الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

لعنة "الفيس وإخواته"

  • 1/2
  • 2/2

" إزاي كنا عايشيين قبل اختراع الفيسبوك؟" سؤال طالما طرحته على نفسي، وأنا أراقب ما طرأ على حياتي من تغييرات بسبب ذلك الاختراع الذي قلب حال الدنيا وغير أحوال أهلها.
لا أنكر أنه جعل الحياة أسهل والتواصل أسرع، والمعرفة متاحة بشكل أكبر، بالإضافة إلى أنه قدم الشهرة والإنتشار على طبق من ذهب للكثيرين.
لكن هل كل تلك الأشياء التي منحها لنا "الفيس وإخواته" من مواقع التواصل الإجتماعي الأخرى كان يستحق الثمن الذي دفعناه ولازلنا ندفعه؟
أعتقد أنه وبقليل من الصدق سوف تكون الإجابة "لأ" على الأقل من وجهة نظري المتواضعة. ففي مقابل ما قدمه لنا سلبنا أنفسنا، وماتت مشاعرنا على يديه موتا إكلينيكياً.
فلقد حرمنا إختراع الأخ مارك أنا وغيري من متعة التواصل الدائم مع الآخرين، التواصل الحقيقي وليس الافتراضي.
فماذا يدفعني لمهاتفة صديق أن كان موجود "أونلاين" طوال الوقت ع الفيس؟
ما الذي يجعلني اتكلف عناء الخروج من المنزل لمقابلة صديقة والجلوس معها لنتبادل الحكايات مع فنجان قهوة، إن كان من السهل التواصل معها عبر "واتس آب"؟
ما الذي يدفعني لبذل مجهود مضني في الذهاب لمصدر ما إن كان من الممكن أن أرسل له اسئلتي على "الانبوكس" وانتظر إجاباته، التي لا أكلف نفسي عناء إعادة صياغتها؟
لماذا أركض وراء نجم لأقتنص صورة له إن كان هو يقدمها لي هدية سهله عبر الانستجرام؟
لماذا أحاول الوصول إليه للفوز بتصريح خاص حول قضية ما إن كان البوح متاح عبر "تويتر"؟
فلقد أصبح كل شيء سهل ومتاح، لكنه بلا طعم أو معنى. أفقدتنا الصحافة الألكترونية متعة البحث، والدراسة، وتحضير الأسئلة، وانتظار الموعد، ومناقشة المصدر، والفوز بشيء مختلف يعكس شخصيتك وحدك ويميزك بين المئات من ابناء المهنة.
لم تسرق منا التكنولوجيا متعة التعب فقط، بل سرقت مشاعرنا ايضا. مشاعرنا التي أصبحنا نلخصها في "ايموشن" سخيف يختصر ابتسامتنا وضحكاتنا وغضبنا وتذمرنا وثورتنا.
"ايموشن" جعلنا نتوقف عن الضحك بصوت عال، والصراخ بصوت أعلى، توقفنا عن وشوشاتنا البريئة والغير بريئة، واكتفينا بضغطة زر صغير لا تغني ولا تحمي من وجع.
ماتت حكايتنا قبل أن تولد، وأصبحنا نكتفي بكلمات مكررة نكتبها على "وول" أبيض لنعبر بها عن اشتياقنا، وامتناننا، وعتابنا، أو حتى "قرفنا". لم نعد نكلف انفسنا عناء التواصل الحقيقي.
اصبحت تجماعتنا الحياتية محددوة، وعلى فترات متباعدة، والحجة "أقابله ليه ما هو معايا طول النهار ع الفيس"!
وإن صدفت وقررنا الرجوع إلى أرض الواقع، لننقذ ما تبقى من أرواح جفت مع الوقت، تجدنا جميعا نجلس وفي ايدينا الهواتف اللعينة، لنتابع آخر المستجدات على شاشتها الصغيرة، أو نقرأ آخر النكات، أو نطالع أخر ما وصل لصندوقنا البريدي من رسائل!، وكأن العالم سوف ينهار أن توقفنا ولو قليلاً.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى