الحُبّ ُ:كما يعرفه المحبون( بضم الحاء) هو عاطفةالانجذاب والميل مع الإعجاب نحو شخص ما، أو شيء ما، وليس بالضرورة أن يكون بين رجل وامرأة رغم أنه الغالب !!!وقد ينظر إليه على أنه كيمياء متبادلة بين إثنين، ومن المعروف أن الجسم يفرز هرموناً خاصاً يُعرف باسم بـ "هرمون المحبين" أثناء اللقاء بين المحبين وهو الاوكسي توسين ..
وتم تعريف كلمة حب لغوياً بأنها تضم معاني الغرام والعلة وبذور النبات( هنا بفتح الحاء ), ويوجد تشابه بين المعاني الثلاث بالرغم من تباعدها ظاهرياً..فكثيراً ما يشبّهون الحب بالداء أو العلة، وكثيرا أيضاً ما يشبه المحبون الحب ببذور النباتات.
أما غرام، فهي تعني حرفياً : التَعلُّق بالشيء تَعلُّقاً لا يُستطاع التَخلّص منه. وتعني أيضاً "العذاب الدائم الملازم" ; وقد ورد في كتاب الله الكريم : ﴿إن عذابها كان غراما). والمغرم : المولع بالشيء لا يصبر على مفارقته. وأُغرم بالشيء : أولع به .
وهناك خلاف لغوي ليس هنا باب مناقشته وتحليله ، وهو هل الحب حرفان (ح+ب) أم ثلاثـة ( ح ب ب ) !
وقال بعض أهل اللغة الجذوريون : إنه مأخوذ من الحُباب وهو الذي يعلو فوق سطح المياه عند المطر الشديد. فكأنَّ غليان وثوران العاطفة عند الاضطرام والاهتياج إلى لقاء المحبوب يُشبه ذلك. وقيل : مشتقة من الثبات والالتزام، ومنه : أَحَبَّ البعير، إذا برك فلم يقُمْ، لأن المحبَّ لزم قلبَ محبوبه. وقيل : النقيض، أي مأخوذة من التوتر ومن الاضطراب، ومنه سُمى (القرط) حبّاً لقلقه في الأذن وحركته النواسية ، قال شاعـر :
تبيتُ الحية النّضْناض منه ===مكان الحَبِّ تستمع السِّرارا.
وقيل : بل هي مأخوذة من الحُبِّ جمع حُبَّة وهي لباب الشيء وأصله ؛ لأن أصل كيانالمرء ولُبّه، ومستودع الحُبِّ ومكمنه إنما هو القلب . وقيل : في أصل الاشتقاق كلام كثير غير هذا، لكننا نعزف عن الإطالة والإسهاب. ونذهب لتعريف ماهية الحب فنقول إن الحب هو: الميْل الدائم بالقلب الهائم، وإيثار المحبوب على جميع المصحوب، وموافقة الحبيب حضوراً وغياباً، وإيثار ما يريده المحبوب على ما عداه، والطواعية الكاملة، والذكر الدائم وعدم السلوان، قال شاعر :
وأحبهـــا وتحبني = = = ويحب ناقتَهــا بعيري
وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم في مواضع ، كقوله تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ...)) ، لكننا الآن سنبتعد قليلا عن الماهية والأعراض والاعتراض لندخل عالما آخر من عوالم الحب وهو الحب بالأرقام والمساحة والحجم.
قال شاعر في بيان حجم محاسن من يحبُّ :
شبيهك بدر التمّ بل أنتِ أنورُ =... وخدّكِ ياقوتٌ و ثغركِ جوهرُ
و نصفكِ كافورٌ و ثلثك عنبرُ = و خمسك ماوَرَدَ و باقيك سكرُ
قلت معلِّقا : الشاعر لا يجيد فن الحساب الرياضي أبد اً ، فكيف نوفق بين الكسور الرقمية السابقة وهي النصف + الثلث + الخمس ( ويقول الباقي ...) والواقع أن النصف والثلث والخمس أكثر من واحد ، فلو قال : ( وسدسك ماورد...) ما انحلَّ الإشكال فالمجموع واحد كامل ولا باقي ، ولا باقي الا إذا قال :( وسبعك .....) أو يعدل من أول البيت الثاني : ( وثلثك كافور وثلثك عنبر ....) فيستقيم الحساب !
وهذا ذكرني بقارئ للقرآن الكريم ، قرأ : ((وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) سورة البقرة \196 .قرأها الرجل – وكان مغفّـلا - : " ... فتلك تسعة كاملة " فقال له آخر : إذا كنت غبيّا بالقراءة فأنت غبيٌّ بالحساب أيضاً ، ذلك أن 3+7 = 10 عند أبسط الناس معروفة !!!
ومن مضارعات هذا وأقصد الحب الحسابي ، وليس الغباء الحسابي ، حبٌّ يعتمد على حساب مستوى الحب نفسه ، قال شاعر ، وأظنه ابا نواس :
لها الثلثان من قلبي وثلثــا ثلثه الباقي
وثلثا ثلث ما يبقى وثلث الثلث للساقـي
فتبقى أسهمٌ ستة تُجـزأ بين عشاقي
قد يبدو الأمر بسيطاُ ، ولكن للعارفين في علم الحساب ،هو ليس كذلك ، فصياغة هذه الأبيات تتطلب معرفة ممتازة في الحساب واللغة وقدرة على صياغة الألفاظ .
والذي لفت نظري ، هو كيف يعرف أبو نواس – بعد هذا الكرم الحاتمي مع حبيبته – أنه سيبقى من قلبه ست حصص ( أو أسهم ) للعشاق ؟
ولكن السؤال الأهم هو : كم سيكون نصيب محبوبته من قلبه ؟
هذا شرح لتلك العملية بالكلمات وربما أدرجت صورة للتوضيح :
أولا ارسم مستطيلا وقسمه عموديا إلى 3 خانات ( أجزاء )وظلل الجزأين الأول والثاني (وهذا هو المقصود بالشطر الأول :لَها الثُلثانِ مِن قَلبي) ثم اذهب إلى الجزء المتبقي ( غير المظلل )وقسمه أفقياً إلى ثلاثة أقسام وظلل القسمين السفليين ( وهذا المقصود بالشطر الثاني :وَثُلثا ثُلثِهِ الباقي ) فيصبح مجموع ما تم تظليله = ثمانية أتساع ( أي بعد جمع الثلثين مع التسعين وتوحيد المقامين )
ثم نأتي للبيت الثالث(وَثُلثا ثُلثِ ما يَبقى وَثُلثُ الثُلثِ لِلساقي ):لقد بقي من المستطيل الذي رسمناه مربعاً ( قسماً ) واحداً لم يُظلل ،قم بتقسيم هذا المربع الصغير إلى تسعة أقسام( ثلاثة في ثلاثة ) وظلل مربعين منه وهذا هو المقصود بالشطر الأول من البيت الرابع ( وَثُلثا ثُلثِ ما يَبقى ) فتبقى سبعة مربعات صغيرة لم تظلل : للساقي واحد ولباقي العشاق ستة وهو المقصود بالشطر الثاني من البيت الثالث (وَثُلثُ الثُلثِ لِلساقي ) والبيت الرابع (فَتَبقى أَسهُمٌ سِتٌّ تُجَزّا بَينَ عُشّاقِ ) . وكل مربع من هذه المربعات السبع هو جزء من 81 جزءًا من القلب وعند جمع نصيب المحبوبة من هذه المربعات الصغيرة ( مربعان فقط ) مع الثمانية أتساع السابقة ( والتي تعادل 72 من 81 ) يصبح الناتج 74 من 81 وهوسبع حصص لا ست !
أرجو أن يكون الشرح وافياً وواضحاً .
وكنت أحفظ ثلاثة الأبيات هذه بشكلٍ آخــر ، فهي بحسب ذاكرتي بيتان ، لا ثلاثــة وهما :
لها الثُّلُـثـان من قلبي = وثلْثُ الثلث للساقي
وتبقى أسهمٌ ســـتّـة = أقسِّـمهــا لعشـاقي
والحساب التوضيحي أن لمحبوبة الشاعر ثلثين وثلث الثلث للساقي ، ويكون الباقي :
2\3+ 1\3 x 1\3 = 7\9 والباقي 2\9
وبحساب القراريط العربية، باعتبار الواحد الكامل 24 قيراطا أو مضاعفاتها حسب المقام ) :
16\24 للحبيبة ، والتسع للساقي ، والباقي ستة أسهم تُوَزَّع على العشاق ، وبعملية حسابية بسيطة نلاحظ أن الباقي ثمانية أسهم من 36 وليس ستة فيكون الحساب في الحالتين قد اعتراه شيء من المسّ والغلط ، إلا أن تكون هناط طريقة للأولين بالحساب نجهلها نحن والله أعلم .
ورغم أن أبـا نواس يبدو مبذراً ومسرفاً في قلبه ، إلا أن هناك من يسرف في عمره وليس قلبه ، قال أحدهم :
لــها من قلبي السدسُ = ومما بقي الخمسُ
و ثلث الكل يتبعـــــــه = وعشراه لها حبسُ
ومـــا لي غير أربعــة = بقيتُ بهـِنَّ أحتبسُ
وعند حساب ذلك ( باختصار) يكون لها :
1\6+1\5\5\6 + 1\3 + 2\10 = 26\30
وهو ما يعادل 26 من 30 ويبقى بالفعل أربعة أجزاء من ثلاثين ( الحصة الكاملة هنا 30 وليس 24 ) وذلك حسب الطرائق الحسابية العربية القديمة .
وقال آخــر :
وهبتُ لـــه ثلثا من العمر كاملا = و ربعا وسدسا ثم ثمنا فاعرضــا
و قال قليل قلت عندي زيـــــادة = فأعطيته ثلثين من سبع ما مضـا
أبقيت لي عشرين عاما أعيشها = وذاك قليل للفتى أن تمرضـــــــا
الثلث + الربع +السدس + الثمن = 21\24 والباقي 3\ 24 ، ولما أعطاه زيادة أعطاه منة عمره ثلثي السبع أي :
1\7 = 2\21X 2\3
وما تبقى نعرفه بطرح الرقم المحصلة الاخيرة من المحصلة الاولى 3\24 وهو :
3\24 -2\21= 20 سنة ورياضيا تعادل 15\504
,وهناك اختلاف بي الحسّـابين ،كما ألمحنا آنفا ، وهو هل الواحد الكامل يعادى اربعة وعشرين سهما أم ثلاثين ؟؟؟!!!
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين ..