في افتتاح النسخة السادسة من بانوراما الفيلم الأوروبي، عرض أمس الفيلم النرويجي "Kon-Tiki" من تأليف بيتر سكافلان وإخراج الثنائي يواكيم رونينج وإسبن ساندبرج. الفيلم هو العمل الثالث للثنائي الناجح محلياً وعالمياً، واللذان سوف يقومان بإخراج الجزء القادم من سلسلة أفلام Pirates of the Caribbean المقرر عرضه عام 2015. "Kon-Tiki" حصل علي سبع جوائز عالمية وكان مرشح النرويج لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.
Kon-Tiki يؤرخ لأكبر إنجاز حققه العالم والمستكشف النرويجي "ثور هييردال"، وهو قيامه بإثبات أن سكان جزر بولينيزيا التي تقع في المحيط الهادي هم في الأصل من شعوب أمريكا اللاتينية القديمة، وليسوا قادمين من آسيا كما كانت كل النظريات تطرح حتي ذلك الوقت. تواجه هذه النظرية بمقاومة شديدة من العلماء، وذلك لإيقانهم باستحالة عبور المحيط الهادي لمسافة 8000 كم بالأساليب البدائية التي كانت تستخدم منذ 1500 عام. ولإثبات صحة استنتاجه، قرر "ثور" أن يعيد تمثيل الرحلة التي قام بها أبناء قبيلة "هاو إيبي" باستخدام نفس الوسيلة (طفو خشبي وطاقم مكون من خمسة أفراد).
فيلم Kon-Tiki نجح في سرد مغامرة المستكشف النرويجي "ثور هييردال" بدقة تاريخية، بدون إحداث تغييرات كبيرة في تفاصيل الرحلة لخدمة السيناريو درامياً. ويتمثل إنجاز الفيلم الأكبر في احتوائه علي الكثير من الخدع البصرية التي تم تنفيذها بإتقان شديد. الفيلم معظم أحداثه تدور داخل المحيط، بكل مخاطره المحتملة، التي يواجهها ثور وطاقمه مراراً خلال رحلتهم. يداعب حوت كبير الطفو الخشبي الذي يستقله طاقم الاستكشاف، وتهاجمه مجموعة مبالغ في عددها وأحجامها من أسماك القرش، و تطيح به أمواج ضخمة وهو علي مشارف شاطيء جزيرة بولينيزيا. وإن كانت جميع هذه الظواهر مصورة ومنفذة بشكل مقنع تماماً، فاستخدامها في سياق السرد لم يكن إلا وسيلة لمليء الفراغات التي تعانيها معظم الشخصيات باستثناء البطل "ثور".
بعد مجموعة من المشاهد السريعة التي نري فيها ميلاد الفكرة في عقل ثور، يبدأ تتابع من المشاهد بنفس الإيقاع السريع يستعرض بحث ثور عن ممول لمغامرته الطائشة. أثناء محاولاته، يتعرف ثور علي "هيرمان"، مهندس في الثلاثينات يعمل في تجارة الثلاجات، وتستهويه بشكل لحظي قصة ثور ورحلته التي يخطط لها، ويصبح هيرمان أول فرد يعينه ثور في الطاقم المصاحب له. وحين وصوله بيرو حيث نقطة البداية، نتعرف علي بقية أفراد الطاقم، والذين يبدو ظاهرياً أنهم يشاركون ثور حلمه وشغفه بالبحث عن الحقيقة، ولكنهم في أعماقهم هاربين من إحباطات وإخفاقات خيمت علي ماضيهم. وخلال الرحلة، نكتشف خوف هيرمان واندفاعه، الذي يجلب المتاعب أحياناً، ويستفز بقية أفراد الطاقم بسلبيته التي تكاد تكون معدية معظم الأحيان. وبعيداً عن مشاهد منفصلة تشعر وكأنها وجدت فقط لتعرفنا بخلفية بقية الشخصيات، لا نري الكثير من التفاعل الإنساني وتفاصيل الحياة اليومية بين أفراد الطاقم إلا عند مواجهة أي كارثة تخلقها الطبيعة الموحشة المحيطة بهم.
أما "ثور هييردال" بطل القصة، فقد تم استكشافه وتحليل شخصيته بشكل جيد، فدوافعه للقيام بتلك الرحلة واضحة منذ البداية، وشغفه بالبحث والمغامرة ظل ينمو بداخله طيلة عشرة سنوات أقامها في جزيرة بولينيزيا يدرس طبيعة سكانها وحضارتهم. مع ذلك، لم يكن أداء "بول هاجن" مميزاً، وافتقر إلي التنوع خارج اللحظات الدرامية المؤثرة. والفيلم عامةً خلى من التجديد في سرد قصص مغامرات الصراع من أجل البقاء أو إثبات نظرية ما. فالفيلم احتوي علي مواقف تم تكرارها كثيراً في أفلام المغامرات التي يعلق أبطالها وسط المحيط أو في مكان معزول. حتي إذا كانت مغامرة ثور هي الأصل الذي استوحي منه المؤلفين فيما بعد التفاصيل والمواقف التي شكلت قصصهم أو سيناريوهاتهم، فكان علي صناع الفيلم تقديم هذه المواقف و صراعات البطل مع الطبيعة بشكل جديد يليق بإعادة إحياء مغامرة كلاسيكية كتلك.
فيلم Kon-Tiki يملأ مشاهده بالمشاعر الإيجابية ويجعله يتابع المغامرة باستمتاع بسبب إخلاصه في نقل قصة ثور بأهم ما حملته من أحداث وقيم إنسانية، ولكنه يفتقد الكثير من الأصالة وعمق الشخصيات الذي كان من الممكن أن يجعله فيلماً خالداً عن شخصية عظيمة.