من المؤكد أن ثمة عنفا يمارس ضد المرأة، لكن البعض يعتقد أن هذا العنف هو البدني فقط، فالمرأة تتعرض في مواقع التواصل الاجتماعي لعنف اخر أكثر قسوة، إنه العنف اللفظي المتمثل في تغريدات مسيئة وتشبيهات جارحة تترك في نفسها جراحا غائرة ربما أكثر مما يتركه الضرب. كيف تسيء هذه التغريدات الى المرأة؟
خلال الزيارة التي قامت بها النجمة العالمية كيم كردشيان إلى الكويت تعرضت المرأة الكويتية لإساءات لا حد لها على مواقع التواصل الاجتماعي، أحد المغردين قدم العزاء لكل نساء الكويت بقدوم كردشيان.
أَدخلُ على حسابي في تويتر وأقرأ تغريدات بعض الذين أتابعهم فتصيبني الدهشة أكثر، رجال من مختلف الأعمار، ينتمون الى أُسر-المفترض أنها محترمة- الكثير منهم على درجة عالية من العلم والثقافة والاطلاع فأجد تغريدات كالتالي:
«كويتية قبيحة وسمينة، جسمها يشبه «الكرواسون» تريد مهراً 12 ألف دينار! ولبنانية جميلة رشيقة وغنوجة تقول لك: أريد قلبك وحبك مهراً».
«أنجلينا جولي أصبحت في الأربعين من عمرها وجسدها رشيق وجميل، والكويتية في العشرين تشبه وحيد القرن».
الفتاة الكويتية ما كملت العشرين وكأنها «كَبَتٌ»، أي تُشبه خزانة الملابس من شدة العرض والسمنة وانعدام الأنوثة والرشاقة!
إلى جانب ذلك هناك تغريدات لا تعد ولا تحصى تبدأ بالإلفاظ الشهيرة هذه:
«من غباء الكويتية، أنها....».
«من تفاهة الكويتية، أنها....».
«يا إلهي! فيه في الدنيا أغبى وأتفه من الكويتية؟...».
العنف اللفظي.. عادي
الكلام السابق لأستاذة القانون العام بكلية الآداب في جامعة الكويت د. فاطمة المطر، التي تستفزها تلك الإساءات التي تتعرض لها المرأة في مواقع التواصل الاجتماعي وتقول:
- العنف اللفظي والعنصرية ضد المرأة الكويتية صارا، للأسف، شيئا عاديا، وواقعا اجتماعيا مقبولا في الكويت، لكن هل يمكن أن أستخدم العنصرية المقابلة أو المعاكسة وأُبدي استغرابي من الرجل الكويتي الذي ينعت الكويتية بالقبح، في حين أنهُ هو في المقابل لا يتمتع بدرجة عالية من الوسامة أو الجاذبية أو الرشاقة ما عدا قلّة قليلة من الرجال الكويتيين؟
تضيف:
- الجمال لم يكن ولن يكون يوماً معيارا سليما لتقييم المرأة المحترمة ولا الرجل المحترم، ولأننا كبشرلا نختار مظهرنا الخارجي، ولو كنّا نستطيع اختيار مظهرنا، لكنا طبعاً سنختار الجمال، وإذا كانت المرأة الكويتية تضع الكثير من الماكياج وتذهب الى الصالون وتنفق كثيراً على وسائل التخسيس، فالرجل الكويتي أيضاً أصبح في السنوات الأخيرة يهتم جدا بمظهره الخارجي.
لماذا يصمتون؟
وتنتقد المطر هذا الصمت المريب من المؤثرين في هذه اللغة الهابطة التي تتعرض لها المرأة في مواقع التواصل الاجتماعي، فتقول:
- العنف اللفظي الذي يستهدف المرأة الكويتية في مواقع التواصل الاجتماعي أصبح لا يُطاق من الظلم والتحقير، والمؤسف أنه لا أحد يستنكر هذه الظاهرة المتفشية أو على الأقل تسليط الضوء عليها لتحقيق شيء من التوعية .تضيف:
- لم أسمع من الشخصيات الاجتماعية أو الدينية المؤثرة من تبنى الظاهرة أو يبدي استياءه مما يكتبه البعض في تويتر وإنستغرام من رأي هابط جداً في المرأة الكويتية. لكنني في الواقع أرى أن ما يحصل هو عنف، فالعنف ليس فقط الضرب والإيذاء الجسدي، بل هو أبعد من ذلك، العنف كثيراً ما يكون بمجرد كلمة واحدة، فالكلمة تجرح وتؤذي وقد تظل عالقة في أنفسنا مدى الحياة تؤثر في نمو شخصيتنا العاطفي والنفسي وتعكس نظرتنا تجاه أنفسنا.
وتتابع:
- وبالرغم من كل هذا الحط من قدر المرأة الكويتية في مواقع التواصل الاجتماعي يؤسفني أنني لم أجد يوماً رجلا كويتيا ولا امرأة كويتية خصوصاً من المؤثرين اجتماعياُ يتكلم عن مدى تفوّق المرأة الكويتية على الرجل.
