"أفضل مخرجي السينما المصرية الحديثة، اتسمت أفلامه بالتعبير عن الحياة الشعبية والاحساس بحقائق النفس البشرية"
كان هذا هو تعليق المؤرخ والناقد الفرنسي جورج سادول عن فنان الشعب صلاح أبو سيف.
هو أحد رواد المدرسة الواقعية في السينما المصرية، مستكملًا الطريق الذي بدأه المخرج كمال سليم بفيلمه "العزيمة"، أول فيلم واقعي مصري ثم فيلم "السوق السوداء" لمخرجه ومؤلفه كامل التلمساني. لقد كان أبو سيف مُتفردًا في صناعة سينما لا تحاكي الواقع بل تحكيه!!
في فيلمه الأيقوني "بين السما والأرض" عام 1959، تألق أبو سيف في إخراج فيلم سابق لعصره علي مستويات عدة، الحكاية، التصوير، الموسيقى التصويرية، وربما لهذا السبب لم ينجح الفيلم عند عرضه سينمائيــًا ليمر الوقت ويكتشف المشاهدون والنقاد على حدٍ سواء أنهم مخطئون في حق واحد من أعظم الأفلام السينمائية العربية، ولا أبالغ في إطراء الفيلم عندما أقول إنه لا يقل عن أفلام عالمية كبيرة صنعها رواد السينما في العالم. فعندما أشاهد الفيلم أشعر أنني أشاهد فيلمــًا إيطاليــًا خلاقــًا من أفلام المخرج فيدريكو فيليني.
ولعل ما يبرهن رؤيتي لسينما أبو سيف أنه قد عاصر موجة الواقعية الجديدة في إيطاليا في نهاية الأربعينات، عندما سافر لدراسة السينما، وقد كانت السينما الإيطالية قد تبلور فيها تيار الواقعية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، وقادها مخرجون كبار مثل فيتوريو دي سيكا وروبرتو روسيليني وفيليني.
الفيلم مَثـَـلَ تطورًا في السينما العربية في ظني، كما أنه مثل شكلًا جديدًا من الواقعية، فهو ليس مثل واقعية فيلم "شباب امرأة" أو "الفُتُوة"، لكنه واقعية ممزوجة بالسحر، نعم واقعية سحرية بيد مصرية، فالتعاون العبقري بين صلاح أبو سيف ونجيب محفوظ أسفر عن هذا المُنتَج المكتمل. فاسم الفيلم في حد ذاته خلق هذه الواقعية السحرية، وكما يقول منظرو هذا التيار الأدبي إنه يربك الحواس ويجعلك قادرًا من خلال القراءة أن تسافر إلى عوالم أخرى مع الكاتب حتى تفقد هذه القدرة على التمييز بين الواقع والخيال، وهذا ما فعله أبو سيف ومحفوظ، أربكوا حواسنا خير ارتباك خلال قرابة 85 دقيقة، وتجولنا مع شخصيات الفيلم وكأنها من عالم آخر، في حين أنهم تمثيل شديد الصدق لشرائح المجتمع المصري.
موقف تعرض له المخرج، كما يُروي، في مصعد من مصاعد عمارة الإيموبيليا الشهيرة في وسط القاهرة، ألهمه كي يصنع فيلمًا سينمائيًا. تجاربه الشخصية وإغراقه في المحلية جعلت منه ساحرًا سينمائيـــًا بدون فانتازيا!
كان أبو سيف يري أن أفلام مرحلة ما قبل الواقعية عبارة عن أفلام من زمن آخر لا تعبر عن الواقع في مصر، وهذا جعله يرسم صوره السينمائية من خلال تصوير حقيقي للحارة والشارع أو القرية المصرية، وحتى عندما قام بعمل ديكور للمصعد في فيلم "بين السما والأرض"، لم ينتبكَ أي شعور أنه مصطنع أو غير حقيقي.
تتر الفيلم وبداية الموسيقى التصويرية لـ فؤاد الظاهري فيها من العبقرية ما يكفي أن يجعلك تركز سمعك وبصرك مع الأحداث منذ اللحظة الأولى، فهي لا تقل في جمالها ورقيها عن موسيقى نينو روتا في أفلام فيدريكو فيليني.
