الارشيف / سينما و تلفزيون / السينما كوم

Room.. الخلاص إلى عالم أرحب

"عندما كنت صغيرًا كنت أعرف أمورًا قليلة، أما الآن فأنا في الخامسة وأعرف كل شيء!"

لا يخفى على أحد أن عام 2015 على المستوى السينمائي قد جاء مليئًا بالإحباطات والمستوى المتدني، وأن الأفلام الممتازة أو حتى الجيدة كانت قليلة العدد وسط طوفان من الأفلام المتوسطة والضعيفة. لذلك جاء فيلم Room كمفاجأة سارة نادرة في عامنا هذا عندما شاهدته، والحقيقة أن وجود هذا الفيلم المستقل وسط العشرات من الإنتاجات الضخمة هو دليل واضح أن المال لا يضمن بالضرورة الجودة الفنية.

في البداية إذا لم تكن قد شاهدت إعلان الفيلم فلا تفعل قبل أن تشاهد الفيلم ذاته. ولأن مناقشة الفيلم سوف تتطلب تناول أحداثه، فالأفضل أن تتوقف عن القراءة الآن على أن تعود بعد أن تنتهي من المشاهدة.

(تحذير: هذا المقال قد يتضمن كشف ﻷحداث الفيلم، ينصح بقراءته بعد المشاهدة)

إنه صباح جديد، اليوم هو العيد الخامس لمولد "جاك" الصغير، تقرر الأم أن تصنع كعكة لهذه المناسبة حتى يتسنى لها الاحتفال برفقة ابنها الصغير. ولكن ألا تلاحظ شيئًا؟ إن تلك "الغرفة" كما يدعوها الاثنان تحتوي على مقومات الحياة الأساسية من حوض ومرحاض وتليفزيون وخزانة ملابس، وهذه الغرفة في واقع الأمر تمثل العالم كله بالنسبة للطفل الصغير.

هذه هي الأشياء الحقيقية الملموسة أما ما يقع خارج الغرفة فهو الفضاء أو محض خيال كالأشياء التي يشاهدها "جاك" في التليفزيون. توجد كوّة زجاجية في سقف الغرفة تطل على العالم الخارجي ومنها تتسلل أشعة الشمس، هذه هي النافذة الوحيدة بين جاك والعالم الذي لا يعرف عنه أي شيء آخر.

وبفضل مجهودات الأم المضنية فأن "جاك" يتمتع بذكاء وحيوية وقدر معقول من الصحة والسعادة، فالأم تلعب كثيرًا بصحبة ابنها الذي يستطيع القراءة كذلك ويشاهد الرسوم المتحركة في التليفزيون. تتجاهل الأم أي آلام خاصة بها وتركز جلّ اهتمامها على صغيرها، فالنسبة لها "جاك" ليس ابنًا فحسب ولكنه وسيلة التشبث بالحياة والأمل والسبب من أجل الاستمرار وسط هذه الأجواء الكابوسية التي تعيشها.

شيئًا فشيئًا تتكشف خيوط القصة، ونعرف أن الأم قد تم اختطافها بواسطة رجل يطلقون عليه اسم "نيك العجوز" عندما كانت هي مراهقة في السابعة عشرة. كان هذا منذ سبع سنوات مضت عليها وهي محبوسة داخل تلك السقيفة المعزولة عن العالم إلا فقط من زيارات "نيك" المتكررة. يأتي الرجل في المساء غالبًا ويزودهم باحتياجاتهم من طعام ودواء، وفي المقابل يجبرها على مشاركته الفراش بينما "جاك" يقبع داخل خزانة الملابس حتى الصباح. نتابع نحن هذه الأحداث من خلال عيني الطفل الصغير وهو ما يزيد من حجم الاحساس بالصدمة والإزعاج.

نعرف أخيرًا أن الأم اسمها "جوي" والذي للمفارقة يعني بهجة، وتقرر "جوي" أن ابنها قد بلغ عمرًا ملائمًا ليعرف حقيقة الوضع الذي يعيشان به. ليس هذا فحسب ولكنها تريد من الابن أن يساعدها في تنفيذ خطة للهروب من براثن هذا الرجل المختل المغتصب، وبالطبع تنتاب "جاك" مشاعر من الصدمة والخوف الشديد مما قد يواجهه في هذه المغامرة التي سوف تهدم عالمه الصغير والآمن كليًا.

