جلست لأشاهد لقطات من جنازة المبدع الراحل "رأفت الميهي"، ظهر أمس، فوجدتني أسترجع أول مرة شاهدت فيها فيلم "سمك لبن تمر هندي" وأنا طفلة وبطبيعة الحال لم أفهم مغزى الفيلم فسألت أمي عن الرسالة من وراءه، فردت أمي بتلقائية: هذا هو الحال مع أفلام رأفت الميهي.. فانتازيا غير مفهومة! استفزني ردها لأنني تعودت منها ذلك الرأي فيما يخص أعمال الأستاذ "يوسف شاهين" واصفةً إياها بـ"غير المفهومة" أيضًا!
من هنا بدأت متابعة أعمال الأستاذ "رأفت الميهي"، فكانت من أوائل الأفلام التي شاهدتها وتعلقت بها "السادة الرجال" 1987، و"سيداتي آنساتي" 1990، وكلاهما حقق أعلى إيرادات وقت عرضهما، وحتى الآن إذا ما عُرض أحدهما على الشاشة تجد المكان يضج بالضحك والجميع يشاهدون باهتمام. فرأفت الميهي المخرج أثرى السينما بأهم وأحلى علاماتها فكانت سابقته الأولى في الإخراج فيلم "الأفوكاتو" 1984، من أعظم علامات مشوار "الميهي" ليقف بسببه هو وعادل إمام أمام القضاء بتهمة إهانة النظام والسخرية من القضاء بعد أن أحدث الفيلم ضجة كبيرة وقت عرضه ليس فقط ليصبح أول أفلام "الميهي" ولكن ليكون من أوائل الأفلام الرائدة في سينما الفانتازيا في مصر، وهو الخط السينمائي الذي ارتبط فيما بعد باسم "رأفت الميهي"، ليعرض الفيلم فى العديد من المهرجانات ويحصل على تنويه فى مهرجان VIVE بسويسرا بعد حصوله على جائزة خاصة من لجنة تحكيم المهرجان، ليكون "سبانخ" زعيم الحياة الطبيعية بكل ما تحمله من واقعية وفانتازيا فى آنٍ واحد!
وفي سنة 1996 قدم الميهي للسنيما فيلم "تفاحة" الذي حاز على جائزة الهرم الذهبي من مهرجان القاهرة 96، وهي الجائزة الذهبية الأولى التى تحصل عليها السينما المصرية من مهرجان دولي معترف به من الاتحاد الدولي للمهرجانات.
بدأ الميهي مشواره بعد حصوله على ليسانس الأدب الإنجليزى سنة 1960 بكتابة السيناريو للعديد من أهم علامات السنيما المصرية التى من ضمنها "غروب وشروق" الحائز على الجائزة الثانية للدولة فى السيناريو وجائزة أحسن سيناريو من جمعية الفيلم، كذلك كتب الميهى سيناريو فيلم "أين عقلي" الذى حاز على جائزة الدولة الثانية للدولة فى السيناريو، وحاز فيلم "على من نطلق الرصاص" الذى كتبه الميهي على جائزة أحسن فيلم من جمعية النقاد وجائزة الإخراج من المهرجان القومي للسنيما عام 1975.
كما عمل "الميهي" كمنتج فني فى فيلمي "المتوحشة" و"البداية".
ويحكي أحد تلامذته أن "الميهي" كان كلاسيكيًا، فكان دائم الطلب من تلامذته أن يهتموا بكل ما هو كلاسيكي حتى يؤثر ذلك فى أسلوبهم ويُثريه، وكان الميهي يحب صلاح أبو سيف حتى أنه أطلق اسمه على أحد الاستديوهات، كذلك كان إذا ما أتى ذكر "يوسف شاهين" كان يلقبه بـ"الأستاذ" فكان رحمة الله عليه يتحدث عن جيله "خان وداوود والطيب وخيري" بكل احترام وتقدير.
ويستمر أحد تلاميذ أكاديمية "الميهي" فى سرد أحد المواقف التي سمعها من أستاذه فى إحدى المحاضرات فيقول ميشيل مجدي فوزي: "أتذكر حين قال لنا الأستاذ: فتحوا عينكوا على أبسط اللحظات، فتلك هى الأفلام؛ ففى فيلم السادة الرجال مثلا، وفي المشهد الذى تقوم فيه معالي زايد بتغيير حفاض الطفل ويدور بينها وبين محمود عبد العزيز مونولوج الأخير فيه، يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، مأخوذ بالنص من زوجة الأستاذ وهي تقوم بتغيير حفاض طفلهما تامر"!
وها هو ذا أحد أهم مبدعي السنيما يفارقنا بعد صراع طويل مع المرض لينتهي العطاء عن عمر يناهز 75 عامًا، لُيعلن الجمعة الموافق الرابع والعشرون من شهر يوليو رحيل رائد سينما التجريب والفانتازيا المبدع الكبير "رأفت الميهي"، فوداعًا يا زعيم الحياة الطبيعية.