في صبيحة الاثنين 16/5/2005 قال (35) نائباً رجلاً: نعم لحقي المرأة السياسية في التصويت والترشح للبرلمان الكويتي، كلمة "نعم" هذه كانت هي الـ"نعم" الأغلى في تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية، وفي تاريخ كفاح المرأة الكويتية، لأن وراءها، سلسلة طويلة من الجهود الدؤوبة المستمرة للمرأة الكويتية، وللمناصرين لها من الرجال الذين آمنوا بأهمية دورها في الحياة العامة، على امتداد (4) عقود، رفض فيها البرلمان الكويتي باستمرار مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
لقد رفض البرلمان (13) مشروعاً بقانون، كما رفض مرسوماً أميرياً صدر في 6/5/1999 بمنح المرأة حقها السياسي، تقديراً من سمو أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمه الله تعالى، لجهود المرأة الكويتية ووفاءً لكفاحها في التحرير.
كنت في الكويت قبيل هذه الجلسة التاريخية ووجدت الساحة مشتعلة، وكان السجال ساخناً بين المؤيدين والمعارضين، وكان المعارضون يتوعدون المجتمع الكويتي بغضب الله وعقوبته إذا مر مشروع القانون.
وكان المؤيدون يقودون حملة إعلامية دشنتها صحيفة "الوطن" بمقالة "إنني لأشعر بالفخر" لسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حينما كان رئيساً للوزراء، عبر فيه سموه عن قناعته التامة بأن حصول الكويتية على حقوقها السياسية لا يتعارض البتة مع أحكام الشريعة الغراء، آملاً سموه أن تتمكن الحكومة من الحصول على موافقة البرلمان عبر حوار ديمقراطي جاد ومخلص، باعتبار أن قضية الحقوق السياسية للمرأة هي قضية المجتمع وليست قضية الحكومة والمجلس، كان للمقال فعله الساحر في حلحلة الوضع في الساحة، لكن الغلو في اللدد والخصام كانا على أشدهما ضد حصول المرأة على حقها السياسي.
وإذا كان من تعاليم ديننا ومن قيم تراثنا أن نرجع الفضل إلى أهله، فإنني أؤكد: لولا تصميم الشيخ صباح الأحمد لما أبصر المشروع النور، ولتاه في ظلمات ثلاث: التأجيل والتسويف، ولعبة خلط الأوراق، وعمليات المساومة البرلمانية، كما حصل لكل المشاريع السابقة، لقد سهر سموه حتى فجر صبيحة الجلسة، وتحلى بصبر أيوب خلال وقائعها، وكانت ابتساماته الواعدة، الواثقة، المطئمنة، لا تفارقه رغم كل العويل والصراخ والتهويل من حوله، كان يقول ويردد للصحافيين المتسائلين عن مصير حقوق المرأة "حقوق المرأة، جاية، جاية".
وفعلاً تحقق له في النهاية ما أراد، تنفيذاً لرغبة سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، وفي نفس يوم صدور المرسوم الأميري قبل (6) أعوام، كانت عناوين الصحف الكويتية صبيحة اليوم التالي معبرة ورائعة بحق، فقالت (السياسة) "الديمقراطية الكويتية اكتملت بنصفها الجميل" نعم، ما كان لديمقراطية الكويت أن تستمر في رفض إنصاف المرأة الكويتية، شريكة الرجل الكويتي في بناء المجتمع منذ القديم، وهي أقدم ديمقراطية خليجية، في حين أن أختها الخليجية في قطر وعمان والإمارات والبحرين تمارس حقها السياسي بحرية.
وإذا كان لما حدث من دلالات فإن أبرزها: تأكيد اطراد حركة التاريخ نحو إنصاف من حرموا من حقوقهم الطبيعة العادلة، اليوم: المرأة العربية حصلت على حقوقها السياسية: تصويتاً وترشحاً، ووصل بعضهن إلى مناصب قيادية في مختلف الدول العربية.
