ـ عاوزة إيه يا يسرية؟ انطقي قولي عاوزة إيه؟!
= عاوزة ورد يا إبراهيم
ـ نعم؟!
= عاوزة ورد، إيه، ما سمعتش؟ نفسي في ورد يا إبراهيم، وما تقولش بوكيه الورد بعشرين جنيه، وإن نص كيلو الكباب أحسن منه، وإنك شايف الكباب رومانسي أكتر من الورد!
هذه سطور نقشت لها مكانًا لا يتململ بذاكرتنا، من نص فيلم "أحلى الأوقات" للمخرجة والسيناريست المُبدعة هالة خليل، والتي دومًا تبهرنا ببساطة شخوص حكاياتها وتلقائيتهم التي تجعلنا نشعر بهم جزءًا لا ينفصل عنا، مَن مِنا قد ينسى الصديقات الثلاثة بفيلمها هذا وما جمعهن من مواقف عديدة ارتبطت بِعشرتهن سويًا وأحداث تشاطروها معًا، من لم تلتهم ابتسامته وجهه حين تبادلن المزاح بخصوص كلمات أغنية خايف لـمحمد منير داخل زنزانة ضمت ثلاثتهن بعد شجارهن مع متعقب "سلمى"، ومن لم يرُقه توتر "سلمى" وتمتمتها بالكلام حين باغتها "هشام" بمجيئه لشقته بينما تفتش بحاجياته وتستقصي عن أموره لتكشف ما أحاطه من غموض.
لحظات ومشاهد عديدة علقت بنا ولم تفارقنا، لجودة سطور هالة خليل وبساطة شخوصها، مع ما تصقل به علاقاتهم من إنسانيات فاضت بالشاعرية التي لا تُخطئ وجداننا، كذلك "قص ولصق" -فيلمها الثاني- وإن لم يكن بقدرة الأول على اختراق أعماقنا، لكنه لم يفقد بريق العلاقات أو تميز شخصياته، فلا ننسى "سامي" الذي تأبط أوراقه وملفاته دومًا للبحث الضاري عن وظيفة شاغرة، كما لم يخلُ الفيلم أيضًا من مواقف ترتبط بذاكرتنا ومشاعرنا، حتى أننا شاركناهم اللعبة على قارعة الطريق الخالي تحت عباءة الليل الحالكة، غنينا معهم وتلقفنا منهم خيوط الأغاني، لتصفق أرواحنا متراقصة على نغمات استغراقهم في اللعب وانغماسهم التام، فربما رددنا معهم بصوتٍ مسموع "أنساك؟! ده كلام؟! أنساك، يا سلاااام" أو "سلامتها أم حسن م العين ومن اللي حسد، وسلامتك يا حسن م الرمش اللي حسد".
مساء السبت، عُرض للمبدعة هالة خليل فيلم "نوّارة" ضمن فعاليات مهرجان دبي السينمائي الدولي، في عرضه العالمي اﻷول، وهو فيلم حظى بنصيبه من الانتظار لِما عهدناه من كفاءة كاتبته ومخرجته، مع عناصر أخرى رفعت من أسهم انتظارنا المحموم.
ويُعَد أهم ما كُتب عن الفيلم حتى الآن، أن "هالة خليل" تناولت الثورة وأحداثها من زاوية لم يتطرق إليها غيرها رغم أهميتها، فعرضتها من منظور الشخصيات البسيطة التي داعبتها الآمال المختلفة مع فوران الثورة، نائية بكاميرتها وأدواتها عن الميادين وثورتها وصورتها التي توقف العقل وتؤجج المشاعر والقلوب، بل داعبت في فيلمها هؤلاء البسطاء الذين وُلدت آمالهم مع ما يشهدونه من أحداث غمرت الميادين.
كما أشادت عدد من المقالات النقدية بتناول هالة نصها بطريقة سردية مختلفة عن المُعتاد ربما تروق البعض وتضايق البعض الآخر، لكنها في النهاية طريقة أجادتها المخرجة وكاتبة النص هالة خليل ووائمت بينها وبين قصتها بما حوّته من شخوص وأحداث.
الفيلم تعود به هالة من بعد غياب دام لثمان سنوات منذ فيلم "قص ولصق"، لنجدها صاغت قصة حب على خلفية ثورة يناير وتشعباتها المتعددة، بما تركته -الثورة- من آثار في "نوّارة" بطلة الفيلم وقصة حبها تلك.
هو موضوع مثير يُفرِد مساحات من الممكن أن تعج بصراعات ومنعطفات لا تُحصر، مع كاتبة تتقن سطورها ومخرجة توظف أدواتها ببراعة يبدو الأمر في مجمله واعدًا مستحقًا للترقب.
غير منة شلبي التي عادت لبطولة سينمائية جديدة منذ آخر بطولة لها في فيلم "بعد الموقعة" عام 2012 لـيسري نصر الله، وهي موهبة تمثيلية يقل عليها الاختلاف، يدعمها فريق عمل برّاق بعناصره، سواء محمود حميدة الجميل والذي أحترم أدواره، أو شيرين رضا التي انتعشت لتُنعش الشاشة بأدوارها المتميزة في الفترة الأخيرة، فأثبتت أن بطيّاتها كثير لم يُكتَشف بعد، أو أمير صلاح الذي ألفناه بخفة ظله وطلته الآسرة، أو عباس أبو الحسن صاحب الكاريزما الفريدة، والقديرون أحمد راتب ورجاء حسين.
وقد نالت الأداءات التمثيلية إشادة العديد من النقاد، سواء منة شلبي بطبائع شخصيتها واختلاف ما مر عليها من مراحل، أو أمير صلاح الدين الذي راهنت به هالة - كما راهنت بطريقة السرد - في دور جديد تمامًا عليه، وبعيدًا عما اعتدناه فيه.
بوسترات الفيلم نفسها تتطلب تدبُر، هناك أحدهم تظهر به "نوّارة" وقد استقر بمركز راحتي يديها كتكوت دقيق، بينما اكتست ملامحها ببؤسٍ عاتٍ ثقيل، لتشعر بأن الصورة تحمل العديد من المشاعر المتضاربة والحالات المتباينة التي تجعلك تتساءل عما تحمله من رموز أو ما قد يكون خلفها من قصص، ربما هناك حرية مُقيدة يستعصى عليها التحليق! ربما هي حرية بين يدي البطلة، تنظرها عاجزة لا تقوى أن تنعم بها! ربما وربما وربما. بينما البوستر الآخر أظهرها تحمل "جراكن" المياه بمفردها لتخوض الطريق، وفي الصورتين تُغالبك هالة القتامة التي أحاطت البطلة مثيرة لتساؤلاتك، فتشعر معها بأنه لا نصيب لها من اسمها ولا نور هنالك في نوّارة! لكن ربما قد نهتدي له بقصة الفيلم.