ثقافة و فن

مواجهة تحديات التقنيات الناشئة في الدول العربية

في التفاعل الديناميكي بين التكنولوجيا والمجتمع، يبرز عام 2024 كـلحظة حاسمة تتقاطع فيها إمكانات الابتكار مع تحديات الحوكمة. وبينما  نمضي قُدماً في هذه الفترة المحورية، من المهم أن ندرك الدور المزدوج للتكنولوجيا – من حيث قدرته على حل القضايا الحرجة، مع زعزعة الاقتصادات القائمة أيضاً.
لطالما كانت التطورات التكنولوجية دليلاً على التقدم المجتمعي ،و إعادة تشكيل عالمنا للأفضل، و تعزيز الكفاءات وإمكانية إنقاذ أرواح لا تعد ولا تحصى، من خلال  التحسينات في جميع الوظائف المجتمعية. وفقاً للبيانات  المقدَّمة من مكتب  التحليل الاقتصادي الأمريكي، ساهم الاقتصاد الرقمي بشكلٍ كبير في الناتج الاقتصادي والقيمة المضافة في عام 2021، حيث يشكِّل ذلك جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. علاوةً على ذلك، لم يولّد هذا  القطاع الاقتصادي الرقمي تعويضات كبيرة فحسب، بل دعم  ملايين الوظائف أيضاً، مما يؤكد أهميته في الإطار الاقتصادي للأمة. ويؤكد هذا النمو كيف حوّلت التجارة الرقمية التقدم الاقتصادي وعززت إمكانية الوصول إلى السلع والخدمات.
ومع ذلك، فإن هذه  التقنيات التي تقدّم حلولاً تشكِّل أيضاً تحديات من خلال تعطيل الممارسات التقليدية. لقد أدّى انتشار الأتمتة والروبوتات إلى زيادة الكفاءة، ولكنه أيضاً أدَّى إلى إزاحة الوظائف بوتيرة مثيرة للقلق. تتصارع الاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على صناعات التصنيع والخدمات مع البطالة التكنولوجية، حيث تتفوَّق الآلات على القدرات البشرية.
إنّ المهمة التي تواجه صناع القرار وقادة الأعمال هي تحقيق التوازن بين فوائد التكنولوجيا وآثارها التخريبية. وإنه من الضروري التركيز على تدريب العمال على مهارات جديدة، وخلق فرص عمل في صناعة التكنولوجيا، وضمان أن يحصل الجميع على حصته العادلة من مزايا التكنولوجيا.
تحتاج الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى لعب دور نشط في توجيه التقدُّم التكنولوجي. يشمل ذلك الاستثمار في البحوث، ورعاية مراكز الابتكار، وسن قوانين تحمي الناس من التأثيرات السلبية للتغيرات التكنولوجية السريعة. من خلال وضع إرشادات تعزز الشفافية والأصالة والتعاون. لذا يمكننا تعزيز مؤسساتنا الديمقراطية بشكلٍ كبير.
وبالنظر إلى المستقبل، فمن الضروري تشكيل سرد للتقدم التكنولوجي يعود بالفائدة على الجميع. وهذا يشمل تبنِّي إمكانات التكنولوجيا مع مراعاة قدرتها على إحداث اضطرابات. ومن خلال القيام بذلك، يمكننا توجيه التقدُّم نحو مستقبل، ليس فقط متقدماً من الناحية التقنية، ولكن أيضاً سليماً اقتصادياً و شاملاً اجتماعياً.
في عالم يتجه بسرعة نحو  الرقمنة، تجد الدول العربية نفسها في مفترق طرق حرج، حيث لا يمكن التقليل من  أهمية قيام هذه الدول  بتطوير قطاع تكنولوجي قوي، وتحسين مستوى الثقافة الرقمية، والانتقال من التركيز على النفط إلى اقتصاد متنوع، قائم على المعرفة.
مع  الأهمية المتزايدة للتكنولوجيا والابتكار في تشكيل اقتصاد المستقبل، تعتمد الاستدامة والقدرة التنافسية للمنطقة بشكلٍ كبير على تبنِّي هذا التحوُّل.
يتجاوز الاستثمار في التكنولوجيا  السياسة الاقتصادية، حيث إنه خطوة استراتيجية حاسمة ستحدد موقع المنطقة في المشهد الاقتصادي العالمي، من خلال تشجيع الابتكار، ورعاية شركات التكنولوجيا الناشئة، وإيلاء الأولوية للتعليم الذي يوفر المهارات الرقمية للشباب. لذا يمكن للدول العربية أن تفتح الباب أمام عصر جديد من الازدهار. هذه التحولات بجملتها ضرورية ليس لتنويع الاقتصاد فحسب، بل أيضاً لتمكين جيل مستعد لمواجهة التحديات المستقبلية بمرونة وإبداع.
من خلال خبرتي كعضو في لجنة منظمة التجارة العالمية لتحديد مستقبل التجارة، وكرئيس لتحالف الأمم المتحدة العالمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية،  شهدتُ كيف يمكن للتكنولوجيا أن تدفع عجلة  التقدم. إنها أداة فعَّالة يمكنها، عند استخدامها بحكمة و مسؤولية، أن تدفع الدول العربية نحو أن تصبح، ليس فقط لاعبين في الاقتصاد الرقمي، ولكن قادة  يشكّلون مساره.

 

المجلة غير مسؤولة عن الآراء و الاتجاهات الواردة في المقالات المنشورة

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

قد تقرأ أيضا