انتهى أوان الانتظار! فبعد سنوات من الانتظار والترقب المليئان بالقلق، صدر أخيرًا الفيلم الأول من الثلاثية الثالثة لسلسلة أفلام Star Wars الذي حمل عنوان The Force Awakens، وللحق فإن كل هذا الترقب الذي أحاط بهذا الجزء الجديد بالذات له ما يبرره، فسلسلة أفلام الخيال العلمي الأكثر جماهيرية في العالم قد باتت الآن بين أيدي جديدة وجيل جديد من السينمائيين خاصة بعد أن بيعت شركة Lucasfilm في عام 2012 لشركة Disney، واكتفاء جورج لوكاس هذه المرة بتقديم الاستشارة الفنية فقط، وتولي المخرج والمنتج والكاتب جي جي أبرامز مهمة العمل على السلسلة، بعد أن عمل من قبل على سلسلة أفلام الجاسوسية Mission: Impossible، وسلسلة الخيال العلمي Star Trek.
سبب آخر يزيد من حجم الترقب حول The Force Awakens، وهو قيامه بوصل ما انقطع من أحداث بعد 32 عامًا منذ نهاية الثلاثية الأولى مع فيلم Return Of The Jedi في عام 1983، خاصة مع تفرغ الثلاثية الثانية التي بدأت في عام 1999 لسرد الأحداث السابقة على أحداث الثلاثية الأولى، بالإضافة إلى عودة الثلاثي هان سولو وليا ولوك سكايواكر مع نفس الممثلين (هاريسون فورد، كاري فيشر، مارك هاميل) من جديد إلى السلسلة بعد كل تلك السنوات من الغياب، وكل ذلك يضاعف من مقدار المسئولية الملقاة على عاتق أبرامز من أجل إنجاح الفيلم الذي يتولى إخراجه بنفسه.
من الواضح أن أبرامز لم يضع في حسبانه فقط الميراث الهائل الذي يحمله بين يديه هذه المرة، وإنما أضاف كذلك اهتمامه الشديد بإرضاء محبي و"مهاويس" السلسلة، سواء من الأجيال التي عاصرت الثلاثية الأولى في السبعينات والثمانينات، أو الأجيال اللاحقة التي جاءت بعدهم، خاصة لأنها شريحة صعبة الإرضاء جدًا، يكفي أن تعلم بهجوم الكثير منهم على مبتكر السلسلة جورج لوكاس نفسه بسبب التغييرات الكبيرة التي أحدثها في نسخ الثلاثية الأولى لاحقًا بعد عرضها السينمائي، أو استخدامه الطفولي والمفرط للمؤثرات البصرية في الثلاثية الثانية.
خلال مشاهدتي للفيلم، لم يكن يخفى عليّ أبدًا مدى تقدير أبرامز الشديد للسلسلة ولصانعها جورج لوكاس، لم يكن الفيلم الجديد مجرد استكمال للسلسلة، بل تعدى ذلك ليتحول الفيلم بأكمله ربما إلى تحية سينمائية بالغة الخصوصية وموجهة بالأخص إلى الجزء الأول A New Hope. أبرامز يحيي من جديد الروح الأصيلة للسلسلة من بداياتها البكر حيث يلجأ لاستخدام الأماكن المفتوحة مثلما فعل لوكاس من قبله لتكون مسرحًا جذابًا لأحداث العمل، كما كان موفقًا في عدم الركون المستسهل في كل صغيرة وكبيرة لاستخدام المؤثرات البصرية. الفيلم لم يعدمها تمامًا بالطبع، لكنه استخدمها في أغلب الوقت بشكل متزن جدًا لا يجنح نحو الاستعراض الأجوف.
لا تتوقف تحية أبرامز السينمائية فقط عند الجانب البصري، بل تمتد أيضًا للجانب القصصي، حيث يستعير أبرامز ومعه كاتبي السيناريو لورانس كاسدان ومايكل أرندت عشرات التيمات والتفاصيل الدرامية التي شكلت النسيج الأصلي للفيلم الأول: طريقة تهريب الرسالة السرية خفية عن أعين العدو، الانطلاقة من مكان صحراوي مقفر، رغبة البطل/ة (لوك سكايواكر/راي) في الانعتاق من عالمه/ا الضيق، طريقة الدعوة للمغامرة عن طريق انسان آلي (R2D2/BB8)/ الظهور الثاني لهان سولو مع مركبته ميلينوم فالكون، الأسرار العائلية، تحصن الثوار في قاعدة سرية، سلاح جديد وخطير يهدد المجرة.
