحاث أنّ 8 مليون من المهاجرين غير القانونيين المكسيكيين، يعملون حالياً داخل الأسواق الأمريكية، ويشكِّلون 5 بالمئة من إجمالي اليد العاملة الأمريكية، وتعد ولايات كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا ونيويورك ونيوجيرسي وإلينوي من أكثر الولايات الأمريكية التي تحتوي على مهاجرين غير قانونيين، وأكثر من 66 بالمئة من هؤلاء المهاجرين يتواجدون في الولايات المتحدة منذ أكثر من 10 أعوام.، كما تبرز كندا كوجهة لحسن التعامل مع قضايا الهجرة حيث سمحت في بعض الحالات بتقنين وضع المهاجرين غير الشرعيين الذين يستوفون شروط معينة، مما ساهم في تكامل هؤلاء المهاجرين في المجتمع وسوق العمل، كما استخدمت إيطاليا برنامجاً مؤقتاً يُدعى "برنامج العفو" لتقنين وضع المهاجرين غير الشرعيين الذين يعملون في القطاع الزراعي، هذا المبادرة ساعدت في توفير العمالة وتحسين ظروف العمل.

إن النجاح والإخفاق و العائد والتكلفة يختلفان حسب الزمان والمكان والسياق الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي وعلى الرغم من وجود أمثلة على النجاحات المؤقتة، يجب النظر دائماً في التأثيرات على المدى الطويل وتقدير الآثار الكاملة للهجرة غير الشرعية.

يبقى السؤال الأهم هل ترى أن الهجرة غير الشرعية مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء كما ابتدأت مقالي هذا، أم أنها بديل حقق العديد من النجاحات كما اختتمت به المقال وإنها جنة يحلم العديد بالوصول والعبور من خلالها إلى عالمٍ أفضل، فلا حكم مسبق على أمر يرى من قام به أنه ضرورة حياتية حتى لو كان الواقع الذي نراه نحن المراقبين رعباً ولكنه قد يكون أقل رعباً من وجهة نظر من يكتوي بالنار حلماً في الوصول إلى جنة يراها هو وحده.

 

المجلة غير مسؤولة عن الآراء و الاتجاهات الواردة في المقالات المنشورة

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

قد تقرأ أيضا