تشكل الأعمال الإبداعية للفنانة التشكيلية المغربية فاطمة الزهراء الحيحي مادة خصبة، تملأ فضاء لوحاتها فهي تركز على كل مقومات العمل الفني، المدجج بالرموز والعلامات التراثية في نطاق تجريدي معاصر، بإيحاءات جميلة واستعمالات تقنية مميزة، دالة على معانٍ وقيم معينة، تحكمها مجموعة من العوالم الفنية المعاصرة.
تطرح لوحات الفنانة الحيحي، أكثر منسؤال حول جدلية العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين معطيات الفنون التعبيرية والتجريدية، ومدى القدرة التي تملكها في خطوات اختصار العناصر الإنسانية، في لوحاتها التجريدية، والإبقاء فقط على إشاراتها الدالة عليها، ومن هذا المنطلق تظهر في أعمالها حالات التنقل بين التعبير والتجريد بمثابة حالة تصالحية بين الاتجاهات التصويرية وبين التجريد اللوني الذي يعتمد المساحات وحركات الخط اللوني فما بين طروحات مشاهد الطبيعة، التي تعطي من خلالها متانة وصياغة معمارية للمشهد، وبين أعمالها التجريدية، تظهر أجوبة لتساؤلات كثيرة مكثفة حول التوجهات والانتماءات الثقافية والجمالية.
ويكفي أن نقارن بين طريقة معالجتها لعناصر الطبيعة والأشكال الإنسانية، حتى نواجه مدى التباعد والتقارب في آن واحد بين التجربتين، ورغم ذلك تبدو الروح التعبيرية واحدة وإن اختلفت في تقنياتها وطرق معالجتها، وهذا ما نسميه بوحدة الإختلاف أو وحدة التنوع، فهي في أعمالها التجريدية، تجنح في الاتجاه التعبيري نحو الاختزال وإضفاء المزيد من اللمسات اللونية العفوية، وتؤكد هواجسها الفنية في إضفاء أسلوبية خاصة ومميزة، وبالتالي فأعمالها تشكل خطوة تصاعدية في تجربتها المتواصلة منذ سنوات وهي في هذه الوقت تهدف الوصول إلى الاتزان التجريدي، الذي تؤديه من خلال الألوان الفاتحة المختلفة.
ومن خلال هذا التنقل بين التعبير والتجريد تؤكد الفنانة فاطمة الزهراء الحيحي، عدم انحيازها لاتجاه دون آخر وقدرتها على تحويل إبداعها إلى فسحة للحوار والنقاش بين الأساليب والرسومات المختلفة، فهي ترضي التعبيري والتجريدية في آن واحد، وتعطي للثقافة التشكيلية المغربية طابعها الإبداعي الحقيقي.
وقالت إبنة مكناس فاطمة الزهراء الحيحي، إن الإنتقال من التعبيري إلى التجريدي هو أهم ما يجب أن يركز عليه الفنان في بعض الأحيان، وأنا غالباً أنتقل بينهما أو أجمع بينهما حتى لا أقع في الغموض ولا المباشرة فأجرد الجماليات لأعبر عنها كما أحب وأرى عندما أكون في حالات صفاء مع ذاتي وأنا أتعامل مع الألوان واللوحة.
ولكن الفنانة الحيحي، تؤكد أنه على الفنان ألا يتوقف على نوع لوني واحد لأن الحالة التي يعيشها الفنان الموهوب هي التي تدفعه ليستخدم ثقافته الفنية وفق ما يشكله من رؤى تأتي بشكل عفوي على سطح اللوحة التي يتحول بياضها إلى عالم آخر، وتعطي فاطمة الزهراء، للألوان قدرة كبيرة لمنح الفنان مدى أوسع في رسم ما يريد برغم صعوبة التعاطي معها وحاجتها إلى معرفة وتقنية لأداء حضور فني على مستوى الفن الحقيقي، وعن وجود الطبيعة بأشكال مختلفة في لوحاتها قالت : “الطبيعة لها قدرة على إعطاء الفنان أغلب المعاني التي تحرك إحساسه فهي مصدر لعطاءات لا حدود لها وهي مكون جمالي كبير فأنا أعيش فيها وأشكل كثيراً مما يختلج في مشاعري عبرها”.
وأوضحت الحيحي، أن الفنان تدفعه العفوية لخياراته دون قصد وهذا يتوقف على الإطلاع وتنامي ثقافاته التي ستلعب دوراً في نوع التشكيل الفني ونوع اللون.
المجلة غير مسؤولة عن الآراء و الاتجاهات الواردة في المقالات المنشورة