كان يرتدى بدلة أنيقة، ونظارة شمسية تخفى عدساتها السوداء عينى ذئب ماثل فى صورة عجوز. اندس وسط المشترين فى أحد الأسواق المُكتظة بحجة الشراء . أخذ يتلفت يَمنة ويَسرة بحثا عن فريسة يروى بها ظمأ نفسه ، فوقعت عيناه على امرأة فى أوائل العقد الرابع، ظنها قنصا سهلا فأخذ يطاردها أينما حلت . كان كلما أسرعت يُوسع الخطى، وكلما تباطئت يسير الهُوينى، أخذ يُسمعها كلمات ، تُدغدغ المشاعر وتخْدش الحياء، فبدت عليها حُمرة الخجل، واضطربت أنفاسها، واشتد وجيب قلبها ، ولما أعيتها حيل الفرار من ذلك الذئب الجائع ، صرخت مُستنجدة بمن حولها فهبوا لنجدتها ولاذت بالهرب دون شراء.
هذه الواقعة الأليمة وغيرها تؤكد معاناة مجتمعنا المصرى مُؤخرا من داء غريب عن الصبغة الأخلاقية لشعبنا الأصيل، ونخوة (ولاد البلد)، وهو داء التحرٌش الجنسى الذى يرفضه الدين ـ أى دين ـ وتأباه الفطر السوية والأخلاق الحميدة. وترجع خطورة ذلك السلوك الشاذ إلى أن الأسرالمصرية صارت لاتأمن معه خُروج امرأة أو فتاة بمفردها خشية التعرض لمُضايقات لا تُحمد عُقباها ولا ينفعُ معها ندم.
وبنظرة موضوعية يتضح أن ذلك السلوك الشاذ إنما يدل على غياب الدين والعقل عند من يقترفه، لأنه نسى أنه دَينٌ لابد أن يُقضى ، وكأس لابد أن يذوق مرارتها إن عاجلا أو آجلا، لهذا لما أراد أحد الصبيان أن يُرخص له نبينا فعل الزنا ، لم يعنفه المصطفى بل أقنعه بالحجة ، وأثناه عن اقترافه بالمنطق والعقل، ففاجأه بالسؤال : أترضاه لأُمك فأجاب الفتى بالنفى، ثم أخذ النبى يُعدد له محارمه مُستفهما منه أيرضى أن يُرتكب معهم ذلك الفعلُ القبيح، وتأتى إجابة الفتى بالنفى ، حتى أقر بأنه سلوك مذموم ، ورفضه لنفسه ولغيره.
وبالسؤال عن طرق مقاومة ذلك الداء العضال، تأتى الإجابة بأنه لابد أن نسد أبواب تلك الجريمة بأقفال من حديد؛ بأن تخرج الفتاة (مُحتشمة) حتى لاتثير غرائز الرجال خاصة الشباب ، الذين صارالزواج بالنسبة لهم مع غلاء المعيشة وتعدد المطالب حُلما يصعب تحقيقه، فضلا عن ضرورة تغليظ عقوبة ذلك الفعل الشائن ، حتى يرتدع من تسول له نفسه ارتكابه، أو تحدثه بإتيانه، هذا بالإضافة إلى ضرورة أن تخطو الدولة خطوات جادة فى حل أزمة السكن، بالسماح بالتوسع الرأسى ، وتوفير أراضى البناء بأسعار تتناسب ودخول الشباب ، بالإضافة إلى إيقاظ الوازع الدينى لدى الشباب من خلال دور العبادة ووسائل الإعلام حتى نتمكن من القضاء على تلك الظاهرة التى أضحت خطرا يهدد بيوتنا المصرية