الارشيف / سينما و تلفزيون / السينما كوم

Three Window and a Hanging.. حكاية مكررة عن قهر المرأة

"أربعُ نساء اُغتُصبن أثناء الحرب بين البوشناق والصرب، إحدى النساء قامت بمقابلة صحافية للحديث عما وقع لها".
…….انتهى الفيلم…….


المرأة والعنف(1)، قضية مُمتدة، ناقشتها السينما على مدار تاريخها. فنظرة المجتمع للمرأة، وهيمنة الثقافة الذكورية التي يتبناها الكثير من الذكور والإناث لقهر بنات جنسهن مازالت موضوعـًا يتناوله صناع السينما.

وعلى الرغم من دوران هذه القضية في أفلاك مُتشابِهة إلا أن معالجة القضية كثيرًا ما تكون مُثيرة للاهتمام. فمدارس السينما المختلفة من الشرق الأسيوي وحتى الغرب اللاتيني عُنيت بقضية المرأة وحاولت الاقتراب منها وسبر أغوارها، والعمل على تفكيكها. فيمكنك ببساطة أن تشاهد قصة عن تعرض إمرأة للاغتصاب في فيلم هندي مثل "Bandit queen" فتشعر مع الفيلم بتعاطف شديد مع المرأة ونقمة شديدة على بني ذكر. أو تشاهد فيلمــًا أمريكيــًا مثل "Sleeping with the enemy" عن إمرأة تحاول الهروب من زوجها الذي يتعامل معها بعنف شديد، فتحاول أثناء مشاهدتك أن تكون داعمـًـا للمرأة في صراعها الوجودي مع زوجها الشرس.

أثناء فترة الحرب في البوسنة والهرسك بين البوشناق المسلمين والصرب المسيحيين، تعرض الآلاف من النساء للاغتصاب. ففي إحدى القرى البوسنية اُغتصب ما يقرب من مئة إمرأة على يد الميليشيات الصربية لمدة شهر داخل أحد الفنادق. (2)

تحول الاغتصاب إلى أسلوب في الحرب بين الصرب والبوسنيين، إذ تم عمل ما يسمى بــ"معسكرات الاغتصاب"، ووصل عدد النساء البوشناق المغتصبات من قبل الصرب إلى ما يقرب من 50 ألف إمرأة. (3)

قصصُ قد يشيبُ لها الوِلدَّان في هذه المنطقة عن النساء المُغتصَبات، ولعل هذا ما يثير اهتمام أي مشاهد عندما يعلم أن قصة الفيلم عن هذه البقعة من العالم. إلا أن Three Window and a Hanging لم ينجح في خلق هذا التعاطف أو الاهتمام مع النساء في الفيلم. فالحكاية بالنسبة لأي مشاهد ليست بجديدة، وهذا ما لم يغيره المخرج، إذ ظل طوال الأحداث يكرر حكاية السيدة التي اغتصبت على ألسنة أهل القرية، ولم نر شيئــًا مختلفــًا في المُعالجة الدرامية.

تعرض الفيلم لشخصية ثلاث نساء مُغتصبات، والشخصية الرابعة كانت ابنة إحداهن. فالمُعلِمة كانت أقوى النساء الثلاث، والدليل أنها تحدثت للصحافة. أما السيدتان الأخريان كانتا ضعيفتان أمام زوجيهما، فأحد الزوجين يعلم أنها اُغتُصبت، ويعيش معها رغمـًا عنه، خوفــًا على سمعتِه أمام أهل القرية. أما المرأة الأخرى فشنقت نفسها خوفــًا من جلب العار لزوجها عندما يعلم أهل القرية أنها اُغتُصبت. أما الابنة فتهرب مع حبيبها في تحدٍ واضح للأب الذي يخاف على سمعته ووضعه الاجتماعي.