ولكي يكمل تحيته السينمائية على أفضل وجه، يخلق الفيلم حالة مثالية من الوصال بين الأجيال المختلفة التي تعاقبت على عالم Star Wars، ومع الدماء الجديدة التي تتدفق في السلسلة مع اختيار جون بويجا وديزي ريدلي ليكونا أبطال الثلاثية الجديدة بشخصيتي راي وفين، فهما يحظيان بمساندة قوية ودفعة موفقة وفي محلها من أبطال الثلاثية الأولى الذين يعودون لإحياء الشخصيات التي صنعت شهرتهم الكبيرة منذ نحو 40 عامًا، وبذلك ينجح الفيلم في الوصول لمختلف أجيال المشاهدين سواء من عايشوا انطلاقة السلسلة، أو من يتعرفون عليها عن قرب.
ومع كل هذا، يضاعف أبرامز مقدار الجرعة الفكاهية -المعتادة من هذه السلسلة- خاصة في النصف الأول من الفيلم، ولا يجعل الجانب الفكاهي التخفيفي كعادة السلسلة من نصيب الشخصيات المساندة فقط التي يضيف إليها هذ المرة الآلي خفيف الظل BB8 ذو الجسد الكروي، بل يجعل لكل شخصية من الشخصيات الرئيسة كذلك جرعات محسوبة من الفكاهة.
أما شرير الفيلم هذه المرة فهو شرير مختلف كلية عن دارث فادر، فكايلو رين (آدم درايفر) ليس بذلك الذي يحسب خطواته واحدة بواحدة مثل دارث فادر، وليس بذلك الشرير الذي يتعامل بهدوء أعصاب مع المواقف العصيبة، بل هو شرير أهوج ومراهق فكريًا يحاول طيلة الوقت أن يضع نفسه في خانة دارث فيدر في سبيل أن يكون خليفته في القوة التي امتلكها، وهو في سبيل ذلك لفعل أي شيء يستطيع به أن يثبت أنه دارث فادر الجديد، وهو أمر راقني جدًا في كتابة شخصيته.
ومع التألق الكبير الذي يحمله النصف الأول من الفيلم لمشاهديه، فإن النصف الثاني قد حاول أن يواصل على نفس المستوى لولا وجود مشكلتان أرى أنهما يرتبطان بالنفس القصير الذي انتاب أبرامز فجأة ورغبته في قطف الثمار قبل أوانها المناسب، أما المشكلة الأولى فهى في الطريقة التي تتطور بها شخصية راي دراميًا في اكتشافها للقوة التي تمتلكها بداخلها على غرار لوك وأناكين سكايواكر، فقد جاء هذا التطور بدون تأسيس متين وملائم يجعلنا نصدق بشكل كامل ما فعلته، وقد بدأ هذا الاحساس ربما منذ المشهد الذي تفلت فيه راي من قبضة كايلو رين، كان أبرامز يضع ما يحدث أمامنا كأمر واقع دون مقدمات درامية كافية.
المشكلة الثانية تتعلق بالتتابع الخاص بمحاولة تدمير السلاح الجديد الذي يفوق نجمة الموت من A New Hope في الحجم والقوة التدميرية بأضعاف الأضعاف، خاصة لكونه يستمد طاقته من الشمس مباشرة، فقد شعرت أن عملية تدميره لم تأخذ حيزها الوقتي الملائم على الشاشة بما يتناسب طرديًا مع القوة الهائلة للسلاح، بل والأكثر أني قد شعرت أنه دُمر بسهولة على خلاف عملية تدمير نجمة الموت التي شعرت معها خلال الجزء الأول بمدى الصعوبة الشديدة للمهمة بسبب اضطراره إلى الطيران بين دهاليزه وطرقاته لحين الوصول لنقطة الضعف فيه وتدميره من خلالها.
ولكن إذا اخترت غض الطرف عن هذه المشاكل التي قد تسبب النغص، فسوف تحب الفيلم كثيرًا، فأبرامز لا يخيب آمال من انتظروا هذا الفيلم أبدًا، وينجح في العزف على كل الأوتار في افتتاحيته الشائقة للثلاثية الجديدة، كما ينجح في كسب الجميع خاصة بحفاظه على طعم البدايات، وهو ما يجعلنا في انتظار الفيلمين القادمين، ولنلتقي معًا من جديد في 2017 مع الفيلم الثامن.
اقرأ عن Star Wars أيضًا:
The Force Awakens: إعادة إنتاج مُقنَّنة لكن مُمتعة للحلقة الرابعة
الدليل الكامل: ما ارتكبه جورج لوكاس من جرائم في حق Star Wars
Star Wars.. رحلة جورج لوكاس الطويلة نحو المجرة البعيدة البعيدة (1)
Star Wars.. ماراثون إعادة المشاهدة مع الثلاثية الأولى (2)
Star Wars.. ماراثون إعادة المشاهدة مع الثلاثية الثانية (3)