إلى فترة قليلة ماضية لا تتجاوز ثلاثين عاما، انفرد السكان البيض في جوهانسبيرغ في جنوب أفريقيا بالسلطة المطلقة، كان ممنوعا على السود ركوب الباصات أو حتى ارتياد الشواطئ. اللافتات العنصرية انتشرت في كل مكان: «ممنوع دخول الكلاب والسود».
يتكرر المشهد اليوم بصورة عنصرية أخرى، وهذه أمثلة لثلاث حالات تعبر عن فوبيا التمييز العنصري. سيدتان في مجلس الشورى؛ الأولى شغلت منصب الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للإسكان، والثانية كبيرة علماء أبحاث السرطان بمستشفى ومركز الأبحاث بالرياض كانت قد فازت في عام 2007 بجائزة هارفارد للتميز العلمي تقديرا لها لقيامها بالعديد من الإسهامات الطبية المتميزة في مجال البحوث الطبية. هاتان السيدتان دخلتا بوابة المجلس التشريعي لتناقشا مواضيع الأمة وهمومها، ولكن ليس بإمكانهما دخول بوابة مبنى الجوازات دون إذن من ولي أمرهما يأذن لهما بتجديد جواز سفرهما بسبب تأويلات أحادية قائمة على نصوص أيديولوجية انتقائية.
ورغم إنشاء قسم نسائي في مديريات الجوازات بمختلف مناطق المملكة، واشتراط امتلاك بطاقة أحوال للمرأة كي تستصدر جواز سفر أو تجدده، إلا أن المرأة السعودية لا تستطيع تجديد جواز سفرها من خلال القسم النسائي فقط، وإنما لابد من وجود وصي عليها لاستكمال إجراءاتها. ماهو البديل؟ أن تمر بإجراءات طويلة لتحصل على وكالة شرعية مسجلة لدى كاتب عدل من ولي أمرها- إن وجد- يخولها القيام بذلك دون الحاجة إلى وجوده معها.
المثال الثاني الدكتورة سامية العمودي طبيبة سعودية، عضو هيئة التدريس بجامعة سعودية مرموقة كافحت إصابتها بمرض السرطان وتم تكريمها من بين أشجع نساء العالم، واختيرت كأول امرأة خليجية وسعودية في عضوية مجلس إدارة الاتحاد الدولي لمكافحة مرض السرطان بجنيف.
هذه المرأة الشجاعة التي دخلت مزهوّة بوابة مؤسسة سوزان كومن لسرطان الثدي العالمية لتكريمها من قبل نائب الرئيس الأميركي (جو بايدن وحرمه) وأضاءت ردهات البيت الأبيض بعلم بلادها، لم يسمح لها بمغادرة بوابة مطار الملك عبدالعزيز بجدة لتلبية دعوة من جامعة هارفارد للمشاركة في مؤتمر طبي دون موافقة ولي أمرها. بالمناسبة، ولى أمرها هو ابنها الذي تنفق عليه! هنا فقط تلد المرأة ولي أمرها!
في نهاية عام 2008 صدرت فتوى جواز سفر المرأة دون محرم سواء في المسافات القصيرة أو البعيدة، شريطة أن تكون آمنة على نفسها وعرضها. إلا أن اللواء منصور التركي، المتحدث الأمني باسم وزارة الداخلية صرح لصحيفة (الشرق الأوسط) وقتها أن النظام لا يمكن تغييره لمجرد صدور فتوى، باعتباره موضوعا من قبل السلطات التشريعية. مع احترامي لجميع السلطات التشريعية والتنفيذية، لماذا لم يطبق هذا المنطق عندما صدرت فتوى بمنع قيادة المرأة للسيارة؟ مرة أخرى ممنوع دخول النساء بوابة المساواة والعقل والمنطق.
المثال الثالث الكاتبة والأخصائية موضي الزهراني التي مُنِعَتْ من دخول مكتبة بيت الله الحرام في مكة لأنها امرأة. من يصدق أن في عام 2014 توجد لوحة معلقة أمام واجهة المكتبة تتضمّن عبارة “ممنوع دخول النساء”؟ هذه السيدة الفاضلة دخلت عبر بوابات الإنسانية لمساعدة النساء المعنفات والمفرج عنهن بعد السجن، واﻷطفال المعنفين وأطفال المطلقات وأطفال التسول، ومع ذلك فباب مكتبة الحرم موصد في وجهها لأنها امرأة!
يصرّ المحتسبون الظلاميون على العبث بإنسانية المرأة واستقلاليتها، ومنعها من دخول المكتبة هو حاجز اسمنتي بينها وبين الثقافة، والبديل الوحيد هو باب التقاليد البالية المؤطرة بنظرية الرأي الخشبي الأوحد. هذا ليس بغريب، فالخطاب الديني المتشدد أوصد بوابة حسم حقوق المرأة على المستوى القانوني بأصفاد من اجتهادات فردية وفتاوى جامدة من منطلق سد باب الذرائع، في الوقت الذي فتح العالم كله الأبواب والنوافذ والقلوب مشجعا لمشاركة المرأة في التنمية من منطلق حسن الظن ومبدأ جلب المصالح.
يقف المجتمع السعودي على منعطف طريق حرج؛ من جهة ملك صالح يقود دفة التنمية بحكمة وبصيرة، ومن جهة أخرى شريحة المحتشدين المعطلين لهذه التنمية. دخلت المرأة بوابة الشورى فأطلقوا عليها لقب “عاهرة”. دخلت بوابة التربية البدنية فكالوا لها الشتائم لأن رياضة البنات “كبيرة من الكبائر”. دخلت بوابة المرافق التجارية لتعمل كاشيرة بشرف وطمأنينة فوصفوا عملها بأنه “محرم وتوظيفها محرم، والتعاون في هذا الباب محرم”، بل أفتى أحدهم أن من يبيع ويشتري من هذه المحلات التي «توظف النساء» فهو آثم.
دخل حارس “بوابة الفضيلة” في أدق تفاصيل جسدها، فأفتى في حيضها، وأطلق لخياله العنان في التحليل الطبي الكاذب لحوضها ومبيضها وبكارتها، وانتهك مبادئ الإنسانية وبراءة الطفولة فحلل لكهولته الفجة الدخول عنوة في صغر رحمها. عنفها بالشتم والضرب، فما أن طالبته بالطلاق حتى ساومها بدفع المال له مقابل تطليقه لها، أو يهجرها ويتركها هي وأولادها بلا نفقة فيعلقها ويرفض تطليقها. الدين يسر، فافتحوا أبواب الإنسانية والرحمة، وأقفلوا أبواب الخوف والشك والريبة.