لطالما اعتبرت عقول عديدة الاختلاف مصدراً للنزاع والفرقة، بل والحروب، ولطالما عمل الكثير من ضيقي الأفق ومحدودي الرؤية على جعل الاختلافات الإنسانية، مهما كان مصدرها ونوعها، سبباً للتشتت والقسوة مع الآخر والتشكيك في نياته ومقاصده، بل محاولة اقتلاع جذوره والقضاء على فكره وصوته.
لذا نشاهد في مختلف أرجاء العالم النزاعات ونشاهد التردي الإنساني في أسوأ صوره، نشاهد الضيق والنرفزة ومحاولة إلغاء الأضعف وتسلط القوي وتجبره، بل وعلو صوت البعض ومجاهرتهم بالعداء وهم أبناء بلد واحد ولغة واحدة.
الاختلاف قدر البشرية، فلا فكاك منه، وهذه حقيقة أبلغنا بها الله، سبحانه وتعالى، عندما قال (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين).
هذه الحقيقة الراسخة التي جاءت في القرآن تدركها قيادة بلادنا الحبيبة، بل يعلمها المجتمع الإماراتي، بل نحن نعيش تفاصيلها يومياً، فلا توجد لدينا نزاعات طائفية ولا توجد مذهبية مقيتة ولا قبائلية ضيقة ولا شعوبية طاردة، بل تسامح وقانون يسود ويعلو، ومجتمع متماسك.
وفي كل مرة نسمع من قيادتنا وفي مناسبات عدة توضيحاً لهذا النهج وترسيخاً له، وآخرها ما جاء على لسان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، خلال الكلمة التي ألقاها سموه في حفل كشف الستار عن النصب التذكاري للشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية، المنطقة العربية 2014، حيث قال: إن الاختلاف في العقائد والأديان والألوان والثقافات بين الشعوب لا يعني أبداً صدام الحضارات ولا صراعها ولا إفناء إحداها للأخرى، بل يعني التعارف الذي نص عليه القرآن، الكريم، قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، حيث قال تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) وفي موضع آخر قال سموه: إن حضارة الإسلام، بوجه خاص، هي حضارة تعارف وليست حضارة نفي أو استبعاد، وقال أيضاً: إن الإسلام دين الصفح والتسامح، دين العفو والرحمة، وقد خاطب الله، تعالى، رسوله، صلى الله عليه وسلم، بقوله: ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فالغلظة والفظاظة والتشدد كل ذلك ليس من الإسلام في شيء.
هذا هو منهج بلادنا الحبيبة وقادتها، وهذه مسيرتنا، وهذا هو فهمنا لحقيقة ديننا، فلا حاجة لاستيراد آراء ولا حاجة لفئات وجماعات تضيق بالآخر وتنبذ كل صوت يغاير صوتها، نحن اليوم أمام حاجة، لتنمية فكر ومعرفة الآخرين بقيمة الاختلاف، وأنه ثراء وتنوع مفيد، للبناء والتطور الإنساني.