مشاهد افتتاحية بديعة للشارع المصري في فصل الصيف وقيظ الشمس، تجعل كل من يشاهد يتحول إلي قطعة ثلج حتى يحتمى من الحرارة. صوت الحكاواتي الذي يفتتح معنا الفيلم، ليس صوتــًا معروفـــًا كصوت حسين رياض أو محمد الطوخي الذي صاحب عددًا من الأعمال السينمائية، لكنه كان صوتـًا محببــًا إلى السمع فيه خفة ظل واضحة. فلقطة الرجل الذي يشرب الماء من القُلة، فيعلق عليه الراوي: اشرب اشرب هو في أحسن من الفريجيدير القناوي!
هذه الافتتاحيات الجماعية لمواطنين غاية في المصرية، ليس لهم ملامح أو زي مميز، بل يمثلون السواد الأعظم لوطن يحاول الخروج من فترة احتلال وعدوان ثلاثي كي يبني مجتمعـًا جديدًا. هذه المشاهد مهدت لشكل البطولة الجماعية الذي صنعه أبو سيف ومحفوظ في الفيلم، فلم نجد أي شخص طاغي على شخصٍ آخر، الكل له حكاية يرويها وإن كانت في كلمات قليلة أو لقطات معدودة فمثلاً جمل محمود المليجي لم تتعد الثلاثين جملة حوارية.
في افتتاح الحوار البديع الممتلئ بالكوميديا الذي كتبه العبقري السيد بدير -الذي صنع مع أقرانه عمالقة كتابة الحوار السينمائي بديع خيري وأبو السعود الإبياري وعلي الزرقاني وعبد الحميد جودة السحار حوارات رائعة لتحف سينمائية خالدة حتى اليوم- يتحدث مجموعة من حراس العقار والذين نقرأ من ملابسهم أنهم من النوبة، وقد اشتهرت عمارات الزمالك والأحياء الراقية في القاهرة آنذاك أن حراسها من النوبة يرتدون الجلابيب الناصعة البياض. يتحدث الحراس عن سباق الخيول ويتبارى رجلان منهما في الحديث عن مفاتن كل حِجر (أنثى الحصان)، وكأنه حديث عن زمن ملكي مرت به مصر كان الباشوات والبكوات يتنافسون فيه على رهان الخيول.
أمام أبواب المصعد، يفتتح أبو سيف قصته بمنحنا لمحة سريعة عن أبطال فيلمه، لم يميزهم كثيرًا عن الجمهور الواقف في انتظار المصعد، فمثلاً الممثلة الصاعدة زيزي مصطفى في ذلك الوقت، مرت الكاميرا عليها لكنها لم تتحدث أثناء وقوفها آمام المصعد، لكننا عرفنا مثلًا أن عبد المنعم مدبولي في لقطة واحدة أنه نشال. تكثيف واضح من البداية يود من خلاله المخرج أن يدخلنا في غِمار الأحداث، دون مقدمات كثيرة أو إسهاب.
عبقرية اللقطات قبل دخول المصعد في أنها كانت تهتم بالمجموع وليس بنجم أوحد، فبالرغم من نجومية هند رستم مثلاً، إلا أنها كانت جزءًا من كل، فلقطة الرجل العجوز الذي يريد الزواج من فتاة في عمر ابنته وقد جاءه بائع الورد يعطيه صحبة الزهور ليأخذها معه لعروسه، لم يكن الرجل وحيدًا في اللقطة ولم يكن أيضــًا مركز الكادر، بل كان في جانب الكادر وهند رستم في الجانب الآخر من الكادر في دلالة واضحة أن البطل أيها الجمهور لن يكون كمَنْ تبتغون من نجوم الشباك الأول في ذلك الوقت. ولعل هذا ما تميز به صلاح أبو سيف في هذا العمل، البطولة الجماعية، لم ينتصر البطل الخَيِر مثلا أو يُهزم البطل الشرير ولم يكن هو محور الحدث، الحدث هو المحور الرئيسي، وهذا يمثل إستثناءً بليغــًا في السينما آنذاك، وربما كان هذا أيضــًا سبب آخر في فشل الفيلم حينها!
التدافع من أجل الدخول للمصعد كان حقيقيــًا للغاية شعرتُ معه للحظات أن صلاح أبو سيف يركب معنا مترو الأنفاق في ساعة الذروة من خطي المرج حلوان أو شبرا الجيزة. وصلني شعور التخبط الذي أصاب هند رستم وهي تحاول دخول المصعد وتذكرت معه لحظات دخول المترو.