البس حجاب أختك
وتشير المطر إلى أن هذه التغريدات تأتي من شخصيات شهيرة تسلط عليها الاضواء، فتقول:
- في الكويت (كما في الكثير من الدول العربية) إن أردت الانتقاص من قدر الرجل تنعتهُ بأنثى، فالمرأة تعتبر سُبابا. ومن التغريدات التي تظل معلقة في ذاكرتي، ما كتبه أحد الأشخاص المؤثرين في المعارضة عندما اشتد الشقاق بين الحكومة والمعارضة في الكويت في بداية العام 2013 ، فكتب هذا المعارض والقيادي داعياً جميع المعارضين في تويتر : «إذا لم تخرج اليوم للمسيرة فالأفضل لك أن تلبس حجاب أختك». فأن تكون كأختك فهذه أشد إهانة لك كرجل، من وجهة نظر هذا المُعارِض القيادي الشهير، أن تلبس حجابا وتتسم بالحشمة والعفة هذا انتقاص شديد لرجولتك حسب وصفه! بالرغم من أن أختك قد تكون إنسانة رائعة، والغريب والمدهش أنه لم يستنكر أحد هذه التغريدة.
اضافت:
- كامرأة كويتية وأُم ومُربية واستاذة جامعية يحزنني جداً ما آلت إليه عنصرية الرجل الكويتي ضد المرأة، والعنف في رأيي لا يولد إلا مزيداً من العنف.
عنف يجرح الذات
من جهتها ترى أستاذة علم الاجتماع بجامعة الكويت د. ملك الرشيد أن تعريف العنف لم يعد يقتصر على العنف المادي الظاهر والمتمثل في حالات العنف الجسدي فقط كما كان في السابق، فتقول:
- للعنف أشكال مختلفة تتعدى آثاره سطحية الجروح والكدمات والإصابات الظاهرة المرئية، لتمتد الى ما يلامس الروح ويجرح المشاعر ويزلزل الكيان النفسي لمتلقيه. لهذا فقد تدارك العلم والقانون القصور السابق في تعريف العنف لمفهومٍ أشمل يحوي في حناياه العنف الجنسي واللفظي والنفسي والاقتصادي وصولاً الى العنف الفكري، فهاهم علماء الاجتماع والنفس يقرون أنماط الإساءة اللفظية وكل سلوك من شأنه أن يحط من القدر أو يسبب لها الأذى النفسي والسيكولوجي، باعتباره أحد أشكال العنف التي يجب أن تتصدى له المجتمعات والهيئات المختصة بالعلاج والوقاية والتوعية، وليلحقها المُشرع ويحذو حذوها في اعتبار هذه الأنواع من السلوكيات اللفظية والنفسية سبباً كافياً للوقوع تحت طائلة القانون.
تضيف:
- لا أعتقد أن الإساءة اللفظية للمرأة في مواقع التواصل الاجتماعي ترقى الى مستوى «الظاهرة» بعد، وأتمنى ألا تصل الى هذا الحد، ولكن في الوقت نفسه.
الأسوأ من الوقوف مكتوفي الأيدي هو «تشجيعها». فالإساءة اللفظية للمرأة تغزو الدراما التلفزيونية الخليجية منها والعربية بشكل مبالغ فيه لا يعكس واقعاً حقيقياً.
الخروف و«سكانه مراته»
لكن ما الاسباب وراء إساءة الرجل للمرأة في مواقع التواصل الاجتماعي؟
تجيب الرشيد بقولها:
- هناك العديد من التفسيرات للإساءة التي تتعرض لها المرأة من قبل الرجل بشكل عام وليس فقط في مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، أحدها يعود الى جذور عنصرية ونظرة فوقية اعتاد الرجل في المجتمعات الشرقية على اعتقادها تبعاً لطبيعة التنشئة الاجتماعية التي جُبل عليها.
2- والتفسير الآخر هو اعتقاد البعض أنهم بالإساءة الى المرأة والحط من قدرها يرفعون من شأنهم كرجال! كما قد تكون تلك الإساءات هي إسقاطات لشعور البعض بضآلة شخصياتهم مقارنة بالنماذج النسائية الناجحة التي تسبب لعديمي الثقة بالنفس شعوراً بالدونية يهدد مكانتهم كـ«قوامون» على النساء! .
عبّري عن استيائك
وأخيرا تقدم د. الرشيد مجموعة من النصائح لكيفية تعامل المرأة مع هذا النوع من الإساءة، فتحددها قائلة:
- نحن لا نستطيع مهما حاولنا أن نغير البشر من حولنا أو نصلح الخلل في فكر الاخرين ومعتقداتهم وسلوكهم إلا حينما يريدون هم ذلك، ويستشعرون تلك الحاجة للتغيير داخلهم، فيما عدا ذلك، فكل ما يمكننا عمله هو تغيير نظرتنا الى الأمور، فكل منا يرى العالم من حوله ويفسر الأقوال والأفعال من خلال عدسة ترشيح خاصة به.