في هذا المقال لن أجر الأسباب كي أقنع أحدا بأهمية الحصص البدنية وممارسة الرياضة للبنات اللاتي أصبح مرض السكري والبدانة سمة من سماتهن وهن صغار في السن، ولن أحاول التحدث عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي باتت ضرورية لإصدار قرار يسمح بقيادة المرأة للسيارة، لا أريد التحدث هنا عن تلك القضايا المؤجلة للمرأة السعودية، لا عن ابتعاثها دون محرم، ولا عن أهمية صدور قانون يحميها من التحرش، ولا عن ولي الأمر الذي قد يحرمها من الزواج طمعا في إرث أو راتب أو حتى يتم ردها من مراكز الشرطة إن لم يكن هو معها، وإن كان من تشتكي ظلمه! لا أريد أن أتحدث عن قضاياها التي ما نزال ندور وندور وندور معها داخل دائرة مفرغة جوفاء حتى أصبنا بـ”الدوخة” و”الغثيان”! فما قلناه منذ عشرين سنة نعود ونلوكه من جديد كـ”العلكة” مرة تلو مرة في الصحافة والمجالس والمواقع العنكبوتية!
إنما ما أود الحديث عنه هو هذا الكم من “القرف” الذي بتُّ وغيري من النساء السعوديات يشعرن به وسامحوني على استخدام هذه الكلمة، فقد قرفنا من استمرار الصورة النمطية للمرأة السعودية داخل عقول هؤلاء الممانعين!! والأسباب التي يجرون ذيولها من خلال تفكير سُفلي بها!! المرأة ليست مجرد جسد، هي عقل وروح وجسد، فمتى سيفكرون في قضاياها بتفكير علوي؟! لماذا يتذكرون فقط نصفها السفلي وينسون نصفها العلوي وهم يسوقون أسبابهم في ممانعة ما يكون لصالحها، فبعد ما زالت الأسباب التي روجوا لها زمنا في قضاياها من تحريم ديني، واكتشف الناس أنهم خُدعوا وأنها مباحة والدين لا يقف ضدها، بات هؤلاء يبحثون عن أسباب أخرى أكثر حساسية وإثارة للقلق عند الناس، وليس هناك ما هو أهم من “عذرية المرأة”، وهكذا باتت قيادتها للسيارة وممارستها للرياضة سببا من أسباب فقدان العذرية، وحتى ابتعاثها وسفرها دون محرم يعود أيضا لأسباب سفلية يتم معها نسيان كل الأسباب العلوية! وطبعا يسوقون أسبابهم دون تأصيل علمي أو طبي!! مجرد اجتهاد تؤصله لهم العادات والتقاليد!
بصدق، أليس أمرا مخجلا حين تكون تصريحات بعض الشخصيات عندنا بمثابة “النكتة” في الصحف الأجنبية، وتصبح معها المرأة السعودية رمزا للتخلف والجهل في رسوماتهم الكاريكاتيرية و”لبانة” في برامجهم الكوميدية يُضحكون عليها جمهورهم! حقيقة إنه أمر يغضبني جدا حين أرى رسام كاركاتير في صحيفة أجنبية يرسم المرأة السعودية في صورة كاريكاتيرية لا تمتُ لعقلها ومستوى تعليمها بصلة سوى ما يُروج عنها من جهل في قضاياها، أليس الأمر مؤسفا أن نظهر هذا القدر من الجهل في أمور محسومة علميا، ألا يمكن أن نرتقي قليلا في رؤية المرأة السعودية وما لها من بصمة علمية وإعلامية وأدبية وفكرية على المستوى الدولي، أليس ممكنا أن نخرجها من الصورة النمطية التي لا تراها سوى وعاء ومتاع للرجل ونرتفع قليلا في تفكيرنا إلى المستوى العلوي ونتأمل قليلا سورة النساء في القرآن الكريم، وحكمة الله تعالى بأن جعل أكثر أهل الأنبياء والمرسلين هم النساء لأن عقولهن كانت لهم خير معين على أداء المهمة العظمى.