رغم وجود هذه الشخصيات الأربع، إلا أن الكاتب لم يغُص في حياتهن، رأيناهن من شبابيك منازلهن الصغيرة عن بُعد. ربما يكون من الجديد أن نرى نفس النظرة للمرأة من قِبل المجتمع في البلقان بعد تعرضها للاغتصاب. وهي تلك النظرة التي لا تختلف إطلاقــًا عن المجتمعات الشرقية والعربية بشكل عام، فالمرأة مُخطئِة، تتحمل الوِزْرَ كاملاً، بل أن الزوج أو الحبيب يرحل عنها، والمجتمع ينبذها.

ما الجديد إذًا بالنسبة للمُشاهِد العربي الذي يعيش هذه القضية من زمان بعيد؟ لا شيء، سوى المقارنة بين وضعين سيئين.

لقد تعرض الفيلم لنظرة المجتمع بشكل تقليدي للغاية، وذلك يظهر في نبذ القرية للمرأة بسبب حديثها في الجريدة، فيرفضون بيع أي سلع لها، ولا يرسلون أبناءهم للمدرسة التي تعمل فيها المرأة مُعلِمة اعتراضــًا على وجودها بينهم.

المُعالجَة مُستهلَكة للغاية، لم تقدم جديدًا. وحتى الحوار كان ضعيفــًا، يدور حول مسألة العار الذي أصاب أهل القرية التي كانت تنعم بالهدوء قبل حديث المُعلِمة.

الفيلم حاول الاقتراب على استحياء من علاقة المجتمع بالمرأة المُغتصبة لكنه في النهاية لم يلمس أي من الجانبين بشكل حقيقي.

وهنا يمكن أن نتحدث عن الفيلم الإيطالي Malèna الذي تعرض لنفس القصة تقريبــًا حول المرأة المقهورة بسبب وجود زوجها في الحرب، ولا يوجد مصدر رزق لها، فيظن المجتمع أنها تعمل في الدعارة، فتنقلب القرية ضدها دون دليل، ويعرضونها للتعذيب مما يحدو بها لممارسة الدعارة علنــًا دون مواربة من أهل القرية.

في هذا الفيلم نجح المخرج أن ينقل المشاعر المتناقضة تجاه المجتمع والمرأة، انتقل بك إلى داخل المجتمع الإيطالي أثناء الحرب العالمية الثانية. أما الفيلم البلقاني فلم ينقل رُوح الحرب الأهلية في بداية التسعينات من القرن الماضي، أو نظرة المجتمع للحرب أو مآسيها وما عانته النساء فيها. أفضل ما قام به المخرج طوال الفيلم هو قدرته على استخدام الإضاءة وتكوين المشاهد على المستوى البصري. كما أن طبيعة البلقان الخلابة جعلت كل مشهد في الفيلم وكأنه لوحة فنية مرسومة، حتى مع مشاهد الظلام.

الفيلم غاية في العادية على المستوى السردي ورسم الشخصيات، ويمكن وصفه بـ"الممل" على مستوى الإيقاع، فطوال ساعة ونصف تشعر أنك تلعب نفس الكرة لنفس اللاعب دون أي مهارة تُذكَر، والجمهور في انتظار إحراز هدف مُباغِت لكن الهدف لا يأتي!

أُنتج الفيلم عام 2014، من إخراج إيسا كوزيا وقصة زايمبر كيلميندي وقد تم تسجيل الفيلم العام الماضي لتمثيل كوسوفا لأول مرة في مسابقة أوسكار للترشح كأفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالإنجليزية، إلا أنه لم يدخل في قائمة الترشيحات.


(1) يعرض هذا الفيلم وأفلام أخرى ضمن فعاليات البانوراما متواكبــًا مع اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الموافق 25 نوفمبر من كل عام، وقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم منذ عام 1981. وقد استُمد ذلك التاريخ من واقعة الاغتيال الوحشي في سنة 1960 للأخوات الثلاثة ميرابال اللواتي كُنّ من السياسيات النشيطات في جمهورية الدومينيكان بأمريكا اللاتينية، في ظل حكم روفاييل تروخيليو (1936-1961).

(2) http://www.independent.co.uk/news/world/europe/bos...

(3) http://www.womenundersiegeproject.org/conflicts/profile/bosnia

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى