في ظل حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، عاد موضوع حقوق المرأة المغربية بقوة إلى ساحة النقاش العمومي، على ضوء مسيرة نظمها ائتلاف واسع من الجمعيات النسائية والحقوقية الأحد، من أجل مطالبة الحكومة بتفعيل المساواة بين الجنسين في مختلف المجالات.
وقد جابت مئات من الناشطات، ينتمين إلى تنظيمات وقطاعات مختلفة، الشارع الرئيسي للعاصمة الرباط، رافعات شعارات تطالب بتطبيق بنود الدستور الجديد، وخصوصاً الفصل 19 منه، الذي ينص على "تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية."
ونص هذا الفصل من الدستور، الذي طرحه العاهل المغربي، الملك محمد السادس، وصوت عليه الشعب في يوليو/ تموز 2011، في خضم الحراك العربي، على المساواة في الحقوق والحريات الواردة في الدستور، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب.
وقد نص الدستور الجديد أيضاً على أن تسعى الدولة إلى تحقيق "مبدأ المناصفة" بين الرجال والنساء، وأن تحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، وهي البنود التي تشكل صلب تحرك الجمعيات الحقوقية، التي تنتقد تلكؤ الحكومة في المبادرة الى تفعيلها، بعد مرور ثلاث سنوات من تنصيبها.
رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، فوزية العسولي، انتقدت تجاهل الحكومة لمطالب الحركة الحقوقية والنسائية، رغم الاقتراحات العملية التي قدمتها للحكومة، ومراسلتها لرئيس الحكومة، بخصوص تسريع مسلسل إنشاء هيئة المناصفة ومكافحة التمييز.
وأعربت العسولي في تصريح لموقع CNN بالعربية، عن ارتياحها لنجاح مسيرة المناصفة بالرباط، ليس فقط بالنظر إلى عدد المشاركات والمشاركين، بل أيضاً لتنوع تمثيليتها الواسعة، التي ضمت ناشطات حقوقيات وسيدات أعمال ومثقفات وكاتبات وفنانات، مما بعث رسالة قوية إلى "حكومة دأبت على عدم إشراك المجتمع المدني، في تسطير السياسات العامة المتعلقة بالمرأة"، على حد قولها.
وقالت العسولي إن التأخر في تفعيل مقتضيات الدستور، وفي إحداث هيئة المناصفة، وإبطاء مسار مشروع القانون حول العنف ضد النساء، يزيد في معاناة المرأة ، حيث تشير المؤشرات إلى تفاقم الوضعية الاقتصادية للنساء النشيطات، وتزايد مقلق لحالات زواج القاصرات وجرائم الاغتصاب والعنف ضد النساء، كما توثق ذلك مراكز الاستماع للضحايا التي تديرها الجمعيات الحقوقية.
وقدمت الناشطة البارزة نموذجاً لما وصفته بـ"اللا مساواة"، قائلة إن النساء يشكلن 32 في المائة من العاملين بالوظيفة العمومية، في حين أن 12 في المائة فقط ممن يشغل مراكز مسؤولية هن نساء، ونبهت إلى أن الاقتصاد المغربي يدفع هو الآخر ثمن اللا مساواة بشهادة تقارير منظمات رسمية، مشيرةً إلى أن هذا الوضع يهدر ما يعادل 1.25 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
مسيرة المناصفة بالرباط سجلت غياب الجناح النسائي لحزب العدالة والتنمية، والمتمثل في "منتدى الزهراء للمرأة المغربية"، مما يكشف وجود تقاطب واختلاف حول مكانة المرجعية الدينية في مقاربة قضية المرأة والمساواة بين الجنسين بوجه خاص.
وأكدت رئيسة المنتدى، عزيزة البقالي، في تصريح لـCNN بالعربية، عدم المشاركة في المسيرة، بالنظر إلى عدم إشراك هيئتها في التنظيم ومحتوى الشعارات المرفوعة، مبرزة أن المنتدى يشاطر هيئات المجتمع المدني مطالبه بخصوص المساواة وتفعيل مضامين الدستور، لكن الخلاف بشأن بعض المطالب التفصيلية وطرق تفعيل مبدأ المساواة يظل قائماً.
وأضافت البقالي: "لا أدري هل هناك أجندة خاصة خلف توقيت المسيرة، لكن يظل للمجتمع المدني حق اختيار الشكل المناسب للتعبير عن مطالبه" ، مذكرةً بأن منتدى الزهراء ينتظر هو الآخر تفعيل الدستور، وإخراج هيئة المناصفة إلى حيز التطبيق.
وتوضيحاً للخلاف حول مقاربة المساواة بين الجنسين مع الهيئات النسائية ذات المرجعية العلمانية، أوضحت الناشطة الإسلامية أن هناك من ينظر إلى المساواة على ضوء المطابقة المطلقة مع المواثيق الدولية، بينما هناك من يفهمها على ضوء انخراط المغرب في هذه المواثيق، لكن مع احترام ثوابت المملكة، بما في ذلك مرجعيتها الإسلامية، لتخلص إلى أن المنتدى لا يقبل "بعض الأمور التي تتنافى مع القطعيات الإسلامية"، على حد قولها.
cnn