تتم مقاربة أدب المرأة في العالم العربي حديثا بطريقة مختلفة بهدف قراءته بشكل موسع والتعرف على موضوعاته المتعلقة بقضايا المرأة في المجتمع، وكيف تقوم المرأة بتصور وجودها في المجتمع. ليس هذا وحسب، ثمة نقاد يبحثون في أساليب الكتابة النسائية ، ليس لاستكناه أنسقة القهر الاجتماعي، وحسب، ولكن باعتبار هذه الأسلوب يعكس لغة عاطفية / إيروتيكية خاصة بها تستخدمها الكاتبة المرأة ، وهذا اعتقده أمر مناف للمنطق ، فلايعقل إن لغة المرأة واستخدام اللغة يختلف بين المرأة والرجل على المطلق، ولكنه يختلف في الاختيارات الفردية لكل شخص.
وهناك كثير من ناقش هذه الفكرة من نقاد الأدب ولكنني أميل لرأي سيمون دي بوفار التي تقول بإن لغة المرأة انعكاس لتعاطي المجتمع مع وجود المرأة، وليست بحد ذاتها اختلاف عن لغة الآخر، بشكل يعطيها مكانة أقل من لغة الرجل. ومن جانب آخر إذا كان النقد النسائي يحاول اثبات ان المرأة مساوية للرجل بالمنطق والقوى العقلانية والفيزيائية ، وإن طبيعة تكوين المرأة ليست أقل من طبيعة تكوين الرجل، فليس من المعقول أن تدرس لغة المرأة بوصفها انتاج لغوي مخالف للرجل بنفسه ولنقل للمكون الاجتماعي والخطاب الثقافي الاجتماعي. فمن ناحية الأسلوب الإبداعي ليس هناك فرق بين لغة الرجل الإبداعية أو المرأة. بالنسبة لي الأدب النسائي، قدم من خلال رجل أو امرأة، فهو اختصاصه دراسة قضايا قهر المرأة ، و آليات تعامل المجتمع معها.
فيما يخص أدب المرأة الكويتية ، هناك معضلة في تمييز أدب الرجل عن أدب المرأة الكويتية، فأدب المرأة الكويتية يتبنى قضايا المجتمع الكويتي، بشكل عام، كما هو أدب الرجل. فباستثناء أسماء قليلة جدا لا نستطيع أن نقول إن المرأة الكويتية استطاعت تقديم نماذج قهرها الاجتماعي بشكل وافي وعميق. لذا ليس هناك فجوة عميقة بين أدب الرجل الكويتي والمرأة الكويتي من حيث طريقة تناول موضوع المرأة، مثلما هي الفجوة الحاصلة بين المنتج الإبداعي السعودي الحالي بين المرأة والرجل في السعودية.
ومن جانب آخر ، نستطيع القول إن الأدب الكويتي تبنى قضايا المرأة الكويتية سواء رجل أم امرأة، فلمتكن قضية تمثيل المرأة الكويتية إشكالية عند الرجل الكويتي المبدع.
ولكن، عند تفحص إبداع المرأة الكويتية والبحث عن تمثيلها وتبنيها لقضاياها، فلم نجدها تتبنى ذلك بعمق في الطرح ، أو تتبناه كقضية أساسية تناضل بها، ماعدا المبدعة ليلى العثمان على مستوى القصة ، والشاعرة د. سعاد الصباح في مجال الشعر .
في هذه القراءة سأتحدث عن تمثيل المرأة الكويتية لقضايا عديدة في المجتمع ومن بينها قضية المرأة كما اتضحت عند المبدعة ليلى العثمان.
بإمكاننا النظر إلى أدب المرأة الكويتية بمقاربتين:
- الأولى هي الخاصة بأدب المرأة الذي يمثل قضايا المجتمع كافة وهويته الجمعية والفردية من خلال التقاط بعض الظواهر السائدة في المجتمع أو المسكوت عنه في المجتمع، وهذا النوع وقبل الخوض به يجب التنويه بإني لا اعتبره أدبا نسائيا إلا باعتباره قدم من كاتبة امرأة فقط، ولا يحمل صفات القهر النسائي بل يعرض لثيمات القهر الاجتماعي بشكل كامل. أيضا هذا النوع من الأدب يثير مشكلة عدم جدة المرأة في طرح قضاياها ، وسيرها خلف السائد والمألوف ومماشاتها لخطاب الرجل السائد في المجتمع.
عند النظر في أعمال إبداعية نسائية كويتية تم انتاجها قريبا من مثل فوزية شويش السالم، باسمة العنزي ، منى الشمري ، وتحديد الثيمة المسيطرة عليها، سنجد إن الإشكالية التي تعالجها المبدعات هي قضية الهوية في المجتمع، ولقد تعددت زوايا الرؤية لها في المجتمع، فلو بدأنا على سبيل المثال برواية ‘سلالم النهار’ للروائية فوزية السالم ، نجدها تقدم للهوية الكويتية المحطمة والمدمرة والمشتتة بين كويتيين وبدون، وللفساد المستشري في المجتمع بكافة شرائحه، إذ تعرض للهوية سياسيا واجتماعيا.
