على مدار عامي 2012 و2013، ظل فيلم The Hunt للمخرج توماس فينتربيرج واحدًا من أكثر الأفلام الممدوحة منذ عرضه الأول في مهرجان كان السينمائي 2012 وفوزه المستحق هناك بجائزة أفضل ممثل، وحتى وصوله إلى واحدة من المقاعد الخمسة في الترشيحات النهائية لجائزة الأوسكار في فئة أفضل فيلم أجنبي، لذلك كان أمرًا طيبًا أن يعُاد عرضه مجددًا ضمن قسم الأفلام الأوروبية في بانوراما الفيلم الأوروبي.
يبدأ الفيلم وينتهي عند لوكاس (مادس ميكلسن)، رجل مطلق ولديه ابن واحد فقط، يعمل في حضانة أطفال في إحدى البلدات الصغيرة بالدنمارك، وهو شخص محبوب على نحو كبير من كل أهل البلدة، ولكن تنقلب الآية للنقيض التام حينما تتفوه كلارا، ابنة صديقه المقرب، بكلمات ساذجة تتحول إلى اتهام صريح للوكاس بالتحرش بها جنسيًا في الحضانة.
للوهلة الأولى، قد يبدو الفيلم عبارة عن حكاية اغريقية تقليدية في قالب معاصر عن صراع الانسان مع قدره، لكن الحقيقة أن هذا ليس هو الهدف الرئيسي أو النهائي من الفيلم، بل هو يهدف لما هو أعمق من ذلك، وهو التحري عن الآثار التي تحدثها الأحداث القدرية في حيوات البشر التي تمسهم عن قرب، وعن العوامل المتشابكة - البسيطة ظاهريًا - والتي تؤدي إلى حدوثها أصلًا.
لا يشك المشاهد لحظة أن فينتربيرج يتخذ وجهة نظر لوكاس من البداية للنهاية، ويوقفنا معه في نفس الخندق، ويجعلنا محيطين بما يحدث معه لحظة بلحظة، حتى نصير متورطين كلية معه في المأزق الفارق الذي تعرض له من خلال موقفنا العارف بالحقيقة الكاملة عن الوضع في مقابل موقف أهل البلدة المتحامل على لوكاس، والذين لا يعرفون حقيقة ما حدث بالفعل على غرارنا نحن المشاهدين.
إن الأزمة التي يتعرض لها (لوكاس) لا تأتي على نحو فجائي أو من العدم، بل إنها تتكون على مهل على مدار النصف ساعة الأولى من الفيلم، حتى تتحول إلى كرة ثلج ضخمة بدأت من كلمة بسيطة غير مقصودة تقولها الطفلة (كلارا) بدافع الغضب اللحظي، ودون أي حسبان لعواقب ما فعلته نظرًا لصغر سنها وعدم إدراكها، والذي كان نتيجة لعاطفة حب فطرية كان مركزها في المقام الأول.
إن وضع لوكاس كهدف لعاطفة كلارا الناشئة يأتي بناء على الكثير من المقدمات التي يسوقها لنا فينتربيرج في تأسيسه للقصة، فهو الصديق المقرب لوالدها، وهو الأكثر تداخلًا مع عالمها الصغير نظرًا لطبيعة عمله في حضانة الأطفال، وبسبب منحه إياها ميزة اللهو مع كلبته فاني، وهو ما جعل الأمر ملتبسًا على كلارا، وجعلها تظن أنه يحبها، ولم يجعلها تعي سبب رفضه لهديتها الصغيرة، أو اندهاشه من تقبيلها إياه على فمه والتي جعلته يوقف اللعب فورًا مع الأطفال.
بجانب طريقة فينتربرج في رسم قصته، يكمل مادس ميكلسن كل ما هو غير منطوق من الحكاية بأدائه التمثيلي لشخصية لوكاس، والذي ينجح في توصيل كافة التحولات النفسية المريرة التي يمر بها في علاقته مع أهل البلدة بعد أن صار المنبوذ رقم 1 فيها من الغالبية، وكان المثال الأكبر على تفوقه الأدائي هو مشهد قداس رأس السنة الذي اختاره المخرج ليكون هو عماد ملصق الفيلم بفضل الوصلة الأدائية التي يتدرج فيها بين كافة المشاعر حتى يصل لأوضح تجلياتها في ختام المشهد.