فى اليوم الثالث من فعاليات الدورة السادسة لبانوراما الفيلم الأوروبى بالقاهرة, عُرض الفيلم الفلسطينى "غزة 36 مم" إخراج خليل المازيون ليكون الفيلم الفلسطينى الثانى من أصل ثلاثة أفلام تتنوع أماكنهم بين غزة (غزة36مم) و الضفة الغربية (جيرافادا) والمخيمات خارج فلسطين (عالم ليس لنا) بدعم أوروبى (منظمة يورو ميد, الراعية أيضاً للمهرجان) وقطرى (معهد الدوحة للسينما) غزة 36مم يرثى ويستنهض السينما فى القطاع المحاصر.
خليل المازيون هو مخرج فلسطينى مقيم بغزة, درس الفوتوغرافيا فى القدس و سافر إلى موسكو لدراسة السينما هناك، تخرج فى سنة 1997، وعاد إلى فلسطين ليُخرِج العديد من الأفلام مع المؤسسات الغير حكومية, بجانب أفلامه الوثائقية والروائية الخاصة، يُدرِس سينما وتصوير بجامعة بيرزيت بجانب أماكن أخرى, وشارك فيلمه ماشو ماتوك بمهرجان كان السينمائى، خليل المازيون لم يستطع حضور العرض الخاص بفيلمه فى بانوراما السينما الأوروبية بالقاهرة لأنه لم يتمكن من عبور معبر رفح إلى الآن.
يقول خليل فى فيلمه الذي يظهر فيه بجانب الأخوان التؤام طرزان و عرب أن فى البدء كان اهتمامه بالصورة واستطاع أن يصل إلى تصوير مشاهد جميلة، ولكن كمنت الصعوبة الحقيقية فى الظهور أمام الكاميرا لأن "الكاميرا عندما تري وجهك, تعريه” بعد العديد من أعماله عن قطاع غزة, يأتى هذا الفيلم ليحكى خليل عن غضب يحمله تجاه موطنه فيما يخص الفن الذى يحبه, السينما.
كانت الأفلام تأتى من القاهرة لتعرض فى غزة, كانت دور العرض هناك تشبه دور العرض العالمية, يوسف وهبى و فريد الأطرش وأسمهان هم بعض الأسماء التى ذهبت الى غزة كمدينة مهمة على صعيد الفن و لكن الأمور اختلفت. جاءت السبعينات لتعلن عن مقاومة من نوع جديد للفلسطينيين. فيما عُرِف وقتها بالصحوة الإسلامية, تحكمت الميليشيات الإسلامية المتطرفة فى الأمور معلنة الحرب على عدوها الأول, الفن. أُحرقت السينمات على أيدى الإسلاميين تحت غطاء المقاومة, من 6 او 7 دور عرض فى مدينة غزة وحدها, لم يعد هناك دار عرض واحدة فى القطاع المحاصر. فيما عدا بعض الأفلام التى تعرضها وكالة الاغاثة, أهل غزة لا يشاهدون أفلام سينمائية, يراها البعض رفاهية ولكن بالنسبة للبعض( خليل وأصدقائه) فيحنون إليها رغم أن الأخوان مثلا لم يشاهدوا أى فيلم بالسينما فى غزة من الأساس.
بمونتاج عنيف يلقى بالصور إلى عقلك الباطن اكثر مما يتركك تشاهدها, ينقل الفيلم مشاعر مخرجه نحو الموضوع المطروح أكثر مما يناقشها او بالاصح أثناء مناقشتها, وبالمونتاج والاضاءة التى أعطت بعداً عميق لكادرات ضيقة و مركبة ينجح خليل فى جعلك فى غزة فعلاً, محاصر, غاضب و طامح فى كسر هذا الحصار. يصف الإخوان كيف هى الحياة بدون سينما وكيف كان شعورهم عندما شاهدوا فيما بعد الأفلام خارج غزة بينما يحكى روائى فلسطينى عن متى وكيف اختفت السينمات من غزة. يظهر التاريخ المشترك بين القاهرة و غزة واضحاً فى فى سرد الوقائع, فغزة فى السبعينات تشبه القاهرة فى ذلك الوقت كثيراً، و يكاد المرء يشعر أن الفيلم يحكى عن القاهرة بالتوازى.
من الشتاء الساخن الى الرصاص المصبوب و عامود السحاب, كلها أسماء تبدو عبثية بالنسبة لكونها مرتبطة بمجازر ارتكبت فى غزة و لكنها تلهم عرب وطرزان لعمل أفيشات لأفلام تناسب فعلا هذة الأسماء. أفيشات الأخوان هى لسان حالهم فى ظل قهر داخلى و خارجى, الفن هو الحل.