توجد كلمات لها تاريخ كبير في مسيرة الإنسان، بل أثرت في مجرى كثير من الأحداث، وبسببها ظلمت مجتمعات وشردت شعوب وأشعلت حروب التهمت الأبرياء وكل ما هو جميل، لعل من أهم هذه الكلمات التي يعاد اليوم استحضارها والزج بها في واقعنا العربي، بل واستخدامها بشكل مقيت كلمة «كافر» وهي تعني ببساطة متناهية تبرير سفك الدم الحرام والقتل ظلماً وعدواناً، وهذه الكلمة ممكن أن تستخدم ضد كل من يختلف مجرد اختلاف معك في فروع بسيطة، ومع الأسف هذا ما يحدث في عالمنا اليوم.
قبل أيام انطلقت فعاليات وأعمال مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر، والذي يأتي هذا العام تحت عنوان «خطورة التكفير والفتوى دون علم»، وقد ألقى الدكتور علي بن تميم، ممثل الإمارات في هذا المؤتمر كلمة معبرة وشاملة أقتطف منها التالي: (إن القرآن الكريم يشير إلى الاختلاف البشري حيث يقول، سبحانه وتعالى: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» وهي إشارة في غاية اللطف والعمق، فالاختلاف الذي يقع بين الناس ناجم عن الوحدة نفسها، بمعنى أنّ الاختلاف يتولّد عن اختلاف الخيارات التي يتساوى الناس في المقدرة على اتخاذها.
وإذا كانت عملية الاختلاف المشار إليها في الآية الكريمة تؤكد المساواة، مثلما تؤكد مبدأ الحرية، فإنها تشير إلى مبدأ آخر لا يقل أهمية عنهما، وهو مبدأ التسامح، فإن غياب التسامح يعني غياب التعددية التي تسمح بحق التفكير وتفضي إلى احتكار الصواب، واحتكار الصواب هو مصدر التكفير والإرهاب والعنف).
ويقول الدكتور تميم في موضع آخر من كلمته: (إن من يتأمل ظاهرة التكفير بعمق، يرى أنها كانت وبالاً على المجتمعات العربية المعاصرة، فقد أدت إلى نشوء صراعات بين أبناء الوطن الواحد، مثلما أدت إلى انفلات أمني تمثلت في أعمال العنف المسلحة التي صارت ترتكب بحق المواطنين أو الزائرين المسالمين الذين يتمتعون بحماية المجتمع ويحظون برعاية مؤسساته وأجهزته الأمنية)، ويوضح الدكتور تميم (أن التكفير والتخوين والتشكيك وبث الإشاعات واغتيال الرموز هي الأسلحة من أجل تفكيك أواصر المجتمع).
غني عن القول إننا اليوم أكثر حاجة لفهم تلك الكلمات التي قد تسهل كلفظ على اللسان لكن نتيجتها وبال وكارثة على المجتمعات، نحن بحاجة إلى المزيد من اللحمة الوطنية والالتفاف والتعاضد مع قيادتنا لنكون أقوياء أمام هذا المد الظالم، ولتكون بلادنا الحبيبة دوماً واحة أمن وسلام وتسامح.