غيّب الموت عصر اليوم السبت الموافق 17 كانون الثاني ( يناير ) الممثلة المصرية القديرة " فاتن حمامة " عن عمرٍ ناهز الأربع و الثمانون عاماً، إثر هبوط في الدورة الدموية، و سارع أطباء من مستشفى دار الفؤاد إلى منزلها من أجل الكشف عليها إلا أنها فارقت الحياة قبل وصولهم إليها.
و كانت الفنانة الراحلة قد سبق أن تعرّضت لأزمة صحية منذ عدّة أسابيع استدعت نقلها إلى مستشفى دار الفؤاد بمدينة السادس من أكتوبر في محافظة الجيزة تحت إشراف زوجها الدكتور " محمد عبد الوهاب "، و خرجت منه بعد أن تماثلت للشفاء، إلى أن تعرّضت إلى وعكة صحية مفاجئة توفّيت على إثرها عصر اليوم.
و تنفيذاً لوصية الراحلة، لن تقيم أسرة الفنانة العزاء لها، و سيشيّع جثمان " فاتن حمامة " يوم غد الأحد الموافق 18 كانون الثاني ( يناير ) بعد صلاة الظهر من مسجد الحصري في مدينة السادس من أكتوبر.
و لقد نعت رئاسة الجمهورية المصرية " فاتن حمامة " في بيان لها، و جاء فيه : " إن مصر و العالم العربي فقدا قامة و قيمة فنية مبدعة، طالما أثرت الفن المصري بأعمالها الفنية الراقية، و ستظل الفقيدة التي أضفت السعادة على قلوب جموع المصريين و المواطنين العرب بإطلالتها الفنية و عطائها الممتد و أعمالها الإبداعية، رمزاً للفن المصري الأصيل و للالتزام بآدابة و أخلاقه، رحم الله الفقيدة و أسكنها فسيح جناته ".
ولدت " فاتن حمامة " في السنبلاوين بـمحافظة الدقهلية في السابع من أيار ( مايو ) عام 1931، و درست في معهد التمثيل و تخرّجت منه عام 1947، عضو في لجنة التحكيم في مهرجانات موسكو و كـــــان و القاهرة و المغرب و البندقية و طهران و الإسكندرية و جاكرتا.
تزوّجت الممثلة الراحلة من المخرج " عز الدين ذو الفقار " في عام 1947 أثناء تصوير فيلم ( أبو زيد الهلالي ) و أنجبت منه ابنتهما " نادية "، ثم أسسا معاً شركة سينمائية قامت بإنتاج فيلم ( موعد مع الحياة ) عام 1954 الذي كان السبب في حصولها على لقب سيدة الشاشة العربية، كما تزوّجت من الممثل العالمي " عمر الشريف " عام 1955 بعد أن شاركها بطولة فيلم ( صراع في الوادي ) و بعد الفيلم أشهر " الشريف " إسلامه، و أنجبت منه ابنهما " طارق "، و استمر زواجهما إلى عام 1974.
و لقد قدّمت سيدة الشاشة العربية حوالي 94 فيلماً، بدأت أولها بفيلم ( يوم سعيد ) عام 1940 إلى جانب الموسيقار " محمد عبد الوهاب " و إخراج " محمد كريم " و كان آخرها ( أرض الأحلام ) عام 1993 إلى جانب الفنان القدير " يحيى الفخراني ". و من مسلسلاتها : ( ضمير أبله حكمت ) الذي أُنتج عام 1991، ( وجه القمر ) الذي لعبت به دور " ابتسام البستاني " و أُنتج عام 2000. و بقيت منذ عام 1954 و حتى عام 2000 صاحبة أعلى أجر على صعيد الفنانات.