فيما يخص الهوية السياسية، تتحدث الروائية عن إشكالية البدون أو غير محددي الجنسية، (ومن المثير للانتباه إنه على الرغم من إن القضية منذ ستينات القرن الماضي حتى الآن لم تجد حلا ، فإن الأدباء الكويتيين لم يتحدثوا عنها إلا قريبا في الأعوام الخمس الأخيرة مما يطرح سؤالا هاما عن تأخرهم الإنساني في تبني مثل هذه القضية). صورة البدون والكويتي/ة في رواية ‘سلالم النهار’ تم عرضها مشوهة على حد السواء، فجميعهم نساء ورجال غير محترمين ، متطبعين بالفساد وفق المفهوم البوردوي، يسعون لسلطة أكبر ولا يبالون بأي وسيلة يحصلون على مرادهم. فالرواية أرادت تنقل إن المجتمع كاملا لديه مشكلة أخلاقية كبرى سواء في قضايا الشرف ، أو في القابلية وممارسة الإجرام، أو في أشكال الرشاوي والنفاق الاجتماعي. وهذا العمل وإن سلط الضوء على شرائح اجتماعية مستحقة النقد ، فهو من جانب آخر قدمهم وكأنهم الصورة الكلية الجمعية للمجتمع الكويتي.
باسمة العنزي في روايتها ‘ حذاء أسود على الرصيف’، قدمت الهوية الاجتماعية في الكويت إذ عرضت للطبقات الاجتماعية بين الكويتيين وغير الكويتيين من البدون والوافدين، إضافة إلى أبناء الطبقات الغنية الذين يظهرون ثرائهم من خلال آخر صيحات الموضى والمتوسطة وشبه المعدمة التي بالكاد تغطي مصروفاتهم اليومية. أما البدون فقد ظهر في الرواية على إنه حارس في هذه الشركة الرأسمالية، الذي كان يحلم بأمواج المرأة القيادية في الشركة كرمز للمرأة الكويتية الجميلة من الخارج، الخاوية من القيم الجمالية في الداخل، ولنعتبرها اسقاطا رمزيا على حلم المواطنة المفقود، تلي هذه الصورة، صورة جهاد الفلسطينية التي تنافق لمن معها ولا سيما أمواج سكرتيرة مدير الشركة، فعلى الرغم نفاقها ، الذي ساعدها للمرور في اختبارات التصفية للشركة، فإن القدر كان متربصا به ، لتعكس أزمة الفلسطينيين الأقل حظا في خريطة الوجع الإنساني الأكبر ، ليكون حذاءها المتروك على الرصيف ، علامة على التلاشي والشتات النهائي للفلسطيني.
القاصة منى الشمري في محموعتها القصصية ‘ يسقط المطر.. تموت الأميرة’ تتحدث عن هوية المكان الكويتي في حقبة زمنية هامة رصدت التعايش بين الكويتيين وغيرهم في مدينة الفحيحيل العاكسة وقتها للعديد من الجنسيات العربية وغير العربية من إيرانيين ، ترك ، وغيرهم يتعايشون بانسجام وتصالح إيجابي وحضاري عكس تكاتف العرب وغيرهم في فترة السبعينات. ماقامت به المجموعة هو حفر ذاكرة الكويت واستعادة نماذج من الحياة الكويتية المتصالحة والراصدة في كل قصة لحكاية تعايش بين كويتي وغير كويتي، لتقف أمامها الكويت في أزماتها في الحاضر تحلل وتبحث عن الخلل في أزمة الهوية المعاصرة التي تقلص فيها وتقوقع الكويتيين ، على أنفسهم ، وأصبحت لدينا ثنائيات كويتية شبه متصارعة/ بدون/ حضري بدوي/ سني / شيعي/ أصيل غير أصيل.
بوجهة نظري هذه النماذج الروائية تكشف إن الهوية الكويتية الاجتماعية بحاجة لأن تقوض ويعاد بنائها من جديد.
- المقاربة الثانية هي السرد النسوي المتبنى لقضايا المرأة بشكل أساسي، فسنجد الروائية ليلى العثمان العلامة الهامة والفارقة ليس في الكويت وحسب بل الخليج العربي أيضا قبل ظهور جيل من الكاتبات في السعودية يتبنن قضية المرأة. فما قامت به ليلى العثمان الحفر في بنى القهر الاجتماعي الموجه للمرأة، فهي سجلت في فضائها الروائي الكثير من تفاصيل قهر المرأة والرجل في كويت الماضي، مما يعني الحفاظ على ذاكرة الماضي واستعادة صور تعامل المجتمع مع المرأة في حقبات زمنية ماضية إن لم تطرح ستكون في طي النسيان الأدبي، وهذا لم يجعل نظرتها احتفائية بالماضي بقدر ما كانت رؤيتها نقدية لمظاهر القمع الاجتماعي والتهميش. وبشكل أعمق تتعامل العثمان مع مشاكل المرأة العاطفية والإيروتيكية في مجتمع محافظ ، وتعرض لنماذج متعددة من النساء وبأخلاقيات متعددة تتراوح بين المرأة المحافظة والمنفلتة عن عرف الجماعة، مبينة كيف إن المجتمع المحافظ يحاول تقليم ظفر أي محاولة للخروج من هذا النظام التقليدي والنزوع إلى الحرية، وكيف إن هذه المرأة تقمع وتحارب في مشاعر حبها البرىء مثل في ‘وسمية تخرج من البحر’، أو تقصى وتسجن بسبب إيروتيكيتها في روايتها الأخيرة ‘حكاية صفية’. كل هذا كانت تقدمه ليلى العثمان بأسلوب سردي مشوق ، لم يمنعها من نقل حزن ومرارة المرأة في مجتمعات محافظة، ومن عرض تفاصيل حيوات مجتمع كامل يتماثل في بنيته بنية أي قهر خليجي للمرأة ، ويختلف في تفاصيله وبيئاته، حيث تبقى المرأة الخليجية لم تعرض وتمثل في الأدب من خلال سرديات أخرى مغايرة كالمرأة البدوية مقابل للمرأة الحضرية التي تشتغل عليها ليلى العثمان كثيرا ، ففي الكويت نحن بحاجة لأديبات يعرضن لإشكاليات المرأة من خلال سياقات اجتماعية متعددة.
ناقدة وكاتبة كويتية.