مثلما قد تُصرف بعض إعلانات الأفلام نظرك عن مشاهدة الفيلم تمامًا، هناك إعلانات أخرى قد تدفعك لتحميل الفيلم ومشاهدته، وربما حتى دخوله بدور العرض، لتكتشف في كثير من الآحيان أن إعلان الفيلم بوادٍ والفيلم ذاته بوادٍ آخر، وأن جودة الفيلم لا تمت بصلة لجودة إعلانه الذي شاهدته وأذهلك، فتدخل الفيلم متوقعًا أن يُداعب كل أمنياتك التي راودك بها الإعلان، فيأتي الفيلم كخيبة أمل كاسحة وإحباط لا يرحم، وهي الخُدعة التي طالما انطلت علينا ولا زالت تنطلي.
نشاهد إعلان الفيلم ويسيل له لُعابنا مُقدمين على الفيلم دون تردد، مُحملين بآمال عاتية، فنجد الفيلم في مُجمله خاٍوٍ وضعيف!
ربما جذبنا في إعلانه كوكبة النجوم التي يذخر بها، ربما برقت بعض خيوط القصة التي أثارت فضولنا، ربما بعض اللقطات المرعبة التي تُجمد الدم بعروقنا، أو بعض اللقطات التي لم نعهد رؤيتها من قبل فيتعذر علينا توقع مبرراتها، أو بعض المؤثرات البصرية والصوتية المثيرة للحواس، أو أن إيقاع إعلان الفيلم نفسه راكض لاهث فلا نلتقط معه أنفاسنا وقد استمالتنا إثارته.. لكن في كل الأحوال السابقة يظل الفيلم بعيدًا تمامًا عن جودة ما أوهمنا به إعلانه، وحُبِكًت علينا خدعته كما ينبغي. إليكم في السطور القادمة أكثر إعلانات الأفلام التي احترفت خداعنا في 2015..
Aloha
الإعلان كان واعدًا، ويُلقي وعودًا جمة بأننا على موعد مع واحد من أفلام الرومانتيك كوميدي البارعة، بدءًا من اسم كاميرون كرو مخرج ومؤلف فيلم Jerry Maguire الذي توسط الشاشة راسمًا فينا طموحات بفيلم لا يقل جودة، ثم كوكبة النجوم التي ذخرت بها الشاشة، سواء برادلي كوبر المتألق أخيرًا، إيما ستون التي ظهرت بكاريزما فريدة وآسرة بالإعلان، الجميلة ريتشيل ماك-آدامس، الطريف بيل موراي، وآليك بالداوين، بجانب لحظات الإعلان التي لم تهدأ عن نثر المرح والحيوية طيلة مدة عرضه.. فيأتي الفيلم مثيرًا لعاصفة من السخط على المستويين النقدي والجماهيري، ظافرًا بتقييمات لا تدنو حتى من المتوسط!
Mortdecai
جوني ديب الذي أرهق عُشاقه انتظارًا، مؤرقهم بتساؤلهم عن فيلم جيد يعود به لمستواه، يطل علينا من خلال إعلان يأسرك منذ أولى لحظاته، فلا تُخطئ معه حس الجريمة بمزيج الغموض والفكاهة الذي لا يُقاوم، غير جوينيث بالترو التي أفعمت الإعلان بخفة روحها ومشاطرتها العديد من اللقطات والمشاهد مع جوني، إضافًة إلى إيوان ماكجريجور. فأتى الفيلم ضائع الحبكة ثقيل الظل، ليعتبره المشاهدون مضيعة تامة للوقت، ويرجمه النقاد بتقييمات تليق بأجدر الأفلام سوءًا! وينضم الفيلم لقائمة إحباطات جوني ديب التي تعددت بالسنوات الأخيرة.
Jupiter Ascending
الإعلان كان خاطفًا للأنفاس باقتدار، يعج بلقطات تفعم عروقك بالأدرينالين، غير تزيين اسم الإخوة واتشوسكي - صُناع ثلاثية Matrix وفيلم Cloud Atlas - للإعلان، فتذهب بك الآمال بعيدًا، ربما أبعد من المجرة، مُدعمًا إياك على رفع سقف توقعاتك للفيلم أسماء أبطاله، الجميلة ميلا كونيس، إيدي ريدماين، الفائز بأوسكار أفضل ممثل للعام المنصرم، وشين بين. لكن الفيلم يأتي مًحطمًا لكل الآمال، مثيرًا لحنق المشاهدين حد الجنون، لا مؤثرات تشفع ولا أداء تمثيلي يُقنع، منظومة هاوية بكل عناصرها! أما النُقاد فأبرحوه ضربًا إذا جاز التعبير.
Pan
الإعلان كان يؤكد بأن الفيلم سيكون بذرة الاختلاف في كل شيء، أداء أبطاله وأسلوبهم، سواء هيو جاكمان أو الرائعة روني مارا، أو في تناول المخرج جو رايت الذي أمتعنا من قبل بروائع مثل Atonement وBride & Prejudice، أو في القصة وما طلاها من جنون وطفولية نعشقها جميعًا، في كل عنصر من العناصر عانقنا الأمل بمستوى جديد من الاختلاف لا يتنازل عن جودته الفائقة.. فجاء الفيلم خيبة أمل عاتية تتبختر على الشاشة، وشعر البعض بأن طفوليته زائدة فأفسدت عناصره، أما البعض الأخر رأى فانتازيته فائضة عن الحد ولا تُدعِّمها حبكة مقبولة، كما أن أداء هيو جاكمان لم يرق للعديدين، فلم يغتنم الفيلم من مشاهدينه سوى ضيقهم البالغ، بينما النقاد لم يدخروا جهدًا ليُوبلوه بتعليقاتهم السلبية وتقييماتهم القاسية!
Pixels
هذا الإعلان له وضعه الخاص، حيث اخترق ذكرياتنا السحيقة مُداعبًا نوستالجيا كامنة بنا ترتعد لها أطرافنا، ألعاب الفيديو الجيم التي استغرقنا فيها مراحل طفولتنا وأحببناها جميعًا، إذًا بنا نشهدها على الشاشة تثير الفوضى في أركان الكوكب، دون رادع يصمد أمامها، إعلان الفيلم كان جاذبًا ومثيرًا للنوستالجيا بدرجة أخاذة فعلًا، وحتى لو غضضنا الطرف عن النجوم الذين اكتظ بهم، يظل فضولنا لمشاهدته أمر محتوم.. ولكن الفيلم يأتي هزيلًا لا يُحتمَل، ليثير عظيم الندم في مشاهديه نحو انتظارهم له، فيلعنون النوستالجيا التي أثيرت بفعل الإعلان، ويلعنون الفيلم الذي فاض بسخافته، أما النقاد بتباينهم وصفوه بأنه فيلم لا يجلب سوى الندم بعد مشاهدته، وقد يثير بُغضنا لألعابنا القديمة!
Insidious 3
وكم كان هذا قاسيًا، الجزء الثالث من سلسلة Insidious التي أبهرنا جزئها الأول، وضايقنا جزئها الثاني لدنو مستواه عن الأول كثيرًا، فجاء الثالث لندرك معه كم كان الثاني رحيمًا! إعلان الفيلم كان ممتازًا، شعرنا خلاله أن مقدار الرعب تفاقم، وأن الأمور ستحتدم كثيرًا قابضة قلوبنا وغامرة إيانا بالتوتر مثلما فعل الجزء الأول، شعرنا أنهم سيخوضوا أكثر بعالم الأرواح المخيف متوغلين بتفاصيله الكابوسية، تمكن منا تمامًا إعلان الفيلم وجعلنا نغُض الطرف عن أن جيمس وان غائبًا عن الإخراج، وارتكنا لخاطر أن لاي وانيل - مؤلف أجزاء الفيلم ومخرج الجزء الثالث في أول تجاربه الإخراجية - لن يُخل بقصته التي لاقت كل هذا النجاح.. فجاء الفيلم كارثي بشكل لا يُصدَق، سيء إلى ما هو أبعد من السوء ذاته! لا حبكة تُحترَم ولا مشاهد تثير التوجس والهلع، أو لحظات حارقة لأعصابنا مثلما عهدنا بالجزء الأول، بل هي مشاهد سخيفة تتوالى دون أي غاية منها، ولقطات باعثة على السخرية بعيدة كل البعد عما قصدوه من إثارة للرعب، وخاتمة ساذجة من أسوأ ما يكون.
Chappie
ستعشق Chappie من خلال الإعلان وستقع بغرام عوالم الفيلم، هذه الروبوتات التي ضجت بالحياة وتغلفت تصرفاتهم بلطافة تصعب مقاومتها، هذه المعارك التي تهروّل بين اللقطات فيتعالى لها فضولك وإعجابك، إضافٍة إلى نجوم الفيلم، واسم نيل بلومكامب - مؤلف ومخرج District 9 – الذي يوحي بأننا قد نشهد أيقونة جديدة بأفلام الخيال العلمي.. لا شك أننا أحببنا تشابي وغُرِمنا بتصرفاته، والمعركة الأخيرة كان بها بعض اللحظات جيدة الصُنع فعلًا، لكن حبكة الفيلم ضعيفة وشرع المنطق يهرب منها رويدًا رويدًا كلما خاضت في تطوراتها، ليَفِر المنطق تمامًا بخاتمة الفيلم، فتشعر بالسخافة قد غمرت كل شيء، لا ما حدث يصعب الاقتناع به حتى تحت مُسمى الخيال العلمي، فيتركك الفيلم حانقًا عليه، وبعقد مقارنة بسيطة بإعلانه وما بثه فينا من توقعات، سيصيبك الإحباط دون شك، والنقاد أيضًا لم يرقهم الفيلم بالمرة.