في بداية مشوار " حمامة " الفني، كان النمط السائد للشخصية النسائية المصرية في الأفلام إما برجوازية غير واقعية تقضي معظم أوقاتها في نوادي الطبقات الراقية و تطاردها الرجال، أو تمثيل المرأة كـسلعة جسدية لإضافة عنصر الإثارة و الإغراء على الأفلام. و ظهرت " فاتن حمامة " في 30 فيلماً بدور الفتاة المسكينة البرئية، لكنها في بداية الخمسينيات بدأت بتأدية أدوار مختلفة قريبة إلى الواقع، حيث جسّدت في فيلم ( صراع في الوادي ) شخصية ابنة الباشا المتعاطفة و المساندة للفقراء. ثم مثّلت في فيلم ( الأستاذة فاطمة ) دور طالبة كلية الحقوق التي تنحدر من عائلة متوسطة الدخل، و المؤمنة بمساواة النساء للرجال في المجتمع، و مثّلت في فيلم ( إمبراطورية ميم ) دور الأم المعيلة و المسؤولة عن عائلتها في ظل غياب الأب، و أدّت دور الإمرأة المعاصرة التي تسعى إلى أن يعاملها القانون بالمساواة مع الرجل في فيلم ( أريد حلاً )، أما في فيلم ( يوم حلو يوم مر ) فقد مثّلت دور الأرملة التي أثقل كاهلها الأعباء و المسؤوليات الكثيرة لكنها بقيت مؤمنة أنه يوماً ما ستعيش بشكلٍ جيد ينسيها ما مرّت به من آلام و أحزان.
و يرى معظم النقّاد أنها وصلت إلى مرحلة النضح الفني في فيلم ( دعاء الكروان ) الذي اختير كـواحد من أفضل الأفلام المصرية المنتجة، و كان هذا الفيلم مأخوذاً عن رواية عميد الأدب العربي " طه حسين "، و جسّدت به " فاتن " شخصية صعبة و معقّدة نفسياً، و بعد هذا الفيلم بدأت سيدة الشاشة العربية باختيار أدوراها بعناية فائقة، حيث أنها اختارت فيلم ( نهر الحب ) المأخوذ عن رواية ( أنـّا كارنينا ) للكاتب الروسي الشهير " ليو تولستوي "، و فيلم ( لا تطفئ الشمس ) عن رواية الأديب و الكاتب " إحسان عبد القدوس "، و فيلم ( لا وقت للحب ) عن رواية الكاتب " يوسف إدريس ".
مُنحت " فاتن حمامة " العديد من الجوائز و الأوسمة، حيث منحها الرئيس " جمال عبد الناصر " وساماً فخرياً في بداية الستينات، و كذلك حصلت في مهرجان موسكو على جائزة تقديرية من اتحاد النساء السوفيتي عن فيلم ( إمبراطورية ميم )، كما نجحت من خلال فيلم ( أريد حلاً ) أن تؤثّر على الحكومة المصرية الذي ألغى القانون المجحف بحق النساء و الذي يمنعهن من تطليق أزواجهن و سمحت بالخُلع. و حصلت أيضاً على جائزة أحسن ممثلة لسنوات عديدة، شهادة الدكتوراة الفخرية من الجامعة الأميركية في القاهرة عام 1999، جائزة نجمة القرن من قبل منظمة الكُتّاب و النقّاد المصريين عام 2000، وسام الأرز من لبنان عامي 1953 و 2000، وسام الكفاءة الفكرية من المغرب، الجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001، ميدالية الشرف من قبل " محمد أنور السادات "، ميدالية الاستحقاق من ملك المغرب " الحسن الثاني بن محمد "، ميدالية الشرف من قبل الرئيس اللبناني " إميل لحود "، وسام المرأة العربية من قبل رئيس وزراء لبنان " رفيق الحريري "، شهادة الدكتورة الفخرية من الجامعة الأميركية في بيروت عام 2013.
و تعتبر سيدة الشاشة العربية علامة بارزة في تاريخ السينما العربية، حيث عاصرت عقوداً من تطوّر السينما المصرية، كما ساهمت بشكلٍ كبير في صياغة صورة جديرة بالاحترام لدور السيدات بصورة عامة في السينما العربية.
أسرة مجلة نـور الـصـحـافـة و باسم رئيسة تحريرها الإعلامية " نـور الـخـطـيـب " تتقدّم لأسرة الفنانة القديرة الراحلة و لذويها و كل محبّيها في مصر و أرجاء الوطن العربي بأسمى آيات التعازي و المواساة، رحمها الله و أسكنها فسيح جناته، إنا لله و إنا إليه راجعون...