قد تبدو لك خطة الهروب ساذجة بعض الشيء وتظن أنها لن تنطلي بسهولة على "نيك العجوز"، ولكن الرجل لم يشك مطلقًا في الأمر لأن "جوي" لم تفعل ما يدعوه لهذا. فباستثناء محاولة وحيدة فاشلة للهرب منذ سنوات عديدة، لم تحاول الفتاة في أي وقت أن تثير غضبه مجددًا أو أن تفعل ما من شأنه إثارة الريبة والشكوك. يتوهم "نيك" أنه يحكم كامل سيطرته على "جوي" التي استسلمت وخضعت له، وفي ظنه أنها غالبًا لم تعد تستطيع الاستغناء عنه لارتباطها به بعد هذه السنوات، ولهذا ربما غابت عنه رؤية حقيقة ما يجري أمامه.

يمضي الاثنان في تنفيذ خطة الهروب، وبعد العديد من لحظات التوتر واللعب بالأعصاب تنجح الخطة فعلًا ويهرب "جاك"، ثم يتم إنقاذ الأم أيضًا في الوقت الذي تنتصف فيه مدة عرض الفيلم تقريبًا. لا تندهش لو قلت لك أن هذا موجود في إعلان الفيلم بالفعل!

قد يقول البعض أن تلك قصة كان ينبغي أن تقدم على مدار الفيلم كله وتنتهي بتلك النهاية السعيدة، ولكن دعني أختلف معهم وأقول إن هذا ما يجعل الفيلم مختلفًا ومميزًا، فما تظنه أنت نهاية مرضية هو مجرد بداية لقصة أخرى بها كذلك الكثير من المعاناة والمشاعر والألم.

يمكنك أن تلاحظ أحيانًا أن العالم الخارجي تم تصويره بالكيفية ذاتها التي تم تصوير الغرفة بها، هذا يوضح أن إحساس السجن قد لا يرتبط فقط بالمكان وقد يظل موجودًا بعد مغادرة السجن الفعلي. يبدو هذا واضحًا بشكل كبير على "جوي"، فهي تعاني من أجل أن تظل متماسكة وأن تتكيف من جديد مع حياتها القديمة وسط العديد من الضغوط الأسرية بل والسخافات الإعلامية أيضًا.

أما "جاك" فبعد خروجه من الغرفة ستجده يشاهد ويختبر كل ما حوله لأول مرة، أشياء وأفعال قد لا تفكر في أهميتها يقوم بها هو للمرة الأولى حتى لو كان ذلك في بساطة صعود درجات السلم.

أجاد المخرج اﻷيرلندي ليني أبراهامسون في تقديم فيلم تطغى عليه المشاعر، ونجح في نقل علاقة الأم والابن إلى الشاشة بشكل رائع. الفيلم الذي استند إلى سيناريو كتبته إيما دونوغ عن رواية لها تحمل العنوان نفسه كان غنيًا في تفاصيله وحواره ولحظاته المؤثرة. من النقاط الإيجابية كذلك استخدام "جاك" كراوي خلال الفيلم، صوته الطفولي المفعم بالفضول والشغف كان عظيم التأثير.

تتقدم بري لارسون بخطوات واثقة نحو مصاف النجوم الكبيرة، فبعد دورها الرائع في Short Term 12 تعود هنا لتقدم أداءً عظيمًا في دور الأم، استحقت عنه أوسكار أفضل ممثلة في دور رئيسي عن جدارة. أما مفاجأة الفيلم الأخرى فهي الطفل الموهوب جاكوب تريمبلاي في دور الابن. الكيمياء بين الاثنين كانت في غاية الانسجام، وقدما سويًا علاقة الترابط والحب بين الأم والابن من خلال شحنة مدهشة من المشاعر.

بقي فقط أن أشيد ببعض عناصر الفيلم الأخرى، التصوير الذي يضعك معهما في نفس الغرفة، والموسيقى التي تساهم في إيصال حالة الفيلم إلى أعماقك، وأخيرًا الديكور لأنك غالبًا ستخرج متذكرًا لكل قطعة أثاث ولكل تفصيلة في تلك الغرفة.

الحقيقة أن هذا فيلم يخاطب مشاعرنا ويترك أثرًا في نفوسنا، ففي نهاية المطاف هناك غرفة داخل كل منا يحاول الخروج منها إلى عالم أرحب!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى