يُحكى أن أحد الأطفال كان لديه سلحفاة يطعمها ويلعب معها .. وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة جاء الطفل لسلحفاته فوجدها قد دخلت في غلافها الصلب طلبا للدفء ، فحاول أن يخرجها فأبت ..ضربها بالعصا فلم تأبه به ..صرخ فيها فزادت تمنعا . . فدخل عليه أبوه وهو غاضب حانق وقال له : ماذا بك يا بني ؟فحكي له مشكلته مع السلحفاة .. فابتسم الأب وقال له دعها وتعال معي .. ثم أشعل الأب المدفأة وجلس بجوارها هو
والابن يتحدثان .. ورويدا رويدا وإذ بالسلحفاة تقترب منهم طالبة الدفء .؟ فابتسم الأب لطفله ، وقال : يا بني الناس كالسلحفاة إن أردتهم أن ينزلوا عند رأيك فأدفئهم بعطفك،ولا تكرههم على فعل ما تريد بعصاك .
في واقع حالنا الإداري والحياتي اليومي نجد نماذج عديدة ممن يتبع نمط أسلوب الطفل في إخراج السلحفاة من غلافها الدافئ بالعصا ، فهؤلاء يعتقدون بأنهم بفعلهم ذاك يستميلون ممن هم حولهم بوسائل عقيمة قد تكون ذات أثر محدود ومؤقت ، فمثلا منهم من يستخدم المال في استمالتهم ، وآخرون يسخر الجاه والسلطان في تطويعهم لخدمة مصالحه ، فهناك مشاهد كثيرة في الحياة تبين التفاف المتملقين والمتزلفين حول هؤلاء وسرعان ما ينفضون عنهم بمجرد تلاشي المال أو خفوت لمعان الجاه ، ومنهم من يتمادى في استخدام سلطاته الإدارية باتخاذ قرارات تعسفية شعورا منه بأنها ستؤتي أكُلها إلا أنها تؤدي إلى عكس المبتغى، وهناك من يحاول عبثا أن يمارس أساليب الإدارة المرنة للبشر بشيء من التصنع ،كأن يشارك الآخرين في رأيهم دون الأخذ بها ،أو أن يتعمد بتوزيع ابتسامات صفراء غير صادقة لمن حوله معتقدا بأنه يستطيع أن يمررها ، وليظهر أمامهم بمظهر المسؤول المرن والودود ، متناسيا بأن قلوب الناس لا تنفذ اليها إلا المشاعر الصادقة والدافئة ،فهذا النوع من الناس أو القيادات سرعان ما يعود لطبعه الجاف لمجرد عثرات طفيفة أو أخطاء لا تذكر ممن يعملون معه متجاهلا كل إنجازاتهم الايجابية ، فبممارساته التصنعية الزائفة هذه سرعان ما يفقد من هم حوله بمجرد أن تلوح لهم في الأفق فرصة أو بارقة أمل للهروب منه ومن واقعه بالاستقالات وتوالي طلبات النقل والانتقال ، والواقع يشهد مثل ذاك في العديد من دوائرنا ومؤسساتنا العربية .
بالمقابل هناك من عامة الناس ومن القيادات من يتمتع بأسرار الشخصيات الساحرة المؤثرة في الحياة.. فهم يدفعون الناس إلى حبهم وتقديرهم ومن ثم طاعتهم بإعطائهم من دفء قلوبهم ومشاعرهم الصادقة الكثير والكثير ،بمثل ما اجتذب الأب وابنه السلحفاة بدفء الموقد بدلا من ضربها للخروج من غلافها ، فهذه النماذج الناجحة تمارس ما يسمى (الإدارة بالحب...!) فتراهم محبوبين وناجحين في علاقاتهم مع الآخرين ، ويحققون نجاحات مبهرة في مؤسساتهم ووحداتهم الإدارية ، والسر في ذلك بأنهم قد خلقوا في محيطهم بالإدارة الودودة فريق عمل يتمتع بالحافزية والإخلاص.
فدعونا جميعا نوقد موقد الحب للناس .. فرسولنا الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم يخبر الطامح لكسب قلوب الناس بأهمية المشاعر والأحاسيس فيقول: (إنكم لن تسعدوا الناس بأموالكم ولكن يسعدهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق).