عانقت روح الشحرورة " صباح " السماء و غادرتنا فجأةً فجر اليوم الأربعاء إلى مثواها الأخير، و برحيلها خسر الفن اللبناني أرزةً عريقة من أرزاته الشامخين، كما خسر الوطن العربي بيرقاً من بيارق الزمن الجميل الذي لا يـعوّض.
و لقد نشرت الصفحة الرسمية للفنانة " صباح " على موقع التواصل الاجتماعي خبر وفاتها بلسان " كلودا " و " كارول " بنات شقيقة الراحلة " صباح " و نـعوها بكلمات مؤثّرة جداً :
" يا أحباب الصبوحة،
الصبوحة اليوم راجعة على ضيعتا
صباح الحياة صباح الفرح صباح الابتسامة المشرقة دايماً صباح الضحكة المرسومة بأصعب الأوقات
بتودعكن و بتقلكن ما تبكو و ما تزعلوا... عليي و هيدي وصيتي إلكن
قالتلي قوليلن يحطوا دبكة و يرقصوا بدي ياه يوم فرح مش يوم حزن
بدي ياهن دايماً فرحانين بوجودي و برحيلي متل ما كنت دايماً فرّحن
و قالتلي قلكن إنه بتحبكن كتير و إنه ضلّوا تذكروها و حبّوها دايماً
يا أحباب الصبوحة
الصبوحة ما عادت موجودة معنا بجسدا في هاللحظة
الساعة 3 فجر اليوم طلعت روحها الى الخالق و هي نايمة
حتى في رحيلها كانت هنية و متل النسمة و ما زعجت حدا و لا تعبت حدا
الصبوحة رحلت بالجسد بس رح تضل موجودة بقلوبنا إلى الأبد
رح نشتقلك كتير كتير كتير يا حبيبتنا
يا ريت كان بإيدنا نعطيكي كل لحظة من عمرنا و نخليكي معنا أكتر و أكتر
بس هاي إرادة ربنا ..
منحبك صبوحة منحبك للأبد و ما رح ننساكي أبداً أبداً
الله يرحمك يا صبوحة و يغفرلك و تكون نفسك بالسما "
ولدت " جانيت جرجس فغالي " المعروفة بـ : ( الشحرورة - شمس الشموس - الصبوحة - الأسطورة ) في عام 1927 في بلدة بدادون في قضاء عاليه بـلبنان، و في هذه البلدة نشأت على حب الفن و الغناء منذ نعومة أظافرها، فلقد بدأت بالغناء في عمرٍ مبكّر بعد أن اكتشفها عمها الشاعر " أسعد فغالي " الذي كانت تردد أشعاره و المواويل التي يقوم بتأليفها، و جاء لقب " الشحرورة " تيمّناً بـعمّها الذي اشتُهر باسم " شحرور الوادي ".
برعت الشحرورة بأداء المواويل الجبلية، و قد وصف الناقد الموسيقي القدير " إلياس سحّاب " صوتها بـالجبلي الأصيل لـتمكُّنها و تفرُّدها في تمديد جملتها الموسيقية دون الحاجة إلى التنفُّس لأكثر من دقيقة و نصف.
في العام 1943 كان موعد المطربة " صــبــاح " مع أضواء الشهرة في مصر، حيث بدأت هناك مشوارها السينمائي مع المنتجة اللبنانية " آسيا داغر " التي منحتها فيما بعد اسم " صــبــاح ". في هذه الفترة تمكّنت " صــبــاح " من تحقيق مكانة مرموقة بين نجمات الشاشة الذهبية في مرحلة الأربعينيات، مثل : فاتن حمامة - شادية - هند رستم - هدى سلطان و غيرهم.
و من أهم الأفلام التي قدّمتها " صــبــاح " في مشوارها السينمائي نذكر : القلب له واحد - إزاي أنساك - شارع الحب - الرجل الثاني - الأيدي الناعمة - نار الشوق - ليلة بكى فيها القمر، كما كان لـ " صــبــاح " مشاركات في عدّة أفلام عالمية في الستينيات من القرن الماضي.
غنّت الشحرورة لـكبار الملحنين و الشعراء كـ : زكريا أحمد - محمد القصبجي - رياض السنباطي - محمد عبد الوهاب - محمد الموجي - بليغ حمدي - عبد الوهاب محمد - مأمون الشناوي، كما شاركها أفلامها كبار المطربين العرب : فريد الأطرش - عبد الحليم حافظ - محمد فوزي - وديع الصافي - فهد بلان - طلال المدّاح، و كذلك شاركها البطولة كبار نجوم السينما : أنور وجدي - رشدي أباظة - عماد حمدي - حسين صدقي - كمال الشناوي - فريد شوقي، و القائمة تطول.
في رصيد السيدة " صــبــاح " الغنائي هناك أكثر من خمسة آلاف أغنية تنوّعت ما بين اللون اللبناني و المصري و السعودي و التونسي و الكويتي و السوداني و المغربي، كما غنّت أيضاً باللغات الأجنبية مثل : الفرنسية و الإنكليزية و الإيطالية. و في رصيدها السينمائي خمس و ثمانون فيلماً، أما في رصيدها المسرجي فـهناك سبعة عشر مسرحية لبنانية.
تُـعتبر " صــبــاح " أول فنانة لبنانية تُغنّي على مسرح ( الأوليمبيا ) في العاصمة الفرنسية باريس، و كان ذلك في منتصف السبعينات مع فرقة " روميو لـحّود "، كما وقفت على عدّة مسارح عالمية مشهورة منها : قصر الفنون في بروكسل - الـميوزك هول في ولاية بوسطن الأميركية - قاعة كارنيجي هول في ولاية نيويورك الأميركية - باليه دي سبور في باريس - البورت دو فرساي في فرنسا - ألبرت هول في لندن.
كما شاركت " صــبــاح " في عشرات المهرجانات و الحفلات داخل لبنان و خارجه، و خلال مسيرتها الفنية حازت على العديد من الأوسمة و الجوائز، نذكر منها : ثلاث أوسمة تكريمية من ملك الأردن الراحل " الحسين بن طلال " - كُرّمت من قبل الرئيس الراحل " أنور السادات " و منحها الجنسية المصرية - وسام الأرز برتبة ضابط أكبر من الرئيس اللبناني " ميشال سليمان " في عام 2011.
أحر التعازي القلبية من سرة مجلة نـور الـصـحـافـة و باسم رئيسة تحريرها الإعلامية " نـور الـخـطـيـب " إلى عائلة الشحرورة " صباح "، و ندعو الله لروحها بالراحة و المغفرة، و أن يـصبّركم و يـصبّرنا على فقدانها...