(تحذير: المقال قد يتضمن كشفًا لبعض أحداث الفيلم)
عندما طُرح إعلان الفيلم، سرعان ما راودتنا فكرة فيلم "Stuck on You" من بطولة النجميّن "مات ديمون" و"كريج كينير"، والذي يدور عن توأميّن مُلتصقين يقعان بكثير من المواقف الطريفة نظرًا لحالتهما البدنية التي تُقيدهما معًا وتجعلهما ينفذان أقل حركة سويًا، فليس بإمكان أحدهما أن يحلم حتي حُلمًا ويقدم على تنفيذه دون موافقة الآخر. وتكوّن عندنا التصوّر بأن "حسن وبقلظ" سيكون اقتباسًا عن الفيلم الأمريكي وربما صورة طبق الأصل منه لكن بنكهة مصرية يألفها الجمهور ويندمج معها، لنجد أن الفيلم جاء بفكرة مختلفة عن الأمريكي أو - لنتحرى الدقة – بتطوير للفكرة طرح كثير من الاختلاف بين أجواء الفيلمين.
حسن "كريم فهمي" وبقلظ "علي ربيع"، توأمين ملتصقين يعانون الأمرين في كل شيء بسبب وضعهما الجسماني، فتكون كل حركة يقومان بها بمثابة معركة يخوضانها ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، لنجد أن حسن مجتهد يسعى لأن يكون ذو شأن بالمجتمع، بينما بقلظ لا غاية له من الحياة سوى التواكل على شقيقه. تأتي عقبتهما الأولى في أن حسن يرغب في ارتياد كلية الشرطة، لكن وضع شقيقه الملتصق به لن يجعل الأمر يستقيم وسترفضه الكلية بكل تأكيد، هنا يلوح المبرر الأول لتفكير حسن في عملية جراحية تفصل بينه وبين شقيقه، بقلظ مع تواكله التام على شقيقه يرفض الفكرة تمامًا، ليصبح قبول حسن من عدمه في كلية الشرطة قضية رأي عام، وبذلك تقبله الكلية، تمر فترة يظهر بعدهها المبرر الثاني لتفكير حسن في الانفصال عن شقيقه، وهو عشقه لـ "يسرا اللوزي"، كالعادة يرفض بقلظ فلا يجد حسن مفر من تنفيذ العملية رُغمًا عن الآخر، فيدخلان معًا في شجار عنيف ينتهي بفقدان بقلظ وعيه، ثم يستغل حسن الفرصة وينفذ العملية قبل أن يستفيق أخوه.
بعد العملية، نكتشف أنه بطريقٍة ما تتبدل مراكز الإحساس عند الشقيقين، بمعنى أن لو أحدهما لمس النار لا يشعر بأي شيء بينما الآخر تُلهبه حرارتها، لو أحدهما اصطدم رأسه بالجدار لا يشعر بشيء، بينما الآخر يرتج رأسه ألمًا، وستستمر هذه المعضلة لمدة عام كامل من تاريخ العملية. بالطبع فكرة مثل هذه أفردت مساحة شاسعة من الضحك، وخلقت رقعة كبيرة للمواقف الطريفة التي يمكن أن تحدث بين الاثنين وتبلغ بالمُشاهد حد القهقهة، خاصًة أن صُناع الفيلم أجادوا صياغة المواقف التي استغلت هذه الفكرة فانتزعوا ضحكات الجمهور بمنتهى اليُسر، على سبيل المثال، في كل مرة كان يعلم بقلظ أن شقيقه حسن في موعد مع حبيبته، يتفنن بإقحام نفسه في مواقف تجلب الألم لشقيقه بغاية إفساد موعده، مرة يذهب إلى صالة الجيم ويثير شجار مع عمالقة هناك فينهالوا عليه بالضرب ليتقافز شقيقه من الألم في موعده الغرامي، مرة أخرى يدور شجار بين الاثنيّن، فيتنافس كلُُ منهما على إيصال شعور الألم للآخر، ويصيح بقلظ في شقيقه بالإفيه العجيب والملائم بغرابة للموقف: "ده أنا هافشخني فيك انهرده"! فنجد أحدهما يركل ساقه بمكتبة خشبية ليندلع الوجع في ساق الآخر، بينما يدق الآخر جسده بالـ"شاكوش" فيدُب الألم في شقيقه، وعلى هذا المنوال تقوم معركة غريبة بينهما تُهلك المشاهد ضحكًا من فرط جنونها.فضلًا عن هذا الخيط، تمكّن صُناع الفيلم من نسج بعض الخيوط الطريفة بالفيلم والجالبة للضحكات بطبيعتها، مثل جدة يسرا اللوزي المريضة التي لا تنبس ببنت شفة ولا تصدر عنها حركة، حتى إن أصابها الألم لا تقدر على الصراخ أو إبداء أهة توجع، كانت هذه من لازمات الفيلم المثيرة للضحك وأتقن صُناع الفيلم استغلالها جيدًا، أيضًا لازمة "مصطفى خاطر" شقيق يسرا اللوزي بالفيلم، والذي يعاني من أزمة نفسية تجعله يشعر بأن أفلام الرعب حقيقية وكل أشباحها واقع لا يمت للخيال بصلة، فينصحهم طبيب نفسي بوجوب مشاهدته فيلم رعب كل أسبوع حتى يقتنع أن أفلام الرعب خيالية ويتخلص من عقدته، كانت هذه لازمة طريفة بدورها، وتحية لمصطفى خاطر عن إجادته تجسيد الشخصية تمامًا، فكان الشقيق المائع نيء الطباع حد السخافة، ويهاب ظله كما تقتضي حالته.
يسرا اللوزي كانت جميلة الطلّة فلائمها دور الحبيبة التي يتشاجر عليها الشقيقان دون جهد، أما "محمد أسامة" ربما ظلمه الدور بعض الشيء، فلم يزِد عن كونه ابن خالتهما الذي يعاني لدغة غريبة بعض الشيء في نطقه الحروف، كانت سخيفة حتى في بعض المواقف والكلمات، "أحمد فؤاد سليم" شخصيته مُعتلة على الورق ولم تُكتب بشكل جيد أو تُفرد لها الدوافع المطلوبة، وبالتالي لم يكن الأداء مُقنعًا، "بيومي فؤاد" – الطبيب الذي أجرى عملية الفصل - في مشاهده القليلة المعدودة، كان له حضوره المُميز المحبوب، وطريقته في إلقاء الإفيه والضحك عليه بنفسه، جعلت من الإفيه السخيف مُضحكًا للغاية.
أما عن علي ربيع، فهو من الوجوه الجديدة التي سطّع نجمها مؤخرًا في فرقة "مسرح مصر" وصار له شرائح عريضة من المعجبين التي تحفظ إفيهاته عن ظهر قلب، بل أمسى ظهوره وحده على الشاشة مقترنًا بالضحك عند كثيرين، أنا واحد من الناس الذين يُضحكهم ربيع وأرى به كوميديان بارع، لكن هذا الشعور اقتصر عندي على مسرح مصر فقط لا غير، فأجد ربيع لا يُضحكني بأي عمل سواه، أشعر أن نجمه يخبو وطرافته تتوارى حين يبتعد عن المسرح، وكأن كاريزمته تموت بعيدًا، ففي فيلم "كابتن مصر" مثلًا، لم ينتزع مني بسمة، بل رأيت إفيهاته سخيفة في عدة مواضع، وغيره من الأعمال، لا أشعر بوهجه الذي يتألق في مسرح مصر، ربما "حسن وبقلظ" هو أول أعماله التي تصادفني ويكون فيها بأوج قوته مثلما يكون على المسرح، وتتلألأ كاريزمته المّضحكة وبراعته في إلقاء الإفيهات على الشاشة مثلما يحدث هناك، فحمل ربيع الفيلم على أكتافه وانتزع الضحكات بطريقة إلقاء الإفيهات وأثبت لي أن بإمكانه التألق بعيدًا عن محيط مسرح مصر.
