تسعى الباحثة والروائية المغربية الدكتورة زهور كرام إلى خلق تصور تقريبي حول علاقة المرأة المغربية بالإنتاج الفكري والمعرفي والأدبي خلال النصف الأول من القرن العشرين؛ حيث تلاحظ غيابا ـ أو شبه غياب ـ لحضور صوت المرأة المغربية في مختلف الدراسات العربية، مُرجعةً جزءا من مسؤولية ذلك إلى ما تعتبره تقصير المغاربة في تقديم ذاكرتهم الثقافية، من خلال الأصوات التي أنتجتها وساهمت في إضاءتها، أو أشعلت شمعة أضاءت طريق النور.
جاء التأكيد على ذلك في كتاب ‘ربات الخدور: ‘ الذي صدر ضمن منشورات دار ‘رؤية’ المصرية؛ وفيه تعمل الكاتبة زهور كرام على مقاربة تجربتين تفكك خطابهما الفكري والإبداعي:
ـ الأولى، عربية مصرية ساهمت فيها عناصر شامية ومصرية من خلال وصف وتحليل أنطولوجيا زينب فواز العاملي ‘الدر المنثور في طبقات ربات الخدور’. وترى مؤلفة الكتاب أن إعادة قراءة هذه الأنطوولوجيا، بعد مرور أكثر من ربع قرن من الزمن، من شأنه أن يعيد منطق ترتيب الأفكار في ذاكرة الثقافة العربية، ويعيد لزمن التأسيس المعرفي والإبداعي والأجناسي الاعتبار لأشكال التفكير ولوسائل التعبير التي ساهمت المرأة العربية في إنتاجها.
ـ التجربة الثانية، عربية مغربية ارتأت الكاتبة من خلالها تقديم مقاربة أولية لدور المرأة المغربية في تأسيس عناصر النهضة المغربية التي بدأت معالمها تتضح مع بداية الاستقلال، وذلك من خلال البحث في علاقة المرأة بالكتابة وبالفضاء الثقافي كمجال للتعبير عن مبدأ الحرية.
وتهدف مؤلفة الكتاب من وراء عملية الجمع بين تجربتين عربيتين مختلفتين من حيث سياق الإنتاج وزمن الخطاب إلى النظر إلى ما يميز كل تجربة على حدة ضمن سياقها الخاص، بالإضافة إلى محاولة الوقوف عند العناصر المشتركة بين التجربتين فيما يخص طريقة تحديد المفاهيم من طرف المرأة/ الكاتبة.
وبناء على مختلف الخطابات (الأنطولوجية والمقالة والنص الأدبي) التي وقفت عندها زهور كرام في هذه الدراسة، تسجل ملاحظة بخصوص شكل البناء، فالنصوص ـ وفق تحليلها ـ تتميز بإرسالية خطابية تعتمد أدوات منهجية وبيداغوجية في بث إدراكات الكاتبة للأشياء. إنها إرسالية تستحضر الرجل العربي، باعتباره ذاتا يشكل حضورها أهمية تاريخية في إرساء معالم السؤال. كما لا يحضر الرجل بوصفه عدوا، أو علة الخلل الاجتماعي الذي يحيط بالمرأة. والتعامل مع الرجل بهذا الشكل مؤشر دلالي على استحضار المرأة/الكاتبة لمقتضيات السياق الاجتماعي العربي، ولطبيعة الذهنية المتحكمة في السلوك والممارسة.
وتضيف كرام قولها إن المرأة/ الكاتبة حرصت على إيصال خطابها، مع التأثير في المتلقي العربي (الرجل/ المرأة)، موضحة أن ذلك الخطاب لا يحمل فعل المواجهة، بل يؤسس أطروحته بمرونة، مع استبعاد الخطاب المستهلك لطروحات الإقصاء التاريخي للمرأة أو لطروحات جاهزة ذات مرجعية غربية.
وتلاحظ مؤلفة الكتاب أن الخطاب النسائي في مراحله التأسيسية كان يستحضر الرجل باعتباره مشاركا في ذلك الخطاب الذي يعمل أيضا (من خلال تمظهراته في الكتابة) على إشراك القارئ في صياغة الموقف ويستحضر الضمائر، ويعتمد ـ في أغلبه ـ على التعددية في وجهات النظر. وعلى صعيد آخر، يعمل ذلك الخطاب على إعلان الصور الإيجابية المتعددة للمرأة كنقيض للصورة الواحدة ـ الموضوع ـ التي تتحكم في التفكير العام. وهذا ما حذا بالمؤلفة زينب فواز إلى وضع أنطواوجيتها لتضع التاريخ أمام التعددية التي تتميز بها المرأة والتي غفلها التاريخ حين عمد إلى توثيق صورة قارة.
وتخلص زهور كرام إلى القول إن إعادة قراءة خطاب المرأة يمنحنا فرصة جديدة لامتلاك إدراك مراحل وفترات مهمة من تاريخنا العربي، وهي عودة تسعفنا في إحياء نصوص وأساليب ولغات ورؤى، مثلما وجدنا في التجربة المغربية؛ إذ مكننا سؤال المرأة من إنتاج أنماط جديدة من الإدراك لأسئلة الثقافة في المغرب قبل الاستقلال، وقد يدعونا إلى نفض الغبار عن قضايا ظل مسكوتا عنها، ومنها قضية الثقافة ولماذا لم يساير إنتاجها مستوى التفكير فيها.
تبقى الإشارة إلى أن الكتاب الواقع في 229 صفحة من القطع المتوسط يضم ملاحق تشمل عينة من النصوص التي اشتغلت عليها المؤلفة والتي استخرجتها من الجرائد والمجلات المغربية التي تعود إلى سنوات الأربعين من القرن العشرين، وذلك حتى تساهم عملية تقريبها من القراء في إعادة قراءتها وكذلك إنتاج معرفة جديدة حولها.