في كلِ مرةٍ يُذكر بها اسم لـبـنـان يحضر إلى ذاكرتنا مباشرةً اسم الفنانة القديرة " صــبــاح "، الأسطورة التي أذهلت الجميع بموهبتها الفنّية الغنية و صوتها الجبلي القوي و العريق كـجبل لـبـنـان.
" صـبـاح " هي صاحبة أطيب و أحن قلب، جمعت كرم الأخلاق و كرم الجيوب معاً، و قد صدق من قال : " إنّ كرم القلوب أطيب من كرم الجيوب ". إنسانة قبل أن تكون فنانة اشتهرت بحبّها للناس و العطاء و التفاؤل، أحبّت الحياة بـحلوها و مُرِّها فـبادلتها الحياة هذا الحب بـقوة حيث ما زالت السيدة " صـبـاح " شامخة كـشموخ شجرة أرز لبنان، قوية و مفعمة بالتفاؤل و الأمل، و ما زالت تملك القلب الحنون الذي يوزّع الحُبّ على الجميع بدون استثناء.
و لقد عشقت الشحرورة " صــبــاح " وطنها لـبنـان، و بادلها الوطن لـبنـان و بقية الدول العربية هذا العشق، حيث أن لها العديد من المحبّين المنتشرين في جميع أرجاء العالم العربي، و خلال مسيرتها الفنية التي امتدت لأكثر من ست و ستون عاماً قدّمت الكثير من الأغاني الخالدة التي ما زالت تُردد حتى الآن.
ولدت " جانيت جرجس فغالي " المعروفة بـ : ( الشحرورة - شمس الشموس - الصبوحة - الأسطورة ) في عام 1927 في بلدة بدادون في قضاء عاليه بـلبنان، و في هذه البلدة نشأت على حب الفن و الغناء منذ نعومة أظافرها، فلقد بدأت بالغناء في عمرٍ مبكّر بعد أن اكتشفها عمها الشاعر " أسعد فغالي " الذي كانت تردد أشعاره و المواويل التي يقوم بتأليفها، و جاء لقب " الشحرورة " تيمّناً بـعمّها الذي اشتُهر باسم " شحرور الوادي ".
برعت الشحرورة بأداء المواويل الجبلية، و قد وصف الناقد الموسيقي القدير " إلياس سحّاب " صوتها بـالجبلي الأصيل لـتمكُّنها و تفرُّدها في تمديد جملتها الموسيقية دون الحاجة إلى التنفُّس لأكثر من دقيقة و نصف.
في العام 1943 كان موعد المطربة " صــبــاح " مع أضواء الشهرة في مصر، حيث بدأت هناك مشوارها السينمائي مع المنتجة اللبنانية " آسيا داغر " التي منحتها فيما بعد اسم " صــبــاح ". في هذه الفترة تمكّنت " صــبــاح " من تحقيق مكانة مرموقة بين نجمات الشاشة الذهبية في مرحلة الأربعينيات، مثل : فاتن حمامة - شادية - هند رستم - هدى سلطان و غيرهم.
و من أهم الأفلام التي قدّمتها " صــبــاح " في مشوارها السينمائي نذكر : القلب له واحد - إزاي أنساك - شارع الحب - الرجل الثاني - الأيدي الناعمة - نار الشوق - ليلة بكى فيها القمر، كما كان لـ " صــبــاح " مشاركات في عدّة أفلام عالمية في الستينيات من القرن الماضي.
غنّت الشحرورة لـكبار الملحنين و الشعراء كـ : زكريا أحمد - محمد القصبجي - رياض السنباطي - محمد عبد الوهاب - محمد الموجي - بليغ حمدي - عبد الوهاب محمد - مأمون الشناوي، كما شاركها أفلامها كبار المطربين العرب : فريد الأطرش - عبد الحليم حافظ - محمد فوزي - وديع الصافي - فهد بلان - طلال المدّاح، و كذلك شاركها البطولة كبار نجوم السينما : أنور وجدي - رشدي أباظة - عماد حمدي - حسين صدقي - كمال الشناوي - فريد شوقي، و القائمة تطول.
في رصيد السيدة " صــبــاح " الغنائي هناك أكثر من خمسة آلاف أغنية تنوّعت ما بين اللون اللبناني و المصري و السعودي و التونسي و الكويتي و السوداني و المغربي، كما غنّت أيضاً باللغات الأجنبية مثل : الفرنسية و الإنكليزية و الإيطالية. و في رصيدها السينمائي خمس و ثمانون فيلماً، أما في رصيدها المسرجي فـهناك سبعة عشر مسرحية لبنانية.
تُـعتبر " صــبــاح " أول فنانة لبنانية تُغنّي على مسرح ( الأوليمبيا ) في العاصمة الفرنسية باريس، و كان ذلك في منتصف السبعينات مع فرقة " روميو لـحّود "، كما وقفت على عدّة مسارح عالمية مشهورة منها : قصر الفنون في بروكسل - الـميوزك هول في ولاية بوسطن الأميركية - قاعة كارنيجي هول في ولاية نيويورك الأميركية - باليه دي سبور في باريس - البورت دو فرساي في فرنسا - ألبرت هول في لندن.
كما شاركت " صــبــاح " في عشرات المهرجانات و الحفلات داخل لبنان و خارجه، و خلال مسيرتها الفنية حازت على العديد من الأوسمة و الجوائز، نذكر منها : ثلاث أوسمة تكريمية من ملك الأردن الراحل " الحسين بن طلال " - كُرّمت من قبل الرئيس الراحل " أنور السادات " و منحها الجنسية المصرية - وسام الأرز برتبة ضابط أكبر من الرئيس اللبناني " ميشال سليمان " في عام 2011.
إنّ هذه المقالة هي جزءٌ يسير من التقدير و الحب الكبير الذي نـكنَّه لـهذه الإنسانة النادرة ذات القلب الصافي الذي لم يُسئ لأحد في يومٍ من الأيام، عربون احترام لـهذه السيدة الجميلة التي تنبض جمالاً من الداخل و الخارج، و التي لم تبخل طوال حياتها على كلٍ من حولها، و أعطت الكثير في سبيل أن يُـرفع اسم وطنها لـبـنـان عالياً، و بذلك باتت رمزاً من رموز لـبـنـان يُـفتخر به دائماً طوال السنين، و نجحت في تمثيل الوطن لـبـنـان بأبهى صورة و أجمل حُلّة.
السيدة " صــبــاح " أنت ملكة قلوبنا .. و ستبقين دائماً متربِّعة على عرش قلوبنا و إمبراطورة الغناء العربي، و سيظل اسمك مصدر فخر و اعتزاز لـبـنان. نشكرك من الصميم على كل ما قدّمته لنا من عطاءات طوال مسيرتك المشرِّفة...