أنت بالتأكيد –عزيزي القاريء– من متصفحي موقع (فيس بوك) على الدوام، أو حتى بين الحين والآخر على الأقل، ودومًا ما كان يستوقفك خلال مطالعتك للموقع تلك "القفشات" المشفوعة بوجه "ياو مينج" ذو الابتسامة ذائعة الصيت، أو حتى النكات المصورة التي تنشرها صفحة Egypt's Sarcasm Society أو صفحة (آساحبي)، وكافة الصفحات التي تنتهج نفس نهجها. الكثير منها مضحك للغاية، ويلتقط تفاصيل بالغة الدقة لتكون محل السخرية، ولكن السؤال: هل تصلح "القفشات" أن تصير عمودًا فقريًا كاملا لعمل فني؟
في اعتقادي، يتوقف اﻷمر على وجود منهج فني لديه القدرة على التطويع الجيد لهذه المادة في إطار متماسك ومتناغم، بحيث لا يشعر المشاهد أن اﻷمر قد تحول فجأة إلى إحدى الفقرات الكوميدية (مثل فقرات الـStand Up Comedy والتي تحمل منطقها الخاص بها)، أو أن يجنح العمل نحو جمع عدد من الاسكتشات في إطار واحد يقال عليه تلفيقًا (فيلم سينمائي)، وهنا يأتي سؤال جديد: أين يقف فيلم (الحرب العالمية الثالثة) من كل هذا؟
يستند (الحرب العالمية الثالثة) إلى فكرة مُجربة في التنفيذ ومضمونة النجاح، تم تقديمها في فيلمين سينمائيين قام ببطولتهما الممثل الأمريكي بين ستيلر، وبما أن التجارب السينمائية –وحتى التليفزيونية– السابقة للثلاثي هشام وشيكو وفهمي كانت تعتمد في أساسها على إعادة تقديم أعمال سابقة على نحو ساخر، أو ما يعرف في أدبيات السينما بأفلام (البارودي- Parody)، فقد كانت هناك حالة من الانتظار المرتقب لما سيفعله الثلاثي في فيلمهم الجديد –خاصة بعد طرح الإعلان-، والذي يستند إلى فيلم كوميدي بالغ الشهرة، ليروا ماهية اللمسات التي سيضعونها على هذه الفكرة، ومن هي الشخصيات التاريخية التي ستتواجد في المتحف، وما الذي سيكون مختلفًا هنا عن Night at The Museum.
"الحرب العالمية الثالثة" مع الأسف عمل سينمائي بالغ الهشاشة على كافة المستويات، ليس على المستوى الفني فقط، ولكن على المستوى الترفيهي كذلك، لا يملك في جعبته سوى "القفشات" فقط، قد يكون بعضها أو الكثير منها مضحكًا بالفعل، لكن أن يكون بناء الفيلم بأكمله قائم عليها، ولا يتحرك دراميًا للأمام إلا بها، فهنا تكمن المشكلة الأولى للفيلم، وهو أن صناع الفيلم يلقون بكل رهانهم عليها، ويتناسون كل شيء أخر في الفيلم، لذا فلا تعجب –على سبيل المثال- إذا وجدت نفسك لا تتذكر شيئًا عن مشكلة والد كاكا مع الدائنين بعد مرور النصف الأول من الفيلم، رغم أن صناع الفيلم قد وضعوها كمرتكز أساسي للأحداث وكمنطلق لها.
المشكلة الثانية أن الفيلم يحتوي على الكثير من الشخصيات، كثيرة لدرجة قد يشعر معها المشاهد أن صناع الفيلم قد نسوا أن يعطوها أدوارًا في الفيلم، أو أن يقتصر دور كل منها على أن تلقي "قفشتها" المكتوبة لها، ثم تعود لمنطقة الظل مجددًا، كما أن هذا المزيج الكبير الذي يقوم به صناع الفيلم بين شخصيات عربية وغربية غير مريح على الإطلاق، ويزيد من إحساس التيه لدى المشاهد أكثر فأكثر، كما أن الشخصيات الغربية هنا لا تقدم حتى "قفشات" متناسبة مع ما هو معروف عنها بالنسبة للمشاهد الذي يعرف هذه الشخصيات جيدًا، بل هي "قفشات" بعيدة كل البعد عما يمكن أن يخرج منها، ولنا في الطريقة التي تم بها تقديم شخصية المطرب الشهير "بوب مارلي" أو الممثلة "مارلين مونرو" أو حتى العالم الألماني "ألبرت أينشتاين" مثالا صارخًا على ذلك.
أضف إلى ذلك أنه لم يكن للفيلم أن يفلت من قبضة "السبكي" دون أن يضع بصمته المميزة عليه، فكيف يمكن تقديم مثلا كل هذا المزيج دون وجود مطرب واحد على الأقل ليقدم فاصل غنائي من الفواصل الغنائية المعتادة في أفلام "السبكي" من أجل ضمان جذب الجمهور على نحو كامل، وكانت المهمة موكلة هذه المرة للمطربة "بوسي" التي تجسد في الأحداث شخصية مارلين مونرو، وتغني "أنا مارلين مونرو..... الإغراء على أبوه"، بالإضافة إلى ما يغنيه يوسف عيد، أو حتى الأغاني التي يقوم أبطال الفيلم بتأديتها رقصًا وغناء على نحو جماعي.
شخصيًا، ليست لدي مشكلة على الإطلاق في مشاهدة فيلم بهدف التسلية والفكاهة فقط، وليس عيبًا بالتاكيد أن يكون ذلك هو المسعى الأساسي لأي فيلم، لكن المطلوب فقط هو وجود قدر ما من التناغم، و"الحرب العالمية الثالثة" بالتأكيد يفتقر لهذا التناغم.