في إطار برنامج (آفاق السينما العربية) التابع لـمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، عُرض على مدار يومين متتاليين أحدث أفلام المخرج والكاتب إبراهيم البطوط (القط) في المسرح الصغير بدار اﻷوبرا المصرية، والذي شارك منذ أسابيع قليلة في مسابقة اﻷفلام الروائية الطويلة بـمهرجان أبو ظبي السينمائي، والذي حاز كذلك منحة من صندوق سند.
يتركز الفيلم بمجمله حول القط (عمرو واكد)، وهو رجل يعيش في إحدى المناطق العشوائية، ويقسم على الانتقام من إحدى عصابات اﻹتجار في اﻷعضاء البشرية، خاصة بعد اختفاء ابنته في ظروف غامضة، ويقوم بالفعل بقتل أحد أفراد هذه العصابة، لكن الأمر ينقلب تمامًا، ويكتشف القط أن اللعبة أكبر مما كان يتخيل عندما يقابل الرجل الغامض الذي يتخفى خلف اﻷستار (فاروق الفيشاوي).
مع سير الفيلم في أحداثه، تنتاب المشاهد العديد من المشاعر المختلطة نحو ما يراه أمامه على الشاشة، ونحو المزيج الذي يحاول إبراهيم البطوط صياغته لقصته محل التناول، ورويدًا رويدًا تبدأ المشاكل العديدة التي وقع فيها الفيلم في التكشف.
أول هذه المشاكل هى أن الحكاية الرئيسية للفيلم كان من الممكن أن تحكي بشكل أبسط كثيرًا مما ظهرت به على الشاشة، حيث يضيف المخرج طوال الوقت عدد من الخطوط الفرعية التي تزوغ بالفيلم بعيدًا عن الخط الرئيسي، ولا تساهم في أي دفع باﻷحداث إلى اﻹمام، مثل الخط الدرامي الخاص بطليقة القط (سلمي ياقوت) الذي يظهر لمدة 10 دقائق تقريبًا ثم يختفي دون أن تشعر بأي أثر لتركه هذا الخط في دفع الدراما للأمام.
ثاني هذه المشاكل هو ذلك الشعور المسيطر بأن الفيلم قد انتهى وتوقف بالنسبة للمشاهد فعليًا بعد قيام القط بطعن عضو عصابة سرقة اﻷعضاء البشرية في ميدان اﻹسعاف، أي بعد مرور ما يقرب من ربع الساعة أو ثلث الساعة منه، وأن كل ما تلا ذلك كانت مجرد محاولات بائسة لاستكمال سير اﻷحداث، ففي بعض اﻷحيان يدفع بشخصية من هنا، وبحدث من هناك لكي يحاول زيادة إثارة الحبكة، لكن النتيجة أن الفيلم لا يتطور ولا يتحرك قيد أنملة للأمام.
لكن أكبر المشاكل على اﻹطلاق هو محاولة إبراهيم البطوط إضفاء بعد روحاني على أحداث فيلمه، لكن هذا البعد يأتي على نحو ملفق ومدّعي للغاية، ولا تشعر بأي صلة بينه وبين أحداث الفيلم التي تجاهد دون جدوى من أجل التطور دراميًا، فما مدى أهمية التتابع الذي يضعه المخرج والذي يصل فيه الصلوات الدينية للأديان الإبراهيمية ببعضها البعض على نحو متتالي، وما علاقته أصلًا بقصة يفترض أنها تحاول الانتماء لتصنيفي الحركة والتشويق، ولماذا قام أيضًا بوضع لقطة متحركة لمجرة كونية داخل سيارة الرجل الغامض؟ وما وظيفة اﻷغاني الصوفية الموجودة على شريط الصوت؟
إن وجود هذا البعد الروحاني الملفق يعود في أغلب الظن من أجل ضمان نجاح الحصول على تمويل لصنع الفيلم، وذلك بسبب الجاذبية الشديدة التي ينالها لدى إضفاءه على أي فيلم يفترض أنه "فيلم فني"، فمثلما يكون ﻷي فيلم تجاري خلطة مضمونة للنجاح، فكذلك ينسحب الأمر على عدد ليس بالقليل من اﻷفلام الفنية التي تحاول الحصول على منح إنتاجية، وتحاول صنع "خلطة النجاح".
مشكلة أخرى تتمثل في شخصية الرجل الغامض (فاروق الفيشاوي) كما هو مكتوب على تترات الفيلم، والذي يصير غامضًا أكثر من اللازم، ولا يفهم المشاهد ما هو هدفه بالضبط من كل ما يحدث ولا ما يرمي إليه بالضبط، وأظن أن إبراهيم البطوط كان يحاول أن يجعل هذه الشخصية جذابة، ولكن جاءت النتيجة عكسية على كل المناحي، كما أن اختيار فاروق الفيشاوي نفسه ﻷداء شخصية كهذه لا يساعد إطلاقًا في ذلك.