توجد علوم إنسانية عدة لم تأخذ مكانها الطبيعي والذي تستحقه في عالمنا العربي، بل إن هناك علوماً ما زالت محل تشكيك بل في أفضل الأحوال في محل سوء فهم. لن أذهب بعيداً فهذا هو علم النفس على مختلف تفرعاته وأقسامه بل ورغم التطورات الهائلة التي يضمها كل يوم، ورغم اتساع مهامه وفائدته في جوانب حياتية عدة، رغم كل هذا فإنه مازال يعاني من نظرة شك وسوء ظن وفي أحيان كثيرة يتم تجاهله بسبب الهالة غير الصحيحة عنه.
تحكي لي صديقة من دولة عربية وهي حاصلة على شهادة الدكتوراة في علم النفس تخصص علاج سلوكي ومعرفي، تقول إنها زارت صديقة لها لأنها سمعت بأنها مريضة ومازالت تعاني من حزن كبير بسبب وفاة ابنها وأحد أخوتها في حادث مروري رغم مضي نحو ثلاثة أشهر. تقول إنها وجدتها منهارة تماماً وفي حالة نفسية سيئة جداً، فأشارت على والدتها بأخذها إلى معالج نفسي لأنها تحتاج علاجاً متخصصاً فمن شأن طلب المساعدة النفسية والطبية مساعدتها على تجاوز هذه المحنة، لكن الأم ردت بحدة بالغة وقالت هل ابنتي مجنونة؟
هذه الصديقة ونظراً لتخصصها كانت تدرك تماماً أن صديقتها تعاني من انهيار شديد، بسببه داهمها المرض الجسدي، لكن النظرة السائدة أن طلب العلاج النفسي هو خاص بالمجانين، وهذه نظرة تسود في كثير من مجتمعاتنا العربية مع الأسف.
هذه القصة تحمل دليلاً أن في بعض المجتمعات رفض للعلم بسبب سوء الفهم، وهي نظرة عرفت تاريخياً بمقاومتها للعلم. على سبيل المثال عندما اكتشف علم الفلك وبدأ العلماء الأوائل في وضع نظريات وآراء حوله صدموا بمقاومة من المجتمع الذي اعتبر هذا العلم شعوذة وسحراً وعندما بدأ تاريخ العلوم الرياضية ـ الرياضيات ـ وجدت تجريماً وقذفاً لمكتشفي المسائل الحسابية، وعندما اخترعت الطائرة تم مقاومتها لأنها تتنافى مع طبيعة الإنسان ورفضت تماماً، وغيرها كثير جداً مع كل علم جديد.
لا أقول إن بعض الدول في عالمنا العربي تشبه هذه الحالة التي ترفض العلم والتطور، لكنني أتساءل كيف في هذا العصر ما زال يوجد بيننا من ينظر لعلم النفس بهذه النظرة السطحية؟ والمؤلم أنه بسبب هذه النظرة قد نستدعي المرض الجسدي إضافة لتمكن المرض النفسي في عقل وروح من نحبه، ونحن نعلم أن بعض الأمراض النفسية قد تؤدي للانتحار وإيذاء النفس.