بالنسبة لكريم فهمي في دور حسن، تشعر بأن الدور كان من الممكن أن يكون مضحكًا أكثر لو أن كوميديان متمرس قام به، رغم أن فهمي هو مؤلف الفيلم ومفترض أنه مبتكر فكرته ومواقفه، إلا أنه لم يستطع الفوز بالكثير من ضحكات الجمهور، وتشعر دومًا بأنه يُجاهد لنزع ضحكتك، بينما ربيع يُضحكك بسلاسة وتلقائية من دون جُهد، والمفارقة أن فكرة الفيلم في تبدّل مراكز الإحساس بين الأخوين تنطبق ها هنا بطريقٍة ما، فنجد كريم فهمي يؤلف الفيلم ويكتبه، لكن ربيع هو من يُضحِك الناس ويفوز بقهقهاتهم!
يُعد الفيلم – كفيلم كوميدي - محاولة ناجحة من محاولات المخرج "وائل إحسان"، والذي سبق وأجاد بأفلام كوميدية أخرى مثل "اللمبي" و"الباشا تلميذ" و"ظرف طارق"، هنا يضيف لقائمته فيلم كوميدي جديد أجاد استغلال فكرته وتصوير مواقفه بالشكل المطلوب والقادر على إمتاع مُشاهديه، ونخص بالذكر تصويره مشهد إنقاذ بقلظ لأخيه قرب خاتمة الفيلم، حين يكون حسن مُحتجرًا داخل زنزانة، بينما يُحاصَر بقلظ بمجموعة من الفتوات في الخارج، فيبدأ حسن – الذي غمره الإدرينالين - في التحرك داخل الزنزانة بحركات قتالية، ليتحرك بقلظ نفس الحركات ويتمكن من التغلب عليهم، المشهد – رغم أفورته – إلا أنه قادر على استجلاب كامل انتباهك وإقحامك في الحالة بقوة، وعلى النقيض سأخص بالذكر مَشهد الحمام الذي جمع ربيع وأوس أوس، المشهد كان مقزز وسخيف للغاية، لم يكن له داعٍ ولم أرَ به أي كوميديا في الحقيقة.
الفيلم لو تعاملنا معه على أنه كوميدي وكفى، فهو فيلم جيد سيقتلع ضحكاتك كثيرًا، وسيمتعك تمامًا بمواقفه الطريفة، حتى أنه سيتفوق بمسافات على كثير من الأفلام الكوميدية الباهتة التي ابتلينا بها خلال السنوات الأخيرة، هذا إن غضضنا الطرف عن التحولات بشخصيات الفيلم والمَشاهد الدرامية به، التي كعادة أفلامنا العربية الكوميدية تُسلَق كالبيض، فتجدها لا وزن لها وتشعر بها مبتذلة سخيفة عديمة التأثير، وهذا ما لا أفهمه في صُناع أفلامنا العربية بالحقيقة، لو أنك تنتوي صنع فيلم كوميدي خالص، فالتزم بهذا ولا تُقحِم دراما مُصطنعة في الفيلم، إن أردت صنع دراما فأتقن صنعتها وأعطها وزنها ومبرراتها لأقتنع بها كمُشاهد دون أن يراودني شعور بعدم الارتياح لها، وهذا ما لم ينجح فيه صُناع الفيلم، فجاءت مشاهده الدرامية عديمة الوزن والتأثير، بل أنها قد تُثير ضيقك من فرط سطحيتها، وشخصية الشرير بتحولاتها جاءت في قمة السذاجة، في حين أنه كان الممكن تلافي هذا بإفراد مساحة جيدة له أو تجنبه من الأساس.
في النهاية يظل الفيلم فيلم كوميدي ناجح، سيُضحكك بشدة وتشاهده مستمتعًا لتخرج شاعرًا بالرضا تجاهه، حتى أنك قد تتذكر بعض لحظاته المجنونة فتلتهم الابتسامة وجهك.