عبدالغني النجدي، ذلك الكوميديان الصعيدي المميز، أدى دورًا رائعــًا. متمرد منذ اللحظة الأولى، اشتراكي ربما، يؤمن بالمساواة بين كل أطياف البشر، فلم يرتضِ من اللقطة الأولى أن ينصاع لليافطة المكتوبة بعدم أحقية صعود الخدم في الأسانسير، صعد بروح متمردة ضد هذه التقاليد البائدة حاملاً على رأسه ديك رومي يريد توصيله للعائلة اليونانية التي تسكن في العمارة، والتي ترى فيه سفرجيــًا "غلباويــًا" يفهم في القانون ويجادل صاحب المنزل دومًا.
كان عبد السلام النابلسي يمتلك هذه الروح المتمردة أيضــًا لكنها كانت نابعة من بقايا الزمن المنقضي، فقد رفض تسميته بالافندي من قبل عامل الأسانسير، وفرض نفسه على ركاب الأسانسير رغم أن العدد كامل، لم يتوقف عند ذلك بل لطم عامل المصعد على وجهه في لفتة واضحة لعلاقة الطبقة الارستقراطية بالعاملين تحت إمرتهم، ثم رفع سيجاره الفاخر إلى فمه حتى يدخنه!
ينغلق باب المصعد ويبدأ عامله بحساب عدد الركاب ليجدهم 13، وفي قطع مميز علي كلب هند رستم أثناء عد الركاب، وكأن صلاح أبو سيف يود القول إن رُوحــًا أخرى بينكم لكنكم لا تعلمون. وبعد مرور ردح من الوقت ينال الكلب فرصة الخروج أو بمعنى أدق الهروب من هذه المجموعة البشرية! بعد ست عشرة دقيقة من بداية الفيلم تبدأ المغامرة، يتوقف المصعد، ونبدأ في التوغل داخل الشخصيات بشكل مشوق، فلا نحن نعرف الكثير عن أبطال الأسانسير لكننا عرفنا عنهم ما يكفي لنفهم مَنْ هُم؟
فشخصية نجمة السينما المشهورة، هند رستم، التي تلبس قناعــًا على وجهها من خلال الحديث المُصطنع والكلمات الفرنسية المتداخلة بين جمل حديثها. حتى يتجلى لنا بمرور الوقت صورتها الحقيقية، امرأة عادية تتحدث لغة الشارع البسيط وتفهم في دقائق الحياة مثل كيفية مساعدة امرأة حامل في أن تلد طفلاً!
عبد السلام النابلسي وعبدالغني النجدي، ارستقراطي وسفرجي، كل منهما نقيض للآخر، النابلسي لا يعجبه شئ ويسخر من الجميع فهم في نظره أقل مرتبة وقيمة، أما النجدي المواطن الكادح الذي يرى أن المساواة هي أساس كل شئ وأن لا فرق بينه وبين النابلسي في شيء فيقول له متهكمــًا: لك صوتين في الانتخابات ولنا صوت واحد؟!
سعيد أبوبكر، شخصية يمكن أن نطلق عليها لقب المتحرش، ربما في فترة لم يكن فيها التحرش مثل اليوم، وكأن أبو سيف كان يتنبأ بالمستقبل. شخصية تستمتع بمطاردة النساء أينما ذهبوا، ويضيف على هذا متعة قص حكايات تنذر بالشؤم، فلطالما كرر طوال الأحداث حكي أشياءٍ لها علاقة بالموت.
عبد المنعم إبراهيم، مجنون، ربما، بحركاته وأفعاله وآقواله التي قد يتعجب منها الجميع، لكنه ربما، كان سابقــًا لمَنْ حوله في فهم حقيقة الأمور وخلاصتها. يبرع إبراهيم في إحدى جمله الحوارية عندما يطالب ركاب المصعد بعدم الاستسلام وتقسيم أنفسهم فرقًا تحسُبــًا للمستقبل. وكآنه رأي في المصعد دولة يجب أن يُصنع فيها التخصص وتقسيم العمل، لدرجة التخطيط من أجل الحفاظ على الهواء الذي قد ينشأ عليه صراع بين سكان المصعد!
براعة صلاح أبو سيف ظهرت في قدرته على الخروج من داخل المصعد كل فترة إلي العالم الخارجي، لنرى معه ماذا يحدث في الخارج وفي نفس الوقت نستطيع التنفس قليلاً.
لماذا صدَّق مَنْ في المصعد أن النابلسي هو المجنون؟ رغم أن مَنْ أشاع الأمر بينهم هو عبد المنعم إبراهيم المجنون نفسه. ربما أراد أبو سيف أن يقول إن شخصية النابلسي ومَنْ هم مثله مجانين هذا الزمن الجديد الذي نعيشه، فهم يعيشون في مرحلة لم تعد موجودة. ولعل كلمات عبد الغني النجدي قد أكدت هذا المعنى عندما قال: أنا عرفت المجنون يا أسيادنا وأنتوا كمان عرفتوه، في زمن الحرية اللي احنا فيه ده، واللي يعرّف نفسه إنه أحسن من الناس شوية، لازم ينشحن ع السرايا الصفرا.
نعيمة وصفي المرأة الحامل وزوجها الذي يبدو على طريقة ملبسه وطريقة حديثه أنه من فئة الموظفين الحكوميين. المرأة تؤمن بقراءة الفنجان وتخاف من الموت في المصعد قبل أن تصل للطبيب الذي سيساعدها في إخراج وليدها، في حين يرى زوجها أن كل ما تقول تنجيم.
خارج المصعد مرة أخرى، يقطع المصور على مروحة تتحرك يمينًا ويسارًا وصوت وكيل العمارة يتحدث إلى امرأة في الهاتف، في بلاغة سينمائية واضحة أن الرجل لا يعاني من شيء، يلهو، في حين أن الآخرين في المصعد بين السماء والأرض. لكنه يصاب بالذعر بعد إنهائه مكالمة طويلة عندما يقول له حارس العقار إن عددًا من البشر محبوسون في المصعد الذي لا يعمل. فيصب لعناته على حارس العقار، ثم يتحرك للتو مثله مثل العاملين في أي مؤسسة بيروقراطية بعد وقوع الأزمة.
شفيق نور الدين، الشخص المتدين الذي يردد كلمة إن شاء الله بين كلماته، مُمثلاً لقطاع كبير من المصريين المتدينين، مُستدلاً بالآيات القرآنية بين شفتيه كي تكون عظة لمن حوله.
كادرات مدير التصوير وحيد فريد كانت مثل اللوحة المرسومة، تستمع بمشاهدة كل شخص في ظل المجموع، لا يوجد بطل للكادر، لكن لكل منهم شخصيته المستقلة داخل التكوين. اللقطات الـ Top angle تكررت أكثر من مرة من أجل أن تعطى للمشاهد شعورًا بالمكان الضيق وحالة الاختناق التي أصابت مَنْ في المصعد وحركتهم التي تتم بصعوبة بالغة. كذلك اللقطات الــ Low angle تكررت كثيرًا حتي توضح حجم الشخصيات الضخم داخل هذه المساحة الصغيرة فتشعر معها بالضيق كأنك بينهم. لم يتوقف الأمر عند ذلك، فاللقطات الــ Medium والــ close كانت مميزة للغاية فهي لا تركز على شخص بعينه بقدر ما تركز على الحالة وكان انتقال الحوار بسلاسة بين الممثلين في نفس الكادر يشعرك بأنك تشاهد حوارًا علي خشبة المسرح لكن دون أي افتعال أو خطابة.
قدرية قدري، الزوجة التي تخون زوجها مع صديقه محمود عزمي، تشعر بالقلق طوال الوقت لأنها ذهبت إلى عشيقها في هذا اليوم، وربما أولادها يعودون للمدرسة دون أن يجدونها.
محمود المليجي حرامي محترف يستطيع فتح أي خزانة، رجاله ينتظرونه في الشركة التي سيتم سرقتها، لكنه سيء الحظ، سيُـقتَل رجالُه ويُقبَض عليه بمجرد خروجه من المصعد. نجم كبير بقيمة محمود المليجي مع قلة جمله الحوارية، قدم الدور بكل بساطة وبراعة كعادته دومــًا، مع ممثلين معظمهم من الصف الثاني باستثناء هند رستم وعبد السلام النابلسي!
الرجل العجوز الذي يريد استعادة شبابه بزواج من فتاة صغيرة، مُصاب بسعال شديد يلازمه طيلة تواجده في المصعد، وعلى بعد أدوار قليلة أهل العروس ينتظرونه من أجل عقد القِران. يهرع أهل العروس والمعازيم إلى المصعد عندما يعلمون أن العريس هناك بين السماء والأرض.
زيزي مصطفى، الفتاة الصغيرة التي أرادت الانتحار مع حبيبها من على قمة المبنى بسبب رفض والدها زواجهما. إلا أن الأب يوافق في نهاية الأمر، فتحاول الفتاة أن تذهب لحبيبها وتخبره أن والدها قد وافق، لكنها محشورة في المصعد، تأخرت عليه، لابد أنه انتحر!
كُرة القدم هي أفيون الشعب، ربما هذا ما نقلته الكاميرا في مشهد الغلام الذي يعمل في العمارة، وذهب من أجل أن يبحث في نادي الترسانة عن مهندس المصاعد، وبمجرد وصوله بدأ يبحث لدقائق عن المهندس حتى أخذته الساحرة المستديرة إلي عالمها، وجلس مع الجموع الغفيرة يشاهد المباراة. فهنا يُحرز اللاعبون هدفـــًا في الفريق المنافس وهناك فريق مُعلَق في الهواء يحرز هدفين أحدهما بميلاد طفل جديد وآخر مع وفاة رجل كان يرغب في الزواج وبدء حياة أخرى.
لحظات المكاشفة جاءت لبعض أبطال الفيلم، فالرجل المتصابي أصابه الندم عندما أدرك أنه ترك أبناءه من أجل الزواج دون أن يآبه بهم، أما المتحرش فسأل الله أن يسامحه على ما اقترف من ذنب، والارستقراطي المتعجرف الذي طلب السماح من عامل المصعد عندما ضربه على وجهه، والنشال شعر بالخوف الشديد أن الموت ربما قد أحكم قبضته عليه فقرر أن يعيد ما سرق لـمَنْ سرقهم. والزوجة التي كادت تخون زوجها شعرت بالندم وتمنت على الله أن يخرجها سالمة من هناك كرامة لزوجها وأبنائها.
"خلجات نضيفة وقلوب عالم بها ربنا" ربما كانت هذه هي أقوى جمل الحوار التي صنعها السيد بدير في الفيلم عندما قالها السفرجي للزوجة الخائنة تعليقــًا على ما صرحت به عن علاقتها مع صديق زوجها. في الجملة تلخيص لما كان يعاني منه المجتمع من زيف وتصنع في رأي صناع الفيلم.
في لقطات أقرب للتوثيق، يبرع صلاح أبو سيف مع مدير تصويره في تصوير دور رجل المطافئ في محاولة إنقاذ الركاب، تفاصيل دقيقة تفهم منها كيف يعمل رجل المطافئ، وكأنه - أبو سيف - يرغب في إظهار دور هذا الرجل ومشقة العمل الذي يؤديه!
لم أسعى خلال الفيلم لمعرفة أسماء مَنْ في المصعد، ولم أشعر أن لدي مشكلة في ذلك، على عكس الأفلام الأخرى التي نهتم فيها بمعرفة اسم البطل أو البطلة. ربما لأن الممثلون في هذا الفيلم لا يعبرون عن أنفسهم بأسمائهم لكنهم بشكل أبلغ يعبرون عنا جميعــًا!
جاءت النهاية دون أي فلسفة، عاد كُلُ إلى ما كان عليه، فالنشال بمجرد خروجه عاود ممارسته لمهنته، والفنانة المشهورة صار لسانها فرنسيــًا مرة أخرى، والارستقراطي المُتغطرس بات ينادي على من يعطيه بذلة جديدة، والمتحرش عاد لهوايته المفضلة. في حين قُبِض على رئيس العصابة، ورحلت المرأة المتزوجة إلى زوجها بعد أن صفعت عشيقها على وجهه، والشابة الصغيرة التقت حبيبها، والسفرجي التقى صاحب المنزل الذي يعمل فيه وقد التقاه بود وأعرب له عن قلقه عليه، ليكون أخر من يخرج من المصعد المولود الجديد ويبقى الرجل العجوز وحيدًا بعد أن فارق الحياة!
كل تيمات الدراما تقريبــًا من موت وحب وخيانة وصراع ذاتي وتمرد على المجتمع، تواجدت داخل العمل. كذلك بُعد الزمن في الفيلم، شعرت بأنه حقيقي جدًا، فالفيلم مدته قاربت الساعة ونصف وكذلك الصراع داخل الاسانسير تقريبــًا عشناه في نفس المدة، فواقعية الحدث تماشت مع واقعية الإخراج، فلم يجعل المخرج الأحداث تدور في يوم كامل، بل جعلها تدور في فَلَك حقيقي.
فيلم خالد لمخرج أسس لنفسه مدرسة معروفة الملامح، وخرج من تحت يديه جيل جديد من مخرجي الواقعية الجديدة على رأسهم عاطف الطيب ومحمد خان.