المرأة أكثر من نصف المجتمع، لكننا على أرض الواقع لا نجد لها وجوداً عادلاً أو فاعلاً في البرلمانات والمجالس التشريعية وفي مراكز صنع القرار، فما العقبات التي تحول دون المشاركة الفاعلة للمرأة في الحياة السياسية، وفي وصولها إلى البرلمان بشكل عادل وأداء فاعل؟
لأجل تشخيص هذه العقبات والوصول إلى توصيات من شأنها تذليل المعوقات في طريق المرأة للبرلمان، وبهدف توعية المجتمع بالتجارب الناجحة للنساء البرلمانيات من مختلف الدول العربية والإقليمية والدولية، نظم "مركز دراسات وأبحاث المرأة" WRSC بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، ملتقاه السنوي الرابع بعنوان "المرأة والبرلمان: الحاضر والمستقبل" من 8 إلى 10 أبريل 2014 تداعت إليه نخبة من البرلمانيات سلطن الأضواء على تجاربهن الناجحة وعلى المعوقات التي اعترضت طريقهن، وكيف تغلبن عليها.
"مركز دراسات وأبحاث المرأة" يكاد يكون فريداً في الخليج، هو في أصله مشروع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية وكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، معني بالأبحاث والدراسات وإنشاء قاعدة للمعلومات بهدف سد الفجوات المفتعلة بين الجنسين وخدمة السياسات والبرامج التي تمكن المرأة وتعزز مشاركتها في وضع السياسات الوطنية، وهو منذ إنشائه في 2010 له نشاط حافل ومستمر في كل المجالات التي تخدم أهدافه، كان ملتقاه الأول بعنوان "مكافحة العنف ضد المرأة"، والثاني "دور المرأة في بناء مجتمع معتدل"، والثالث "المرأة والإعلام: الواقع والتحديات"، يقوده فريق عمل نشيط على رأسه د. لبنى أحمد القاضي، مديرة المركز، وأ. ابتسام القعود، المنسق العام.
الآن: ما أهم التحديات التي تواجه المرأة للوصول إلى البرلمان؟ في تصوري والكثيرين أنه "الموروث الثقافي الاجتماعي" الذي يشكك في كفاءة المرأة السياسية، وهو موروث ما زال حياً ومؤثراً في نظرة الرأي العام لعمل المرأة السياسي، وما زال يعمل في الأعماق الغائرة البعيدة لمجتمعاتنا، فيصوغ العقل الجمعي للعرب ويشكل نفسياتهم، ولا وعيهم، وأنظمتهم السياسية والتشريعية والاجتماعية.
لا يزال هذا الموروث يكرس في النفوس والعقول منذ التنشئة الأولى، أن العمل السياسي حق سيادي للرجل وامتياز خاص به، كونه "القوام" على الشأن العام، وأن مزاحمة المرأة للرجل في هذا الحق تجاوز للثوابت الشرعية، ومخالف للتقاليد الاجتماعية، وقلب للأوضاع الطبيعية التي جبل المرء عليها، وذلك مؤذن بعدم فلاح المجتمع.
ولا أدل من سطوة هذه الموروثات على العقول والنفوس، من الدراسة الميدانية التي قامت بها د. فاطمة عياد الأستاذة بجامعة الكويت، على عينة من طلاب وطالبات الجامعة، حيث قال: 75% منهم: المرأة لا تصلح للعمل السياسي، إنها سلطة الموروثات الثقافية كما يقول محمود كرم الكاتب الكويتي، فالأفراد يمتصون القناعات والعادات من البيئة الاجتماعية التي يتربون فيها، وهي التي تشكل عقولهم وعواطفهم وعاداتهم الفكرية والسلوكية.
كما يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي ويضيف: الطفل يمتص ويتشرب الثقافة المحيطة لتصبح كالنقش في الحجر، فيصعب "الانعتاق" من البرمجة الأولى وبخاصة إذا كانت البيئة سلبية تجاه المرأة، لأن "العقل يحتله الأسبق إليه".
ختاماً: مهما تكن سطوة الموروثات فإني من المؤمنين بأن المستقبل يعمل لمصلحة المرأة، إنصافاً وتمكيناً، ومثل هذه الملتقيات الفكرية الناجحة، روافد مهمة في تفكيك الموروث المنتقص من كفاءة المرأة الساسية.