كانت ليلة حفل الأوسكار في 2007 ليلة خاصة، كثيرون اعتبروا أن لها رونقاً ذهبياً واستثنائياً، لأنها كانت الليلة التي تم فيها تكريم أسطورة الموسيقى التصويرية إينيو موريكوني بجائزة شرفية، وتوّج فيها مارتن سكورسيزي بجائزة أفضل مخرج للمرة الأولى، هيلين ميرين بدت كالملكة فعلاً وهي تتسلم تمثالها، وكانت المرة الأخيرة التي يتم فيها ترشيح بيتر أوتول للأوسكار، ويحقق رقماً قياسياً: أكثر ممثل رشح لجائزة الأوسكار دون أن يفوز.
مقدمة الحفل "إلين ديجيرنيس" داعبته أكثر من مرة حينها، بلهجة تقترب إلى الاعتذار، الجميع كان يعلم حينها أنه لن يفوز، ولكن الجميع أيضاً كان يكن لها تقديراً من نوع خاص، أحد أهم ممثلي السينما، وواحد من قلة منهم ظل باقياً من الستينات حتى الآن، في الخامسة والسبعين نعم.. ولكنه لازال قادراً على أن يمثل، أن يترشح للأوسكار ويجلس مُنتظراً خسارته.
الفيلم نفسه الذي رشح عنه "أوتول" للأوسكار تلك المرة، والتي صارت المرة الأخيرة، كان شيئاً خاصاً، لأنه بدا وفي الكثير من لحظات فيلم Venus، يجسد شخصيته الحقيقية: ممثل عظيم في السبعين من عمره، لم يعد يعرفه أحد تقريباً، يقوم ببعض الأدوار بين الحين والآخر لأجل المال، يعيش في لندن بإيقاع متكرر، ينتظر النهاية بهدوء، كانت سيرة غير ذاتية لرجل عاش حياته كاملة.. ولا يتأسى الآن لأن موعده قد اقترب.
مسيرة "أوتول" بدأت من نقطة أنه "رحالة"، وظلت كذلك طوال ستون عاماً، من ممثل آيرلندي غير محترف في نهاية الخمسينات، إلى نقلة استثنائية بفضل اختيار أحد أهم مخرجي السينما "ديفيد لين" له كي يقوم ببطولة ملحمته العظيمة "لورانس العرب"، ينتقل به في الصحراء طوال تسعة أشهر، وحين ينتهي ويعرض الفيلم.. يصبح "أوتول" واحداً من أهم المواهب السينمائية في ذلك الحين.
"لين" فسر حينها اختياره لـ"أوتول" رغم وجود آخرين يشبهون شخصية "إدوارد لورانس" الحقيقية بشكل أكبر، بأنه "يُشبه الصحراء"، «جلده الأشقر مع تلك العينين الزرقاويتين كالسماء»، كان ذلك تحديداً ما يريده "لين".
الصدفة القدرية التي جعلته "يشبه الصحراء"، ويقع تحت عيني "لين"، ويقوم ببطولة فيلمه الأهم، دفعت به ليحترف التمثيل لبقية حياته، فرصة مثالية لفتى عشق مسرحيات «وليام شكسبير» منذ الصغر، وتعامل بخفة مع مسيرته، انتقل بين عدد كبير من البلدان، مكوناً صداقات في كل مكان في العالم، لم يمانع في بطولة أفلام أولى لمخرجين غير معروفين، أو الظهور في مشاهد قليلة –وفي ذروة مسيرته- في أفلامٍ بلغات مختلفة فقط لأنه "أحب قصتها"، كان رحالة فعلاً، لا يضع قواعد أو أسس، يفعل فقط ما يريده.
وخلال رحلته الطويلة، وعلى فترات متقطعة منها، هناك ثمانية ترشيحات أوسكار، بدءً من Lawrence of Arabia عام 1962 وحتى Venus عام 2006، دون أن يجد بيتر أوتول غضاضة في أن يجلس على كرسيه كل مرة وهو يعلم أنه لن يفوز، مكتفياً بالتقدير الذي يمنحه له الجميع، من رقمه كأكثر من ترشح للجائزة دون فوز، من وضع مجلة "إمباير" له على رأس قائمتها لـ"أعظم 100 أداء تمثيلي في التاريخ" عن دور "لورانس"، من تمثال الأوسكار الشرفي الذي منح له عام 2002، ومازحه بأنه "دائماً وصيف الشرف، لم يكن أبداً العروس"، قبل أن يعبر لاحقاً أنه "راضياً وسعيداً".
" frameborder="0">
عام 2012 اعتزل "أوتول" التمثيل نهائياً، قال في بيانٍ أنه يعلم "أن قلبه لم يعد يحتمل"، صحيح أن "التمثيل والسفر هما أكثر ما أحببت فعله طوال حياته ولكننا يجب أن نعرف متى نتوقف"، كان "أوتول" ممتناً "وبشكلٍ عميق عن كل سنوات عمري"، ومثل بطل فيلم Venus.. سافر إلى مقاطعة صغيرة بآيرلندا، ليعيش شهوره الأخيرة كما يليق برجلٍ عجوز من عصر ذهبي.. في هدوء، منتظراً موعده.