يمكن صياغة قاعدة سينمائية تقول بإنه عندما يتحول نوع سينمائي مع الوقت إلى نمط ثابت من فرط تكرار لوازم وعوامل نجاحه المتكررة، فهو يعطي لنفسه الفرصة لأن يتحول مع الوقت إلى مادة دسمة لا تُمل للسخرية، وربما كان أكثر نوعان سينمائيان قد نالا نصيب الأسد من هذه السخرية المتواصلة هي أفلام الجاسوسية وأفلام الأبطال الخوارق خاصة مع الثبات الكبير والتكرار المستمر لمجموعة من اللوازم الخاصة بهما.
وتزداد قوة السخرية عندما تأتي في الأساس من نفس الأشخاص الذين عملوا لسنوات على تكريس لكل ما كان سببًا في الأصل في السخرية منهم في المقام الأول، وهو ما نجح Deadpool في تسويقه وتوصيله منذ أول إعلان صدر للفيلم، وفي كافة ملصقاته الدعائية، بل وحتى في كافة تحديثاته عبر حسابات الفيلم على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي كان آخرها سخرية موفقة من حفل توزيع جوائز الأوسكار الذي ينتظره العالم خلال أيام معدودة على أصابع اليد الواحدة، وهو ما يحافظ عليه الفيلم بالتماشي مع تطلعات الجمهور المنتظر للفيلم.
منذ انطلاق تترات الفيلم، وحتى مشهد ما بعد نهاية التترات الذي بات من التقاليد الثابتة في أفلام مارفل الأخيرة، لا يفلت الفيلم أي شيء أو أي أحد في مجاله بدون أن يشبعه حتى الثمالة بسخريته اللاذعة وبدون أن يفلته حتى يترك بصمته الخاصة عليه، وهي هنا بالطبع ليست بالسخرية البريئة على الإطلاق، فصناع الفيلم كما هو متوقع لا يضعون خطوطًا حمراء على السخرية، بل لا يضعون أي حواجز أيا كانت، وهو ما يجعل هذا الفيلم على خلاف بقية أفلام مارفل من الأفلام التي لن يشاهدها جميع أفراد العائلة الواحدة مجتمعين معًا، فمنهم من سيكون مصيره البقاء في البيت ليسهر مع Playstaion خاصته، ونحن نعرف بالطبع من! بينما ينشغل الآخرون بالمشاهدة في دار العرض وهم يلتهمون عبوات الفشار الضخمة.
وتمتد أيادي السخرية حتى إلى كافة المشاهد الحركية في الفيلم، ليتحول كل مشهد حركي إلى شيء غير تقليدي سواء فيما يردده وايد/ديدبول (رايان رينولدز) من مزحات ملفوظة، أو فيما يفعله بخصومه، أو حتى في ردود أفعاله حتى هو ذاته مما قد يناله منهم خلال المعارك، وربما ما أجج هذا التأثير الساخر الذي ينشده صناع الفيلم خاصة مع تتابعات المعركة الأولى هو تراوحه المستمر في الحكاية بين ماضيه وحاضره، مما يكسر حدة اعتيادتها، خاصة في المشهد الذي يستعرض فيه ما يفعله بالإثنى عشر رصاصة التي لم يتبق له غيرها في معركته مع خصومه.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه يعمد بشكل واعي إلى استخدام تقنية (هدم الجدار الرابع) المعروفة والتي يتخاطب من خلالها بطل الفيلم مع الجمهور مباشرة في شكلها الكلاسيكي عن قصد، بل ويصل به الأمر إلى التلاعب بهذه التقنية عدة مرات داخل سياق الفيلم، مثلما يظن أحد أبطال الفيلم أن ما كان يقوله ديدبول موجه له، بينما كان في الحقيقة موجه للجمهور.
ومن وسائل السخرية التي تزيد لذعة الجرعة هو الخروج المقنن الذي يمارسه ديدبول نفسه داخل الفيلم عن النص أصلًا، حيث يذكرنا في الأصل أن ديدبول هو من أحد رجال X-men في عالم القصص المصورة التي أتى منها، فيأخذ في الاستهزاء من السلسلة ذاتها ومن شركة الإنتاج التي تقف ورائها - مارفل - وحتى من رايان رينولدز نفسه.
وكأن كل ما سبق لم يكن كافيًا في نظر صناع الفيلم، فقاموا كذلك بمد خط السخرية على كامل استقامته حينما قاموا بترسيخ كافة الكليشيهات التي تميز أفلام الأبطال الخوارق إمعانًا فيما يفعلون، وخاصة مع النصف الثاني من الفيلم الذي يشهد اختطاف حبيبة ديدبول، لكنه أيضًا هنا ترسيخ مقصود وغير مفتعل على الإطلاق.
وهناك كثير من الفضل الذي يجب نسبه في الحقيقة لرايان رينولدز نفسه الذي يستفيد هنا استفادة قصوى من خبرته الطويلة في الأعمال الكوميدية ليطوعها هنا إلى أقصاها حتى ولو كان متخفيًا وراء قناعه الأحمر ووجهه المشوه في كثير من الأحيان بسبب طبيعة الشخصية، فإن أدائه الصوتي يواصل بذل المجهود الأقصى الذي يتماشى مع الطبيعة الساخرة لديدبول ويرفع سقفها.
هذا الفيلم يحقق لك بالضبط ما وعد به من خلال حملات الدعاية المكثفة التي سبقت عرضه لشهور طويلة، ويحقق أقصى درجات المتعة في مشاهدته خاصة إذا كان ثأر مع الأفلام المستوحاة من عالم مارفل السينمائي، فإن Deadpool يعد بتحويل كل من يحزنك إلى كباب على حد قوله.