الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

واقع المرأة العربية

  • 1/2
  • 2/2

كان للمرأة العربية دورها المتميز والنشط فى الانتفاضات الشعبية التى اندلعت فى دول ما يسمى «الربيع العربي». وهذا أمر متوقع بسبب استمرار الاضطهاد المزدوج، والتهميش الذى تتعرض له المرأة العربية فى كل بلاد المنطقة، مع اختلاف فى الدرجة فقط.
وعلى الرغم من بزوغ الأمل فى تحولات حقيقية تطال كل مجالات حياة المرأة العربية، إلا أن التطورات الفعلية أظهرت انتكاسات عديدة. ففى مجال ممارسة الحقوق السياسية، مازالت المرأة فى عدد من البلدان تكافح من أجل الحصول على «كوتات» أو نسب محددة أفضل فى التمثيل فى البرلمانات والمجالس المحلية، بهدف تأكيد مشاركة ملموسة فى السلطة السياسية. ومن ناحية أخري، شهد عدد من المجتمعات العربية تراجعا واضحا فى دور المرأة الايجابى فى الحياة اليومية، وفى الفضاء العام. ويرجع ذلك فى أغلب الأحيان، إلى صعود التيارات الدينية المحافظة، وقدرتها على فرض ثقافتها ورؤيتها بين قطاعات واسعة خاصة بين الطبقات والفئات الاجتماعية الفقيرة. ومن المفارقات أنه مع ازدياد التدين الشكلاني، صار التحرش الجنسى كابوسا يهدد الفتيات والنساء عموما.
تعود جذور هذه الوضعية المتراجعة لأسباب ذاتية وموضوعية . فمن أهم الأسباب الذاتية، فهم الحركة النسائية نفسها لقضيتها، وبالتالى تحديد كيفية القيام بمهامها، ثم تحديد أنجع الوسائل والأدوات لتحقيق غايتها. وفى هذا الإطار لفت نظرى تعليق لقيادية نسائية مصرية مرموقة أدلت به فى الفترة الأخيرة، أرادت فيه الدفاع عن حقوق المرأة المصرية السياسية. وهنا قامت بمقارنة وضعية المرأة المصرية بالمرأة فى السودان، لتقول أن حالة المرأة السودانية أفضل من حالة المرأة المصرية. ولقد صعقت من هذه المقارنة ومن سيدة مشهود لها بالخبرة والدقة فى الأحكام. ولكننى تفهمت مبررات حكمها. إذ يبدو أنها رجعت إلى احصائيات تبين نسب مشاركة المرأة السودانية فى البرلمان وعدد الوزيرات، ولكنها لم تتعرف على «قانون النظام العام» السودانى الذى يسمح بجلد النساء فى أماكن عامة بسبب الزى أو أى تصرف يراه «المحتسب» مخالفا للقانون. وهنا تساءلت كيف تحدد المرأة العربية قضيتها؟ وما هى معاييرها لتطور أو تخلف المرأة العربية؟ وهل جلوس عدد من النساء تحت قبة البرلمان دليل كاف على أن المرأة العربية قد حققت طموحاتها وأحلامها فى التقدم؟هناك نائبات مدافعات بل داعيات لتعدد الزوجات بلا تحفظ، لحل مشكلة العنوسة حسب رأيهن.
من أهم سلبيات الحركة النسائية العربية، أنه يغلب عليها الاغتراب والنخبوية، وللوصفين دلالة واحدة هى عدم الواقعية والاهتمام بقضايا هامشية على حساب هموم أكثر إلحاحاً. ولذلك، رغم كثرة المنظمات النسوية، ومع وجود تشريعات جيدة على الورق تتحدث عن المساواة، ورغم المساندة القوية من المجتمع المدنى العالمي؛مازال المردود أو المخرجات أقل من المدخلات كثيرا. ومن أول عيوب الحركة النسائية العربية اعتمادها الكامل على معايير الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة فى تقييم وضعية المرأة العربية، دون أن تقوم بتبيئة هذه المعايير أى جعلها مناسبة للبيئة أو الواقع العربي.
تراجعت الحركة النسائية العربية عن شعار «تحرير» المرأة الذى كان سائدا فى ستينيات القرن الماضي، زمن صعود المد التقدمى والتحرري. أما الآن، فقد تبنت الحركة النسائية مفهوم دولى ورسمي، هو «التمكين» والترجمة الدقيقة هى منح القوة وهى غالبا قوة سياسية. ومن هنا جاء التسييس الفائض لقضية المرأة أى التركيز على المطالبة بالحقوق السياسية مع تجاهل أو تأجيل الحقوق الاخرى بالذات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. ومن الملاحظ أن عامل الثقافات المحلية أقوى من كل العوامل الاخرى ومنها السياسي. وقد استطاعت الثقافة السائدة أن تفسد مكتسب حق المرأة فى التصويت. فقد أسهمت أصوات النساء فى «تمكين» القوى المحافظة والرجعية فى كل العمليات الانتخابية. ولم يساعد هذا الحق فى تحسين وضع المرأة، بل ساعد فى استبطان المرأة لاضطهادها حين ساعدت فى فوز نواب ضد المرأة.
يتطلب هذا الوضع المنتكس أو المتراجع، أن تقوم الحركة النسائية بنقد ذاتها، وأن تقيّم بموضوعية المنجزات خلال هذه الفترة غير القصيرة. وهى فى هذه الحالة مطالبة بشيئين: الأول إعادة ترتيب الاوليات ثم تحديد الجماعات المستهدفة والوصول إليها فى أماكنها. وبالنسبة للأولويات لابد أن تكون نابعة من دراسة احتياجات الواقع وليس إرضاءً لأجندة مانحين أو توقعات جهات دولية. والأمر الآخر المهم هو أن تكسر الحركة النسائية نخبويتها، وتركزها فى المدن والعواصم. ومن التناقضات العربية، أن الحركات النسائية التطوعية تهمل الريف بالطريقة نفسها التى تهمله به الحكومات العربية. والغريب أن هذه المنظمات التى تُشكل المجتمع المدنى المتسم بحداثته، تقع فى حبائل التخلف العام المهيمن. إذ سرعان ما تحكم علاقاتها وطرائق عملها الشللية (قبلية مجددة)، والتنافس غير الموضوعي، وغياب الديمقراطية الداخلية وبالتالى ضعف المؤسسية. ونجد أنفسنا أمام منظمات حديثة تعمل بعقل تقليدى قديم. لذلك، غالبا ما يدور العمل النسائى حول نفسه، ويتخيل أنه يتقدم إلى الأمام. ورياح التغيير حتى نتحدث عنها ليس المقصود بها الدولة وأجهزتها فقط. وهذا ما يجعل المرء يتردد فى اطلاق صفة «ثورة» على ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية، لأنها أعمق وأبعد من «تغيير النظام» ولكن تغيير العقول كشرط للدخول فى المستقبل. فالحركة النسائية عليها مسئولية عظمى فى عملية الثورة لأنه تستهدف رافعا أساسيا فى النهضة وهو، المرأة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى