الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

(ع ج م ) الإعجام والعجمة والعجم ، جذوريّــاً

  • 1/2
  • 2/2

من العبارات التي كادت الأجيال أن تنساها وتهمل استعمالها ، الاعجام ( ع ج م ) وما والاها من اشتقاقات جذورية ، كانت شائعة في لغة القوم :
قولهم العجم يقصدون بها الفرْس ، وأعجم الحروف أزال عنها الإبهام واللبْس والغموض بالتنقيط ، والعكس الاهمال وهو نزع النقاط عن الحروف ، فيقولون مثلا عن الباء حرف معجم بنقطة تحتية ، والنون بنقطة فوقية ، كذلك التفريق بين التاء والياء ، كلاهما معجم مثنى ( أي بنقطتين ) لكن التاء من فوق والياء من تحت ، والثاء مثلّـثـة فوقية ، بينما العين مهملة ، أي لا نقاط عليها ، كذلك السين والميم والطاء .... الخ . وبهذا الاسلوب أزالوا اللبس وأوضحوا وأعربوا فكانت اللغة العربية لغة الفصاحة والبيان والإعراب والوضـوح الكامل ، خاليةً من أيّ غموضٍ أو تداخل بين الحروف والمفردات .
والعَجَمُ، بالتحريك:النوى وكلُّ ما كانَ في جوفِ مأكولٍ من البذور، كالزبيب والتمر والتفاح وما أشبه ذلك . والعَجَمُ:خلاف العَرَبِ، الواحد عَجَمِيٌّ.والعُجْمُ بالضم: خلاف العُرْبِ. وفي لسانه عُجْمَةٌ أي بُعْـد عن الفصاحة المألوفة لدى العرب .وعُجْمَةُ الرمل أيضاً:آخره.والعَجَمَةُ بالتحريك أيضاً:النخلةُ تنبُت من النواة ، ولا يقال هذا عن النخلة التي تنبت بالفسائل .
والعَجْماءُ:البهيمةُ. وفي الحديث : ((جُرحُ العَجْماءِ جُبارٌ)) أي أن عواقب تخريبها وجنايتها واعتدائها هدر لا تُحاسب عليه. وإنَّما سمّيت عَجْماءَ لأنَّها لا تتكلَّم ولا تفصح ( غامضة قد استغلق مرادها وتعبيرها ).فكلُّ من لا يقدر على الكلام أصلاً فهو أعْجَمُ ومُسْتَعْجِمٌ.والأعْجَمُ أيضاً: الذي لا يُفصح ولا يُبين كلامَه ، وإن كانَ من العرب.والمرأة عَجْماءُ.والأعْجَمُ أيضاً : الذي في لسانه عُجْمَةٌ وإن أفصح بالعَجَمِيَّةِ.ورجلان أعْجمانِ للمثنى وقومٌ أعْجَمونَ وأعاجِمُ للجماعة . قال الله تعالى : "ولو نزَّلْنا على بَعْضِ الأعْجَمينَ" سورة الشعراء \ 198، ثمَّ ينسب إليه فيقال لسانٌ أعْجَمِيٌّ، وكتابٌ أعْجَميٌّ.والأعْجَمُ من الموج:الذي لا يتنفّس، أي لا ينضَح الماء ولا يُسمع له صوت. وصلاة النهار عَجْماءُ، لأنّه لا يُجهر فيها بالقراءة .و قال تعالى: ﴿ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي﴾ سورة فصلت/44، وقال تعالى حكاية لمن يزعم أن محمداً كان يستكتب القرآن من أعجمي بينهم : ﴿ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يُلْحِدون إليه أعجميٌّ وهذا لسان عربي مبين ﴾ سورة النحل/103  .
وتقول العرب : عجم الحرفَ والكتابَ ـُ عَجْماً: أزال إبهامه بالنَّقْط والشَّكل. وعجم الشيءَ عَجْماً، وعُجُوماً: عضَّه ليعلم صلابته من رخاوته ( وهو نوع من الاختبار ). ويقال : عَجَمَ فلاناً، وعجم عُودَه : امتحنه واختبره . وفي هذه الحالات نلاحظ الاختبار قائما ، لإزالة الغموض عن صفة ما في شيء ما ، فيحدد مدى الصلابة أو الرخاوة أو ..... ومنه قولنا عَجَمْتُ عودَه ، أي بلوتُ أمره وخبرتُ حاله.وقال الشاعر :
أبى عودُكَ المَعْجومُ إلاَّ صلابةً = = = وكَفَّاكَ إلا نائلاً حين تُـسْـألُ
و مُعجمُ الخَطِّ هو الذي أَعْجَمه كاتِبُه بالنقط ، وتعقيباً على ما أوردنا آنفا للتفريق بين ( عجم الشيءَ ) وبين ( أعجمَـه ) تقول أَعْجَمْتُ الكتابَ أُعْجِمهُ إعْجاماً ولا يقال عَجَمْتُه إنما يقال عَجَمْتُ العُودَ إذا عَضَضْتَه لتَعرِفَ صَلابتَه من رَخاوتِه وقال الليث المعجم الحروفُ المُقَطَّعَةُ سُمِّيت مُعْجَماً لأَنها أَعجمية قال وإذا قلت كتابٌ مُعَجَّمٌ فإن تَعْجيمَه تنقيطُه لِكَيْ تسْتبِينَ عُجْمَتُه  .
المُعْجَم (بضـمِّ الميم): ديوان لمفردات اللغة مُرَتَّب على حروف المعجم. ( ج ) معجمات، ومعاجم. وحروف المعجم: حروف الهجاء ، والراجح في سبب التسمية أن الحروف هي مواد بناء الكلمات التي يزول بها اللبْسَ والغموض عما يقصده القائل او الكاتب مُعْـرِبـاً عما في خاطره معبِّـرا عن أفكاره .
والآن نسأل عن القاسم المشترك بين هذه الاستعمالات  المشتقة من ( ع ج م ) ، وما أصل الاشتراك والمشاكلة بين استخداماتها الجذورية ؟
وللإجـابة عن هذا السؤال : أدعو القارئ الكريم الى تأمّل وتدبّر بيت الشِّـعْر التالي وهو قول علقمة ، يَصف فرساً :
سُلاَّءَةٌ كعَصا النَّهْدِيّ غُلَّ لها = = = ذُو فَيْئةٍ من نَوَى قُرَّانَ معجومُ
فقوله (ذُو فَيئَة ) أي له رُجوعٌ ولا يكون ذلك إلامن صَلابتِه وهو أَن يَطعَمَ البعيرُ النَّوَى ثم يُفَتَّ بَعرُه فيُخْرَجَ منه النَّوَى فيُعلَفَه مَرَّةً أُخرى ولا يكون ذلك إلا من صَلابته وقوله مَعْجوم يريد أَنه نَوى الفَم وهو أَجود ما يكون من النَّوى لأَنه أَصْلَبُ من نَوى النبيذِ المطبوخ ( أي بذور حبات العنب التي يصنع منها الخمر ) . وفي حديث أُمّ سلمة رضي الله عنها ، تقول : نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أَن نَعْجُمَ النَّوَى طَبخاً وهو أَن نُبالِغَ في طَبْخِه ونُضْجه ، يَتَفتَّتَ النَّوَى وتَفْسُدَ قُوّتُه التي يَصْلُحُ معها للغنم ، وقيل المعنى أَن التمر إذا طُبِخَ لِتُؤْخذَ حَلاوتهُ طُبِخَ عَفواً حتى لا يَبلُغَ الطَّبخ النوى ولا يُؤثِّرَ فيه تأْثيرَ مَنْ يَعْجُمُه أَي يَلُوكُه ويَعَضُّه لأَن ذلك يُفْسِد طعمَ السُّلافةِ ، أَو لأَنه قُوتُ الدَّواجِن فلا يُنْضَجُ لئلا يتفتت . وخَطَب الحَجَّاجُ يوماً فقال : إِن أَميرَ المؤمنينَ نَكَبَ كِنَانَتَه فعَجَم عِيدانَها عُوداً عُوداً فوجَدَني أَمَرّها عُوداً ، يريد أَنه قد رازَها واختبرها  بأَضْراسِه ليَخْبُرَ صَلابتَها ، قال النابغة :
فَظَلَّ يَعْجُمُ أَعْلى الرَّوْق مُنْقَبِضاً  ***  في حالك اللَّونِ صَدْقٍ غير ذي أودِ
أَي يَعَضُّ أَعْلى قَرْنِه وهو يقاتله ، والعَجْمُ كما قدّمنا قبل قليل عَضٌّ شديدٌ بالأَضراس دُون الثّنايا ، بقصد الابتلاء والاختبار ، وعَجَم الشيءَ يَعْجُمُه عَجْماً وعُجوماً عَضّه ليَعْلَم صلابَتَه من خَوَرِه ( اختبار بقصد ازالة شبهة أو التأكد من صفة معينة في الشيء ) .
القاسم المشترك إذن هو الابتلاء والاختبار ، ولكن هذا الاختبار انما له قصد  وهدف وليس عشوائيا ، فهو بهدف إزالة الشبهة والوصول الى قرار قطعي ، الخروج من العجمة الى الإعراب والبيان والفصاحة بإزالة أسباب الغموض واللبس ، ،،،،،
أليست الفصاحة عند العرب أصلاً قد جاءت من قولهم ( ف ص ح ) أفصح الحليب ، إذا زالت رغوة السطح الحاصلة أثناء عملية الحلب فبان كُـنْهُ الحليب ، وكذلك الافصاح إبانة ووضوح بعد اعجام ، والاعراب أيضــا بيان للمراد من الكلام ببيان موقع كل حرف وكلمة من الجملة ...والله أعلم .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى