يعتبر المخرج الأمريكي جاس فان سانت من أصحاب المشاوير الفنية المثالية; فنان بصري تجول في جميع أرجاء الوسيط، من سينما مستقلة حصدت جوائز من أعرق المهرجانات وكونت أتباع شغوفين من جميع أنحاء العالم، إلي سينما تجارية ناجحة جدًا، إلي ترشيحين لجوائز الأوسكار، وكتاب يحتوي علي 108 بورتريه فوتوغرافي، إلي بعض الفيديو كليبات المميزة.
ولكن يبدو أن هذا العام سوف يكون الأصعب في مسيرته منذ عام 1998، الذي أعاد فيه بمنتهي الفشل صنع فيلم "Psycho" لألفريد هيتشكوك، لأسباب لم يفصح عنها هو بوضوح أو جدية، وحتي الآن لا يعلمها إلا الله.
ففيلمه الجديد Sea of Trees، الذي يجسد فيه ماثيو ماكوناهي شخصية رجل ينطلق إلي الأدغال بحثًا عن خلاصه الروحاني بعد أن فقد زوجته، التي تجسدها ناعومي واتس، قد قوبل باستهجان شديد علي المستوي النقدي في عرضه الأول للصحفيين في الدورة الثامنة والستين لمهرجان كان، والتي تتواصل فعالياتها إلي الرابع والعشرين من الشهر الحالي، والذي يشارك فيه الفيلم في المسابقة الرسمية.
الفيلم الذي تم تصويره بميزانية قدرها 25 مليون دولار أمريكي في غابات ولاية ماساتشوسيتس الأمريكية في أغسطس الماضي، حصد أسوأ ردود أفعال في المهرجان حتي الآن ليصل الأمر إلي أن يصفه البعض بأنه أسوأ أفلام فان سانت علي الإطلاق، وأن بطولة ماثيو ماكوناهي للعمل لم تنقذه.
والجدير بالذكر ان هذه الحادثة تعتبر الأولي من نوعها في تاريخ جاس فان سانت مع مهرجان كان، الذي بدأ مع عرض فيلمه To Die For هناك خارج المسابقة عام 1995، من بطولة نيكول كيدمان، وقوبل بترحاب من النقاد آنذاك. وحين عاد فان سانت إلي كان عام 2003 بتحفته البديعة Elephant، ثاني أفلام "ثلاثية الموت" (الأول Gerry والأخير Last Days، وهي سلسلة الأفلام التي عاد بها إلي السينما الفنية بعد أن اتجه بمشواره إلي السينما التجارية بفيلمي Good Will Hunting وFinding Forrester)، اكتسح فان سانت فرنسا والعالم، فائزًا بجوائز السعفة الذهبية وأحسن مخرج وجائزة النظام التعليمي الوطني الفرنسي.
وعلي مدار أربع سنوات لاحقة، عاد فان سانت إلي كان بفيلميه Last Days، والذي فاز بالجائزة التقنية الكبري في الدورة الثامنة والخمسين للمهرجان عام 2005، وParanoid Park عام 2007 الذي فاز بالجائزة الشرفية للدورة الستين.
أربع سنوات أخري تمر، يصنع خلالهم فان سانت ثاني أنجح أفلامه علي المستوي التجاري والنقدي في هوليوود بعد Good Will Hunting، وهو Milk، الذي يتبع بشاعرية وإخلاص فني متناهي حياة "هارفي ميلك"، الناشط السياسي في حقوق المثليين، ثم يعود إلي كان عام 2011 بفيلم Restless، الذي تم عرضه في مسابقة "نظرة خاصة"، والذي بدأ معه نجم فان سانت في الأفول في كان، حيث قوبل الفيلم ببرود من النقاد، وعدم اهتمام مؤسف من الجمهور في أوروبا وأمريكا.
ويستكمل بعده فان سانت بعام واحد مسيرته غير المتوقعة علي الإطلاق والمليئة بالتذبذبات، ليعرض فيلمه Promised Land في مهرجان برلين السادس والثلاثين عام 2012، ويتلقي جائزة خاصة من لجنة تحكيم المهرجان، ثم يهدأ ثلاث سنوات ليطلق Sea of Trees.
"أنا شخصيًا أعجبني الفيلم، واستمتعت كثيرًا بالتجربة" قال ماكوناهي اليوم في المؤتمر الصحفي للفيلم. وتابع: "للجميع الحق في كره الفيلم، تمامًا كما للجميع الحق ان يصفقون له بعد انتهائه".
لمهرجان كان تاريخ طويل وشهير مع الأفلام التي يقابلها جمهوره بصيحات الاستهجان القاسية، ولكنها، رغم صداها البالغ التأثير في سمعة الفيلم، لم تكن مؤشرًا صادقًا لما قد تأتي به أظرف الجوائز في حفل الختام. وقد يكون أشهر مثال علي ذلك، تحفة العبقري الإيطالي مايكيلانجيلو انطونيوني "L'Avventura"، والذي كان رد الفعل الأول بعد عرضه في كان عام 1960 كفيلاً بانهمار دموع نجمته مونيكا فيتي، ليحصد بعدها ببضعة أيام جائزة لجنة تحكيم المهرجان.
فهل يفعلها فان سانت وطاقمه هذا العام؟ أم أن الفيلم يستحق كل هذا الامتعاض؟ لننتظر ونتابع بشغف، كعادتنا السنوية ، ونري.