Tale of Tales
إعلان هذا الفيلم لا يُضاهيه آخر في فن الخداع، ستشعر معه بأنك على أعتاب مشاهدة ملحمة فانتازية تلف الروؤس، ستجد الرعب والخيال، ستجد وحوش لا تمت لعالمنا أو مخيلتنا بصلة، ستجد لحظات عديدة تتوالى لتثير إعجابك، فتتوق لمشاهدة الفيلم وقد أفعمتك إيجابية إعلانه.. لتكتشف بأن إعلان الفيلم هو سيد الخداع الأكبر، وأن الفيلم كارثة سينمائية قُذفَت علينا من عالم عذابات الفن السابع، جحيم مُقيم يجثم على الشاشة دون أدنى مبالغة، قصص عديدة لا ترتبط بواحدة منهم، حبكاتها وتفاصيلها غاية في السذاجة والسخافة، الأداء التمثيلي مُبتذل لدرجة لا تُحتمل، الفيلم كل عنصر به يُنافس الآخر على إصابتك بالإحباط، فتُجاهد وتُقاوم لبلوغ نهاية هذا البؤس الذي يُعرض عليك؛ هو واحد من الأفلام النادرة التي لو ذُكر اسمها أمامي، أصرخ بالحاضرين أن يفروا بعيدًا عنه دون ذرة تفكير بعقد أي نية لمشاهدته.
"امتنعنا عن رفع إعلان الفيلم، لوجود بعض اللقطات الخارجة به"
Crimson Peak
جاءنا إعلانه بأجواء رعب قوطية افتقدناها بتلك الصورة لسنوات، ديكورات قوطية بديعة، أجواء كابوسية مُصاغة بعناية، موسيقى تبث التوجس بالعروق، لقطات عدة تُنبئ بما لم يقابلنا من قبل، إعلان الفيلم كان مُذهل فعلًا، ونجومه يحظوا بقدر كبير من عشق الجماهير، سواء الرائعة جيسيكا شاستين، أو توم هيديلستون، غير جيليرمو ديل تورو – مخرج الفيلم – الذي عودنا منه إتقان مثل هذه الأجواء وحُسن صياغتها.. فجاء الفيلم ليس بسيء طبعًا، ولكن أدنى من سقف توقعاتنا المرتفع بدرجات، والذي شيّدناه بناءًا على ما شاهدناه بإعلانه؛ فقد توقعنا أيقونة رعب قوطي جديدة، وفيلمًا سيغمره إعجابنا، وهذا ما لم يحدث، فرآه بعض الجماهير ليس من الرعب بمكان، وآخرون رأوا أن لقطاته المُرعبة كوميدية! بينما البعض رأى أنه لا بأس به، وتباينت الآراء، لكنها توحدت واتفقت على أن الفيلم أقل بكثير مما توقعناه وأنه خالف جودة إعلانه تمامًا، حتى أن من حضروه بدور العرض نصحوا الآخرين بأن ينتظروا صدوره على النت، لأنه – على حد قولهم - مُحبط للتوقعات ولا يستحق مشاهدته بدور العرض.
Spectre
هذا هو الأقسى خداعًا لهذا العام، كان الإعلان وهاجًا يُنبئ بمتتابعة رائعة لـ Skyfall، على نفس درجة الجودة أو ربما تفوقها، وحُمِل الجمهور بآمال عظيمة أن تواصل سلسلة بوند الشهيرة نجاحاتها وإصابتها درجة جديدة من الإعجاب، كيف لا وهناك فارس الأفلام الأخيرة دانيال كريج، معه حاصد الأوسكارين كريستوف فالتز، والبديع رالف فينيس، تحت إدارة الكبير سام منديز.. لكن مع كل هذه العناصر ومع الإعلان الخلاب، كان الفيلم خيبة أمل كبيرة أطاحت بعقول المُشاهدين، فكان الوصف الشائع أنه فيلم سخيف ولا يرقى بأي حال من الأحوال لفيلم Skyfall، بل أنه عارُ آثم على السلسلة، وحتى قطعة الحلوى – مونيكا بيلوتشي – التي ربما انتظرها الجميع مترقبين دورها بالفيلم، لم يتجاوز ظهورها أربعة مشاهد اصطبغوا باللامنطقية التامة، مع ابتذال أداء كريستوف فالتز البالغ، إضافة لحماقة حبكة القصة وانفلات خيوطها، كان الفيلم بمجمله كارثة لمُحبي السلسلة والمشاهدين بأسرهم، فأجمعوا على أن الفيلم كارثي لا يحمل حسنة تُذكَر!
عام 2015 وحتى لحظتنا تلك، هزيلًا لا يحمل في إنتاجاته ما يمكن وصفه بالجيد حتى (اللهم إلا فيلم أو اثنين)، فقط أفلام تنافست على خيبة أمل مُشاهديها وإحباطهم حد الثمالة، لدرجة أفقدتهم كل ثقة بإنتاجات العام، ولم يكتفِ بهذا، بل فاض علينا بإعلانات خادعة تبني توقعاتنا الباسمة من جديد، ويراودنا إثرها هذا الأمل الراجي "ربما هذه المرة الفيلم جيد فعلًا"، لينكشف لنا إحباط جديد، يأخذ مكانته بقائمة الإحباطات التي طالت.. ففي ظل فداحة سوء إنتاجات العام، لا زالت تُحبك علينا خُدعة وراء أخرى وكأن الأمر ينقصنا.